للأسف.. فقد أخذ الغشّ في عصرنا الحاضر أشكالاً مختلفة وأنواعاً متعددة وأصبح الغشّ (ثقافة) لدى بعض الناس سواء كان في مجال البيوع بالغشّ في المزايدات أو بإخفاء عيوب المنتجات أو بتقليد علامة الماركات أو بتغيير المواصفات في السيارات أو في المأكولات أو الملبوسات...الخ سواء كان الغش في البيوع أو كان في مجال المقاولات أو المناقصات...الخ.
فالغش في السيارات مثلاً: كوضع مواد إضافية داخل ماكينة السيارة تخفي عيوبها, وإبدال القطع الخارجية للسيارة بقطع مقلدة وتبديل زيت السيارة بزيت آخر من النوع الثقيل؛ لإخفاء البخار الخارج من الماكينة وتلميع الماكينة بمادة الديزل لمسح الزيوت المتسربة, وتغيير مقدار العداد لإخفاء كثرة المسافات التي قطعها السائق...الخ!!
والغشّ في المواد الغذائية مثلاً: بتغيير تاريخ الصلاحية وبالغشّ في المواد الأولية الداخلة في تصنيع المادة الغذائية وإضافة مواد ملونة أو ذات نكهة معينة غير مسموح بها كبعض الأصباغ الصناعية والمواد الحافظة عالية التركيز وإعادة تعبئة وتغليف المواد المنتهية الصلاحية وخلط وإضافة مواد ذات قيمة غذائية منخفضة ونزع بعض العناصر الغذائية الهامة والتلاعب بالأوزان والأحجام الحقيقية للمنتج الغذائي وتغيير مصدر الجهة المنتجة بتغيير بلد المنشأ وتتبيل اللحوم لإخفاء كونها مثلجة أو متغيرة أو بيعها مطبوخة قبل أن تنضج؛ لتحصيل أكبر عدد ممكن من الزبائن وقد حصلت حالات تسمم غذائي بالمئات في محالات (الشاورما) بسبب هذا التصرف غير المسؤول وبيع الدقيق أو البن أو الهيل...على أنه من الدرجة الأولى وهو في الحقيقة من الدرجة الثانية أو الثالثة وبيع العسل أو اللبن أو الحليب على أنه طبيعي 100%, وهو في الحقيقة لا يصل إلى نصف هذه النسبة (وقد كان ارتفاع سعر الألبان التي كان يروَّج لها بأنها طبيعية 100% بسبب ارتفاع سعر البودرة المستوردة أضحوكة يتفكه بها الناس) وبيع القماش على أنه ياباني وهو في الحقيقة صيني وبيع الأقلام على أنها إنجليزية وهي في الحقيقة هندية...الخ!!
أما الغشّ في مواد البناء والنجارة والحدادة, وفي مجال المقاولات مثلاً: فبالتلاعب في الأساسات وتغيير نوع الحديد المستخدم من جيد إلى رديء والتلاعب في نوعية الأسمنت وكميته وزيادة كمية الرمل المستخدم في الخلطة والتلاعب في نوعية التمديدات الصحية في الجدران واستخدام أنواع رديئة والغشّ في نوعية التمديدات الكهربائية "لاسيما مع موسم غلاء الحديد, والإسمنت.." ونتيجة هذا الغشّ: تسرّبات للمياه من خلال الجدران في أقل من سنة على شراء البيت أو بنائه وظهور تصدّعات وشقوق في الجدران في مدة قليلة, وفساد عدد من المواد الصحية والكهربائية في مدة قليلة؛ لكونها مقلدة..الخ!! وهكذا في صور كثيرة جداً يمكن تتبعها من خلال التقارير والأخبار المنشورة في الشبكة العنكبوتية...
وقد كان لهذا الغشّ سوق رائجة في عصرنا الحاضر وذلك بسبب توظيف التقنية الحديثة في تمرير كثير من هذه الصور لاسيما مع ضعف الأجهزة الرقابية ذات الاختصاص, والتي لم ترقَ حتى هذه اللحظة إلى المسؤولية الملقاة على عاتقها ناهيك عمّا نسمعه من رشاوى لهذا الطرف أو ذاك؛ لغضّ الطرف عن بعض هذه الممارسات.
وأما الغشّ في سوق الأسهم مثلاً: فمن خلال بيع النجش والتلاعب في قانون العرض والطلب عبر أسلوب التكتلات أو المجموعات "ما يسمى بـالقروبات"، وقد أشرت إلى بعض هذه الممارسات عبر أكثر من مقال...
وتهون كل أساليب الغشّ هذه- سوى ما يضر منها بحياة الناس- أمام الغشّ في التعليم, وتزوير شهادات علمية على أنها شهادات صحية أو تعليمية وهي في الحقيقة حبر على ورق؛ لأن هذا الغشّ يعرِّض حياة الناس وثقافتهم للخطر؛ إذ كيف يمكن أن نفهم: بأن يمارس التطبيب أو التمريض من يحمل شهادات صحية مزوّرة؟ فيعالجوا مرضانا في المستشفيات والمراكز الطبية وهم صفر من التخصص وهذا يعني أن الآدميين قد أصبحوا حقل تجارب(كال...!! أستغفر الله!) وكيف يمكن أن نستوعب وجود معلمين ومعلمات يدرسون أبناءنا وبناتنا وهم معلمون مزوّرون ومعلمات مزوّرات يحملون ماركة مقلدة!!
ومن أنواع الغشّ, الخداع والتضليل في العلاقات الزوجية, سواء عند العقد بإظهار الزوج بمظهر الشاب الذي لم يتزوج وهو مثقل الظهر بحشد كبير من الأولاد أو بظهوره بمظهر الغني أو ذي الجاه وهو صعلوك لا مال له ولاجاه!! أو كان الغشّ من المرأة بظهورها بمظهر الشابة الجميلة عند الخطبة عبر أدوات التجميل المختلفة مع إخفاء العيوب الظاهرة فيتفاجأ الزوج بعد العرس بما يعكر الحياة الزوجية ويقلب صفوها كدراً ومن طريف ما نُقل عن بعض الفقهاء ما ذكره بعض الحنفية حيث قال: "لو شرط- أي: الزوج عند العقد- وصفاً مرغوباً فيه كالعذرة والجمال والرشاقة وصغر السن فظهرت ثيّباً عجوزاً شوهاء ذات شقّ مائل ولعاب سائل وأنف هائل وعقل زائل لا خيار له في فسخ النكاح به!!" وهذا من الأقوال الشاذة المطرحة عند المحققين من أهل العلم؛ إذ عيبٌ واحد من هذه العيوب- في الزوجة أو في الزوج- كافٍ في إيجاب الفسخ, خلافاً لما قرره هذا الفقيه غفر الله له.
وكذا من أنواع الغشّ: إخفاء الزوج لبعض العيوب الجسدية أو تظاهره عند العقد بالخلق الحسن وظهوره بمظهر الرجل الوديع وبعد العقد يظهر ما كان يخفي من الصلافة وسوء الطباع فيكشر عن أنيابه ويسومها سوء العذاب ويلقي عليها أقذع ألفاظ السباب الموجودة في قاموس اللغة، وفيما يحفظه من الألفاظ السوقية التي ربما رضعها من أهله أو تلقّفها من الأزقة والسكك هذا إذا لم يستخدم بعض الأدوات الخفيفة أو الثقيلة لا سمح الله!! وهذا كله غشّ وتلبيس وخداع وتدليس وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "مَن غشّ فليس مني".
ومن أقبح أنواع الغشّ.. الغشّ في الخلق والمعاملة وبما يضر الناس في حياتهم, ومستقبلهم, وقد نزلت سورة في القرآن باسم "المطففين"، والتطفيف في الميزان صورة من صور الغشّ, وابتدأها الله بقوله: (ويل للمطففين, الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين!!!) بل عذَّب الله أمة كاملة؛ لأسباب منها: أنهم كانوا يمارسون الغش في معاملاتهم, وهم قوم شعيب كما قال تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان, إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط, ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم, ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ, قالوا: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن "نفعل في أموالنا ما نشاء!!" إنك لأنت الحليم الرشيد).
ثم أخبر الله –تعالى- عما لحق بهم من العقوبة فقال تعالى: (... ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين "ظلموا" الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين! كأن لم يغنوا فيها! ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود).
نسأل الله تعالى ألاّ يؤاخذنا بذنوبنا.. وأن يلطف بنا.. إنه جواد كريم.
المصدر: تطوير الذات
الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co
نشرت فى 11 إبريل 2011
بواسطة Al-Resalah
الرسـالة للتدريب والاستشارات
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,029,397
ساحة النقاش