منتديات نادي الأمن والسلامة السعودي ـــ إشراف الأستاذ / أسامة بن محمد الجعوان

إستشاري صحة / سلامة / أمن / بيئة / باحث ومتخصص في إدارة الأزمات والكوارث

 

خَلَق الله - سبحانه - الخلْق، وأمرَهم بعبادته، واستخْلَفهم في الأرض، وسخَّر لهم ما فيها، وأمرَهم باستخدام البيئة واستغلالها لمنافعهم، دون تدميرٍ أو تلويث أو إفساد كما استخلَفَهم عليها، فهي أمانةٌ في أيديهم وتحت تصرُّفهم.

وحثَّ الشرع المطهَّر على الحفاظ على بيئة الإنسان بشكلٍ عام، من خلال الأمر بتطهير وتنظيف بيوتهم وطُرُقهم؛ فقد نبَّه الإسلام إلى تخْلية البيوت من الفضلات والقمامات؛ حتى لا تكون مباءَة للحشرات، ومصدرًا للعِلل والأمراض، فقد كان اليهود يفرِّطون في الواجب، فحذَّر الرسولُ الكريم من التشبُّه بهم عندما قال: ( إنَّ الله - تعالى - طيِّب يحب الطيِّب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرَم، جَوَاد يحب الجُود، فنظِّفوا أفنيتكم، ولا تشبَّهوا باليهود) رواه الترمذي.

 وبهذا فقد سبَق الإسلام في التأكيد على حماية البيئة والمحافظة عليها وإنمائها، قبل صدور التشريعات والأنظمة الحديثة، والاتفاقيات الدولية للحِفاظ على البيئة، وقد شرَع الله في الإسلام  الذي جعلَه لنا شِرْعَةً ومِنهاجًا في جميع شؤون الحياة - بما في ذلك البيئة التي نعيش فيها ونتفاعل - قواعدَ وتعاليم لتحقيق المحافظة عليها، ومن ذلك الأمر بعدم الإسراف في الماء، وعدم تلويثه، والمحافَظة على النبات بعدم قطْعه إلا للضرورة، وزرعه لنأكلَ منه حَبًّا وخضرة وفاكهة، والمحافظة على الحيوان والحياة الفِطرية ورعايتها، والرِّفق بها؛ لنستفيد من لَحْمها وصوفها، ولَبنها وعسلها، وقد خلَق الله - تعالى - كلَّ ذلك وأبدَعه بشكلٍ متكامل متوازنٍ؛ حيث قال - تعالى -: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ﴾

فكلُّ شيء في الأرض بقدرٍ مَوْزُون، فإذا أخلَّ الإنسان بعنصر من عناصر البيئة، أثَّر على العناصر الأخرى وعلى توازُنها؛ فقال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20].

 وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ ؛ أي: بتقديرٍ ووزْنٍ، بلا زيادة ولا نُقصان، صالحٍ للخلْق.

 وقد نظَّم الإسلام حماية البيئة والمحافظة عليها وتنميتها، بما قرَّره من مبادئ تحكم التشريع الإسلامي والسياسة العامة في مجالات حماية البيئة؛ مثل:

سُنة إحياء الأرض الموات بزراعتها واستصلاحها، والحمى مثل حمى النَّقيع الذي كان لخيْل وجمال الصدقة، وأقرَّه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خارج المدينة المنورة، وتحديد الحرم في الأماكن المقدَّسة، ومنْع ذبْحِ الحيوان والطيور في الصيد حول الحَرَمين الشريفَيْن بمكة المكرمة والمدينة المنورة، ويَحرُم قطْعُ النبات فيهما، وأمَرَ بالحفاظ على المرافق العامة؛ كالمياه والأنهار وغيرها من التلوث والاستخدام السيِّئ، وهذه النُّظم الشرعية نصَّ عليها الكتاب والسُّنة.

 ولعلَّ من الأدلة الجامعة في هذا المجال حديثَ رسولنا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث يقول: ( الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضع وستون شُعبه، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعبة من الإيمان )؛ متفق عليه.

فقد جعَل إماطة الأذى عن الطريق صدَقةً، مع العلم أنَّ الطريق من الأملاك العامة المشتركة، ويؤكِّد ذلك بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنه خُلِق كلُّ إنسان من بني آدمَ على ستين وثلاثمائة مَفْصِل، فمَن كبَّر الله وحَمِده، وهلَّل الله وسبَّح الله، واستغَفر الله، وعزَل حجرًا عن طريق الناس، أو شوكة أو عظمًا عن طريق الناس.

 وجاء الحديث الذي يدلُّ على عظيم الجزاء، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي قال: ((لقد رأيت رجلاً يتقلَّب في الجنة في شجرة قطَعها من ظهْر الطريق كانت تؤذي المسلمين))؛ رواه مسلم.

 ومما ورَد من الآيات الخاصة في ذلك ما جاء في القرآن بشأن البحر وكيفية الاستفادة من ثرواته دون تخريبٍ وتعدٍّ .

 فقال - تعالى - مُعَدِّدًا نِعَمه على عباده: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

 ونبَّهنا الله إلى الفائدة التي تحقِّقها البحار للإنسان: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ .

 ويُمكن أن نستنتجَ من ذلك أن أيَّ تخريبٍ أو تَعَدٍّ يُخلُّ بهذه النِّعم - والشرع الحنيف يحرِّم كلَّ اعتداءٍ أو إضرار بغير حقٍّ - فقد جاء من قواعد الشرع حديث: ((لا ضَرَر ولا ضِرار)).

 ولعلَّ في الأدلة العامة السابقة دليلاً واضحًا على وجوب المحافظة على الأموال العامة والخاصة، وعدم التعدي عليها بأيِّ وجْهٍ، وإن كانت مِلكًا للدولة، ومما يؤكِّد ذلك قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)؛ مُتفق عليه.

 كما ورَد الدليل على تحريم الإسراف بشكلٍ عام في قوله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾

 ومن ذلك تجنُّب الإسراف في مصادر الطاقة وترشيد استهلاكها، كالماء والكهرباء، ولَم يترك - سبحانه - ذلك للاجتهاد، فحَثَّهم على الوسطيَّة، ووسط الشيء أعْدَله وأفضله.

 

قال - سبحانه تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾

 

 فالوسطية خِصِّيصة من خصائص الأمة الإسلامية التي تدلُّ على حُسن التصرُّف في كلِّ موقف من المواقف، والأمة الوسط تبتعد عن التبذير والإسراف، وتُحافظ على المال العام، ولا تُنفقه إلا في الأوجه المشروعة.

 

وروى الإمام البخاري في صحيحه: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - استعمل رجلاً من بني أسد على صدقة، فلمَّا قَدِم، قال: هذا لكم، وهذا أُهدي إليَّ، فصعِدَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المنبرَ، وحَمِد الله - سبحانه تعالى - وأثْنَى عليه، ثم قال: (ما بال العامل نبعثه، فيأتي ويقول: هذا لك، وهذا لي؟! فهلاَّ جلَس في بيت أبيه وأُمِّه، فينظر أيُهدى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيءٍ إلاَّ جاء به يوم القيامة يَحمله على رقبته؛ إن كان بعيرًا له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَر))، ثم رفَع يديه وقال ثلاثًا: (ألا هل بلغت؟!) .

ولعل مما يؤكِّد وجوب المحافظة على البيئة والتزام القوانين والأنظمة التي تنظِّم استخدامها، وحُسن الاستفادة من المرافق الترفيهية العامة .

قول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ ﴾  فكل ما فيه ضَرَرٌ أو تعدٍّ على المسلمين يدخل في باب العصيان.

 ويؤكِّده أمْرُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأصحابه: ( إيَّاكم والجلوسَ على الطُّرقات )، فقالوا: ما لنا بُد، إنما هي مجالسنا نتحدَّث فيها، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ( فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقَّها )، قالوا: وما حقُّ الطريق؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:(غَضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر)  مُتفق عليه.

 ومما تقدَّم يتبيَّن لنا عناية الإسلام بالبيئة، وأنه سبَق المنظَّمات الدولية لحماية البيئة، كما سبَقَت أنظمته الربَّانية إصدار الأنظمة والاتِّفاقيات المتعلقة بها، فالشريعة الإسلامية مخزون ثقافي وشِرْعة ومنهاجٌ للمسلمين في رعاية شؤون البيئة والحياة في الدين والدولة، وما إصدار أنظمة وتشريعات البيئة والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة، إلاَّ تطبيقٌ للشريعة الإسلامية التي تحثُّ على المحافظة على البيئة ورعايتها بالحُسنى، وإنمائها لخير الناس والحيوان.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1051 مشاهدة
نشرت فى 18 مايو 2015 بواسطة AlJaawan

منتديات نادي الأمن والسلامة السعودي

AlJaawan
أهدافنا تطمح للوصل الى القمة .. ونعمل جاهدين من خلال التطوير والتدريب وتطبيق معايير الجودة وإدارة أنظمة الأمن والسلامة المهنية من ضمن هذه الإدارات بل لعلها من اشد الإدارات التي يجب أن تحقق أهدافها لان فشلها في تحقيق أهدافها يعنى الفشل في إيجاد بيئة العمل الآمنة والعكس صحيح . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

427,556