1- المشاركة في التربية: من الآباء مَنْ لا يريد القيام بأيِّ نوع من رعاية الطفل عندما يعود متعباً في المساء، والحقيقة أنّ الأُم التي كانت تعمل طوال النهار في رعاية أولادها هي أيضاً متعبة، وتحتاج إلى شيء من تفهُّم الزوج وتقديره، وقد لا يكلّفه ذلك كثيراً، فأخذه لولده من يدي زوجته يحقق أهدافاً كثيرة، منها: أنّه ينمِّي العلاقة بينه وبين ولده، ومنها: أنّه يظهر في ذلك محبته وإهتمامه بزوجته، وتقديره للدور الذي تقوم به، وفوق هذا وذاك تشعر الزوجة آنذاك أن زوجها ما زال يهتم بها ويرعاها مثلما كان يفعل قبل الإنجاب.
ومن الآباء من يأتي في المساء إلى بيته، يتناول طعامه، ثمّ يترك البيت حتى ساعة متأخرة مع أصدقائه، تاركاً زوجته مع وليدها أو أولادها، وقد يحتجُّ الأب أن ذلك ما اعتاد عليه قبل الزواج، وينسى أو يتناسى أنّه رُزق بمولود جديد، وأن عليه أن يغيِّر نمط حياته، فهو أمام مسؤوليات جديدة، وحياة مختلفة، فهو قد أصبح أباً، وعليه أن يشارك زوجته في مسؤولياتها تجاه ولده.
وقد يشعر الأب الجديد بالغيرة مما يتلقاه وليده من عناية زوجته، ولهذا ينبغي على الزوجة أن لا تغفل عن ذلك، فتعطي زوجها الإنتباه المطلوب، كالترحيب به فور وصوله إلى المنزل، وتقديم ما يحتاج إليه بطيبة وسماحة، وعليها أن لا تبعد زوجها عن ولده بحجَّة أنّ الرجال لا يقدرون على رعاية الأطفال.
2- مسؤولية التربية: ولا شكَّ أنّ مسؤولية التربية تقع على الأبوين معاً، ولا ينبغي للأُم ألا تسمح للأب بمساعدتها في تربية الطفل فحسب، بل عليها أن تحثّه على ذلك، وتهيِّئ له الأسباب.
ولا ينبغي أن تعتمد الأم على الأب في تهديد ولدها وعقابه، فيصبح الأب كما قال المربُّون: في نظر ابنه كالشرطي للمجرم، لا صلة بينهما إلا عند الإختلاف في الرغبات".
وينبغي أن لا نغفل ضرر الإختلاف الذي يحدث بين الأب والأُم في البيت من أجل الطفل، فإن ذلك يضعف نفوذهما، ويستثمره الولد لمصلحته فيتمادى في غيِّه، بل يجب أن يعلم الطفل أن سلطة أبويه هي سلطة واحدة.. ولعلَّ أسوأ ما يؤثِّر في نفس الطفل الخلاف بين الأبوين على مسمعٍ من الأطفال، ممّا يسبب القلق والإضطراب لدى هؤلاء الصغار، والأدهى من ذلك أن يغرس كلٌّ من الأبوين في نفوس الصغار كُره الآخر، فتصبح الأسرة وكأنّها أحزاب متعارضة متصارعة.
وبعض الآباء يزعمون أنّ التربية تكون بإظهار العنف والقسوة والعبوسة فيُرى الأب مقطِّب الجبين في منزله كأنّه آلة للإنتقام أو مثال للإرهاب، فيتجنَّبه الأولاد، ويتوارى كلٌّ منهم في زاوية خوفاً منه ورهبة من غضبه، لا إحتراماً له أو حياءً منه، وهذا ما يخالف قوانين التربية، ويحرِّمه الإسلام.
يقول ابن خلدون: "من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلِّمين أو المماليك أو الخدم، غلب عليه القهر، وضاقت نفسه، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل وحُمِلَ على الكذب والخبْث، خوفاً من إنبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلَّمه المكرَ والخديعة لذلك".
3- عمل الأُمّهات: والحقيقة أن إنشغال الأُمّهات عن تربية أبنائهنّ في السنين الأولى من العمر مأساة كبرى، حتى إنّ الدعوات أخذت تتصارع في الغرب تدعو إلى إعادة دور الوالدين في التعليم، وقد عبَّر وزير التعليم السابق في الولايات المتحدة (تيرل بال) عن قلقه الشديد حول ما يحدث في الأسرة فقال: "إنّ إنهيار مستوى التعليم في المدارس الأمريكية في بعض من جوانبه، يعكس إلى حدٍّ ما طبيعة التقلُّبات على مستوى الأسرة، فلدينا أسرٌ كثيرةٌ يعمل فيها كلا الوالدين، وأسرٌ كثيرةٌ أيضاً لا يديرها إلا شخص واحد سواء كان أباً أو أُمّاً...".
ويقول الأستاذ (جورج دي فوس) من جامعة كاليفورنيا: "إنّ الأُمَّ اليابانية عنصر كبير الأهمية والتأثير في تربية أطفالها، لأنّها تجعل من نفسها المسؤول الوحيد عن تعليمه، وتدعم بقوة دور المدرسة، وإن تربية الطفل تبدأ منذ الولادة".
4- سلوك الوالدين ومشكلات الطفل النفسيّة: قد يكون لسلوك الوالدين أثر كبير في المشكلات النفسية التي يتعرض لها الطفل، وقد ينحو سلوك الوالدين أحد الإتجاهات التالية:
1- التسلُّط: وهذا يعني زيادة سيطرة الوالدين على الطفل والتدخُّل في كل كبيرة أو صغيرة من شؤونه، فينشأ الطفل ضعيف الشخصية ولديه إستعداد كبير للإصابة بالمشاكل النفسية.
2- الإفراط في الحماية: ويعني ذلك القيام بكل واجبات الطفل، والإستجابة الفورية لكل ما يريد، فينشأ ضعيف الثقة في نفسه.
3- النبذ والإهمال: وفيه يهمل الطفل ويترك دون إثابة أو تشجيع في حالة النجاح، ودون عقاب أو تهديد في حالة الفشل.
4- التدليل: وفيه يُتراخى في معاملة الطفل وتربيته، ويستجاب لكل ما يريد، فينشأ الطفل على عدم المبالاة.
5- القسوة: وفيه يستخدم الآباء أساليب العقاب البدني والنفسي بغلظة وقسوة، فينشأ الطفل خائقاً متردداً.
6- التذبذب أو الإضطراب: فالعمل الذي يثاب عليه الطفل من الممكن أن يعاقب عليه، وهنا ينشأ الطفل شديد التناقض، دائم القلق، لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ.
ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الإنفعالات التي يواجهها الطفل في بيته على تصرفاته في مدرسته، فيصبح أكثر عدوانية أو إزعاجاً للأولاد الآخرين أو لمعلّمه، وقد يتصرف بأعمال غير لائقة؛ كتحطيم بعض أثاث المدرسة، أو الشجار مع الآخرين، ومن ثمّ يصفه المعلم بأنّه مشاغب وعدواني، وهكذا تزداد مشاكل الطفل، مرّةً في المنزل، ومرّة في المدرسة، وتزداد مشاكل الآباء بسبب صعوبات الولد في المدرسة، وهكذا تدخل الأمور في حلقة مفرغة، وتتضعضع حال الأسرة، ويلقي كل واحد بمسؤولية ما يحدث على الآخر.
5- خلاف الوالدين بين "نعم" و"لا": قد يختلف الوالدان في أوامرهما للطفل، فالأُم مثلاً تسمح له بالخروج للعب مع رفاقه، والوالد يخالف ذلك، ويحتار الطفل من يطيع: أُمّه أم أباه؟.
والحلُّ هو الإتفاق المسبق بين الوالدين على موقف واحد، وإجابة واحدة، أمّا في المواقف الطارئة فقد لا يكون ممكناً أن يتفق الوالدان على موقف واحد مسبقاً، وهنا يَحسُن ألا يخالف أحد الوالدين الوالد الآخر في الأمر الذي وجهه لطفله، ويؤجل معارضته له إلى حين غياب الطفل عنهما حتى لا يشهد خلاف أبويه.
6- صادِقْ ابنَك: يحتاج الأب لكي يظفر بصداقة أبنائه إلى عطف زوجته وإحترامها له، فالزوجة الصالحة هي التي تُشعر أبناءها في كل وقت بعظمة أبيهم، وتعوّدهم على إحترامه وحبه، وتؤكد في أنفسهم الشعور بما يملك من جميل المناقب والخصال.
وهي تقول للطفل: تمسَّك بهذا الخُلق، فإنّه يرضي أباك، وتجنب ذلك الخلق فإنّه يغضب أباك، وعندئذٍ يشعر الطفل بعظمة أخلاق أبيه.
وإذا أردت أن تصادق طفلك فلابدّ أن تعرف أن فمه أكثر يقظة من عقله، وأن صندوق الحلوى أفضل إليه من الكتاب الجديد، وأنّ الثوب المرقَّش أحب إليه من القول المزخرف كما يقول الأستاذ محمود مهدي الإستانبولي، وأنّ الأب الذكي هو الذي يدخل البيت وفي يده هدية أو تحفة أو طرفة، فإن فاته ذلك فليقدِّم إلى طفله قطعة من النقود، وليذكر دوماً أن في الدنيا أشياء هي عندنا أوهام، وهي عند الأطفال حقائق، ولن نظفر بصداقتهم إلا إذا رأينا الدنيا بعيونهم، ولعلَّهم أعرف وأصدق.
7- الحب والتربية: ولا يمكن للتربية أن تتمَّ بدون حبٍّ، فالأطفال الذين يجدون من مربِّيهم عاطفة وإهتماماً ينجذبون نحوه، ويصغون إليه بسمعهم وقلبهم، ولهذا ينبغي على الأبوين أن يحصرا على حب الأطفال، ولا يقوما بأعمال تبغضهم بهما، كالإهانة، والعقاب المتكرر، والإهمال، وحجز حرِّيتهم، وعدم تلبية مطالبهم المشروعة، وعليهما إذا اضطرا يوماً إلى معاقبة الطفل أن يسعيا لإستمالته بالحكمة كيلا يزول الحب الذي لا تتم تربية بدونه.
وليس معنى الحب أن يستولي الأطفال على الحكم في البيت والمدرسة، يقومون بما تهوى أنفسهم دون رادع أو نظام، فليس هذا حبّاً، بل إنّه هو الضعف والخراب، وإن حبَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه لم يمنعه من تكليفهم بالواجبات، وسوقهم إلى ميادين الجهاد، وحتى إنزال العقوبة بمن أثم وخرج على حدود الدين، وكل ذلك لم يسبب فتوراً في محبة الصحابة لنبيّهم، بل كانت تزيد من محبتهم وطاعتهم لنبيّهم..
أعرف حالة طفل في روضة من رياض الأطفال كان يعبِّر عن شعوره بعدم الإستقرار والمحبة لكثرة تغير المعلمات، بالإغماء والغيبوبة، وما لبثت هذه الظاهرة أن اختفت عندما احتضنته إحدى المعلمات وقبَّلته، وأشعرته بأنّه طفل مرغوب فيه، وأنّه لن يكون هناك تغيير في المعلمات فيما بعد.
8- أسئلة الأولاد: يبدأ الطفل عادة في سن (3-4) سنوات بإلقاء الأسئلة في اليوم الواحد: "لماذا تفعل هذا؟" "لماذا كذا؟" و"من هذا؟" و"أين هذا؟"... إلخ.
* انظر إلى أسئلة ابنك على أنها جزء من عملية التعلّم الطويلة في حياته.
* حاول أن تجيب على أسئلته بشكل مبسَّط ومعقول، أعطه من المعلومات ما يكفي ولا تدخل في التفاصيل.
* تجنب إجابته بـ"عليك أن تفعل ذلك لأنني أمرْتك بذلك".
* لا تثبط همَّته بقولك له: "إنّك مزعج ومتعب بأسئلتك".
* حاول قدر المستطاع أن تشرح لإبنك لماذا عليه أن يفعل كذا بدلاً من أن تصدر الأوامر وكفى.
* كن منفتحاً على إبنك تجيبه على تساؤلاته في الصغر، يُجبك على تساؤلاتك في كبره، ويكون منفتحاً عليك لا يخفي من أموره شيئاً.
9- كن والداً منظَّماً:
* عليك أن تتوقع حاجات طفلك قبل أن يجبرك سوء سلوكه على معرفة حاجاته.
* إذا كنت تتسوَّق ومعك أطفالك، حاول العودة إلى المنزل قبل أن يشتدَّ بهم التعب.
* ينبغي ألا يكون وقت الإنشغال بالهاتف لفترة طويلة قبل العشاء، خصوصاً عندما يكون أطفالك جائعين وتعبين، ويتشاجرون مع بعضهم.
* إذا كنتِ تزورين بعض الأصدقاء مع أطفالك، تجنبي البقاء ساعات بعد موعد نوم طفلك المعتاد.
10- كن قدوة لأبنائك: طلبت المدرِّسات في إحدى مدن الصين الصغيرة من الأطفال الصغار أن يحملوا أكياساً صغيرة عند خروجهم من بيوتهم وذهابهم إلى المدرسة كل صباح، وأن يضعوا في هذه الأكياس ما يجمعونه من الطريق مما يؤذي النظافة والذوق العام... وبذلك أصبحت المدينة الصغيرة مدينة نظيفة!.
فهل لنا أن نعلِّم أبناءنا كيف يكون في حوزتهم كيس في السيارة، يضعون فيه النفايات بدلاً من رميها من نافذة السيارة في الطريق!.
ساحة النقاش