الهندرة.. كلمة عربية مشتقة من دمج كلمتي (هندسة) و (إدارة)
الهندرة أو إعادة هندسة العمليات مفهوم إداري حديث انطلق في بداية التسعينات من القرن الماضي (1992).
وقد أظهرت نتائج مسح عالمي شمل عدد كبير من التنفيذيين في الشركات العالمية تم خلال التسعينات أن الهندرة كانت على رأس قائمة الجهود التي بذلتها الشركات والمنظمات المختلفة لمواجهة المتغيرات التي تجتاح السوق العالمية، ويكفي أن نعرف أن مجموع ما صرفته الشركات الأمريكية فقط لمشاريع الهندرة خلال هذا العقد قد تجاوز الخمسين مليار دولار أمريكي، وهو استثمار كبير قامت به الشركات لقناعتها بأن العائد على هذا الاستثمار سيكون أكبر بكثير وهو ما تحقق فعلا لكثير من الشركات.
ما هي الهندرة؟ وما هي الحالات التي تمر بها المنظمات وتفرض عليها اللجوء إلى إعادة هندسة العمليات؟
مفهوم الهندرة :
إذا طلب منّا تعريفاً موجزاً بسيطاً لمصطلح (الهندرة) ، فإننا نجيب بأنه :
البدء من جديد، أي البدء من نقطة الصفر، وليس إصلاح وترميم الوضع القائم أو إجراء تغييرات تجميلية وتترك البنى الأساسية كما كانت عليه. كما لا يعني ترقيع ثقوب النظم السارية لكي تعمل بصورة أفضل، وإنما تعني التخلي التام عن إجراءات العمل القديمة الراسخة والتفكير بصورة جديدة ومختلفة في كيفية تصنيع المنتجات أو تقديم الخدمات لتحقيق رغبات العملاء.
فهي تتلخص بطرح السؤال التالي: إذا كنت سأقوم بإعادة تأسيس هذه المنظمة من جديد ، فكيف سيكون شكلها في ظل ما لدي الآن من معلومات وفي ظل الوسائل التقنية الحالية ؟
هذا التعريف البسيط قدماه مكتشفا أسلوب "الهندرة" مايكل هامر وجيمس شامبي، ثم قدما التعريف العلمي الآتي للهندرة:
هي إعادة التفكير المبدئي والأساسي وإعادة تصميم العمليات الإدارية بصفة جذرية ، بهدف تحقيق تحسينات جوهرية فائقة وليست هامشية تدريجية في معايير الأداء الحاسمة، مثل التكلفة، الجودة، الخدمة والسرعة .
يتضمن هذا التعريف أربع كلمات مفتاحية هي:
1. أساسي Fundamental :
عند تطبيق الهندرة يجب طرح الأسئلة الأساسية عن المنظمة وكيفية إدارتها وتشغيلها ، مثل : لماذا نقوم بهذا العمل؟ أو لماذا نتبع أسلوبا معيناً في أداءه؟ . إن طرح مثل هذه الأسئلة الأساسية يدفع المسؤولين إلى إعادة النظر في الأسس والفرضيات المحورية التي تحدد أساليب العمل المتبعة، والتي يثبت في كثير من الأحيان أنها مفاهيم خاطئة أو بائدة أو غير مواكبة للزمن .
2. جذري Radical :
إعادة التصميم الجذرية تعني التغيير من الجذور، وليس مجرد تغييرات سطحية أو تجميلات ظاهرية للوضع القائم وإنما هي التخلص من القديم تماماً. وبالنسبة للهندرة فإن ذلك يعني التخلي عن جميع الهياكل والإجراءات السابقة وابتكار أساليب جديدة ومستحدثة لأداء العمل .
3. فائق Dramatic :
الهندرة لا تتعلق بالتحسينات النسبية المضطردة والشكلية ، بل تهدف إلى تحقيق طفرات هائلة وفائقة في معدلات الأداء . لذا فإن عملية الهندرة تعتبر ضرورة عند الحاجة إلى إجراء تغييرات كلية وجذرية في الأساليب ومستويات الأداء ، حيث أن التحسينات البسيطة قد لا تحتاج لأكثر من ضبط بسيط لأوتار العمل .
ومن خلال التجارب فإن هناك ثلاثة أنواع من المنظمات التي تحتاج إلى هندرة وهي:
أ- الشركات ذات الوضع المتدهور: هي الشركات التي حققت ارتفاعاً مضطرداً في تكاليف التشغيل مما يبعدها عن المنافسة، أو التي تدنت خدماتها إلى مستوى يدفع عملاءها إلى المجاهرة بالشكوى والتذمر أو الفشل المتكرر لمنتجاتها بالأسواق (مثال شركة فورد لصناعة السيارات في عام 1980 ) .
ب- الشركات التي لم تصل إلى التدهور ولكن تتوقع لإدارتها بلوغ ذلك الوضع في المستقبل القريب: مثل الشركات التي لا تواجه صعوبات ملموسة ، لكن تلوح في الأفق غيوم التدهور أو ظهور منافسين جدد أو التغير في أذواق العملاء أو في قوانين العمل والبيئة الاقتصادية .
ج- الشركات التي بلغت قمة التطور والنجاح: مثل الشركات التي لا تواجه صعوبات ملموسة ولا تلوح في آفاقها المستقبلية نذر التدهور، ولكن تتميز إدارتها بالطموح وتحقيق مزيد من التفوق على المنافسين .
4. العمليات Processes :
بالرغم من أن هذه العبارة هي الأهم في تحديد مفهوم الهندرة، إلا أنها تمثل أكثر المفاهيم صعوبة، حيث يركز فريق العمل عادةً على الوظائف والهياكل التنظيمية بدلاً من العمليات . ومصطلح عملية يعني مجموعة الأنشطة التي تستوعب واحداً أو أكثر من المدخلات لتقديم منتج ذي قيمة للعملاء. فمثلاً ‘ذا اعتبرنا طلب الشراء مدخلاً، يكون تسليم البضائع المطلوبة إلى العميل هو المنتج الذي يرمز للقيمة الناتجة عن عملية الشراء.
فالشركات تركز عادة على المهام الفردية في هذه العملية ، وهي استلام طلب الشراء وإخراج البضائع من المستودع ...الخ ، بينما تتجاهل الهدف الأساسي لعملية الشراء وهو تسليم البضاعة للعميل . إن كل مهمة من هذه المهام الفردية تحظى بالأهمية ، ولكنها لا تعني منفردة أية أهمية لدى العميل ما لم تؤدي النتيجة النهائية لعملية الشراء استلامه البضاعة .
ونذكر هنا قولا لأحد خبراء الهندرة يقول فيه :
" المتفائل يرى الكأس نصف ممتلئة ، المتشائم يراها نصف فارغة ، المهندر يرى فيها زجاجاً فائضاً عن الحاجة "
ساحة النقاش