منزل الشجرة.. هو غرفة صغيرة تتربع فوق شجرة كبيرة، غالباً ما يوفرها الآباء – في الغرب – لأبنائهم ليمنحوهم بعض الخصوصية في ممارسة هواياتهم، ويتباين الأطفال في تأثيثهم لهذه الغرفة وفقاً لتباين اهتماماتهم، فمنهم من يجعلها مرسماً، ومنهم من يجعلها للتفكير والتأمل، ومنهم من يجعلها لمتابعة أفلام الفيديو أو الألعاب الإلكترونية، ومنهم من يكتفي بجعلها ملجأ يهرب إليه في حزنه أو حتى فرحه!

لا يشترط أن يكون منزل الشجرة مطلاً على بحيرة، ولا يشترط أن يكون فوق شجرة! يكفي أن يكون غرفة صغيرة في ساحة المنزل يمارس فيه الطفل ما يحب في جو لا يخلو من شيء من الخصوصية.

ومن الناحية التربوية، بإمكان الآباء الاستفادة من هذه الغرفة في تربية أبنائهم كثيراً، نظراً لسهولة متابعة الأبناء من خلالها، بعد منحهم مساحة للحرية لفعل ما يريدون، مما يجعلها فكرة مربحة لكل الأطراف سواء في صياغة شخصية مستقلة للطفل، أو في متابعته والتعرف على اهتماماته.

ولأصدقكم القول، فأنا لم أكتب مقالي هذا للتوصية بفائدة ” منزل الشجرة ” للأطفال فحسب، إنما لوجود مفهوم ارتبط لدي باللجوء لمنزل الشجرة، مفهوم سيغير الكثير في نظرتنا للأحداث وفهمنا لها!

ففي كل يوم نمر ببعض الأحداث التي ينشأ عنها ردود أفعال تتباين وفقاً لخلفيتنا الثقافية والفكرية والأخلاقية، وكثيرون يصيبهم الندم نتيجة تسرعهم في ردود أفعالهم، في حين يتشبث البعض الآخر بها ضارباً عرض الحائط بمشاعر الغير، ناهيك عن المصالح التي ستتضرر نتيجة لسوء تصرفه أو تسرعه في اتخاذ القرار..

إذن، توجد لدينا مشكلة مرتبطة بأن الكثير من قراراتنا وتصرفاتنا هي ردود أفعال، وليست أفعال! مما يجعلها لا تعكس حقيقة ما نسعى إليه ونشعر به.

وإذا علمنا أنه كثيراً ما يكون ” الغضب ” هو الدافع لردود الفعل الغير مرغوبة، فنكون قد أمسكنا بالخيط الأول الذي سيساعدنا على إحداث تغيير جذري في حياتنا، تغيير يغير من نظرتنا للناس، وتعاملنا معهم، لينعكس على تعاملهم معنا، وشعورهم ناحيتنا، فتكون المحصلة هي نفس راضية مستقرة هادئة، ومن منا لا يرغب أن يكون مرتاحاً يرتاح له من يحيط به؟!

إذن.. عندما تجد نفسك في موقف يستثير خلاياك العصبية بشكل مُستفز، وتشعر أن خلايا ذاكرتك بدأت بعمل مونتاج لمشاهد الذكريات السلبية، في فيلم يصور من أمامك في دور الشخصية الظالمة، ويمنحك بطولة دور المظلوم الذي ستسلب حقوقه مالم يتصرف في الحال!! حينها لابد أن تتوقف – و فوراً – عن الاستسلام للسيناريو السلبي الذي لطالما كنت تؤديه، وأن تتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم [ لا تغضب ]، ثم تطلب تأجيل الرد على الموضوع، ومن ثم تبتعد عن كل شخص أو شيء يزيد من انفعالك، وتذهب لمكان مريح لأنك بحاجة لرسم سيناريو جديد يضمن نهاية سعيدة لكل أبطال الفيلم..

وعندما تجلس في مكان مريح، بعيد عن كل ما يؤثر سلباً على الفعل الذي ستتخذه في مواجهة الموقف الذي أنت بصدده، أحرص أن تكون نظرتك للأمور من فوق الشجرة! أي أعد رؤيتك للموقف وكأنه يحدث لأشخاص آخرين، وأنك عضو حيادي يحكم على الموقف بما يرضي كل المصالح أو معظمها على أقل تقدير، وذلك من خلال تفكيرك في دوافع كل طرف، وفي أسباب تصرفه، وافتراضك لسيناريوهات مختلفة لردود الأفعال الممكنة، ومن ثم اختيارك للفعل الذي يضمن لك ربح الموقف دون أي خسائر تطالك أو تضر الطرف الآخر، خصوصاً إن كان الطرف الآخر محقاً..

وعلى سبيل المثال سأحكي لكم موقفاً مررت به مؤخراً، وطبقت فيه أسلوب ”النظر من فوق الشجرة“. بدأ الموقف بكوني مرتبط بالقيام بعدد من المهام في عملي، وهذه المهام كفيلة بشغل وقتي تماماً لما يكتنفها من تحديات تؤثر على مستقبلي، وفي أحد الأيام فوجئت بصدور قرار بتكليف إضافي ”من الوزن الثقيل”  من رئيستي في العمل، ومنذ الوهلة الأولى كنت متأكدا أنه لا يمكنني أداء هذا التكليف إلا على حساب جودة مهمة آخرى، مما سيؤثر سلباً على نفسيتي وأدائي، وبالتالي تقييمي وسمعتي، وهو أمر لا يمكن أن أقبل به. ولاحظت أن جو العمل كان مشحوناً تلك الفترة، وأن كثير من الموظفين استاؤوا من القرارات الجديدة، فكانت ردود أفعالهم غير منطقية ومبالغ بها!

كما لاحظت أن مجموعة من هؤلاء الموظفين يحاولون التأثير علي لأشاركهم في موقفهم فأقف في صفهم، فلما شعرت بأن حديثهم سلك مجرىً لست مقتنع به، امتنعت عن الحديث، وخرجت فوراً، وذهبت لمكان هادئ، وكتبت في ورقة الأعباء التي يفترض أن أقوم بها، وأعدت التفكير في إمكانية تنفيذها، فوصلت لاستحالته، حينها بدأت أركز في كل مهمة، ووصلت لأنه يمكنني طلب الإعفاء من أحد المهام السابقة لوجود مبررات قوية تدعم طلبي، في حين أن بقية المهام الأخرى هي مهام مُهِمّة عاجلة، وطلب الإعفاء من أحدها سيكون غير منطقياً لما يتبعه من ضرر مباشر سواء لي أو لجهة عملي، إذن وصلت لحل، وبقي أسلوب عرض الحل، لذا بدأت بتذكر المواقف الحسنة لرئيستي، وجمعت معلومات عن سبب تكليفها لي بهذا العمل رغم علمها بأنني لن أستطيع أداؤه في ظل أعبائي الحالية، فتمكنت أخيراً للوصول لحل يرضي كل الأطراف، وذلك من خلال إعادة رؤية المشهد من فوق الشجرة!

والحمد لله، في نفس اليوم، تحقق لي ما أردته، في حين لم يحظى بقية الموظفين الأخرين بأي من مطالبهم، والسبب يعود لانفعالهم الذي أفقدهم منطقية الطلب وأسلوب الطرح.

أسلوب [ النظر للموقف من فوق شجرة ] أو [النظرة الحيادية] هو أسلوب ناجح بشكل كبير، لأنه يبعدك عن الجو الانفعالي، ويساعدك في اتخاذ مواقف قوية وأكثر منطقية، سواء في مجال العمل أو الدراسة أو الأسرة أو العلاقات وغيرها من مجالات التعامل مع الناس، وهو ما يجعله أسلوب جدير بأن يكون أحد القيم التي تتبناها في حياتك..

فقط جرب هذا الأسلوب في أول موقف تمر به، وستبهرك النتائج

المصدر: مقالات
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 17/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 580 مشاهدة
نشرت فى 7 إبريل 2011 بواسطة Al-Resalah

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,041,160