<!--

<!--<!--<!--

مؤخرا  ازداد الحديث  حول ظاهرة اطلق عليها التغيرات  المناخية من حيث  اسبابها وسماتها و تأثيراتها وانعكاساتها السلبية علي الكثير من مناحى الحياة  فى  مناطق عدة من  العالم و منها مصر..  وتناول كثيرا  من الباحثين  فى دراساتهم هذه الظاهرة  وايضا تناولتها  وسائل الاعلام  المختلفة   وانعقدت حولها  ومن اجلها  العديد من  المؤتمرات  حول العالم لبحث المخاطر التي سوف  يتعرض لها العالم  جراء تغيرالمناخ , و بعد ان اقتنع العالم  اجمع بان ما توصل اليه العلماء حول مخاطر تغير المناخ هو حقيقة مؤكدة انتقل  الامر الي  مجلس الأمن   لمناقشتها و ليتحد العالم كله من اجل مواجهة هذه المخاطر.. ومواجهة او التكيف والتأقلم مع آثارها المتعددة.. ولان مصرعلي رأس الدول المهددة بمخاطر تغيرات المناخ فلابد من تناول الظاهرة بالفحص و الدرس و لنبدأ بالتعرف على الظاهرة.

والتغير المناخي هو اختلال  مستمر طويل الامد  في الظروف المناخية المعتادة  و التى تلائم حياة و نشاط الكائنات الحية كدرجات  الحرارة ومعدلات و مواعيد  و أماكن هطول الامطا و نسبة الرطوبة الجوية و فترات  ومواعيد هبوب الرياح و سرعتها فى منطقة  أو اقليم  جغرافى ما   على  وجه الأرض , وذلك بسبب ارتفاع حرارة الغلاف الجوي المحيط بالأرض و الناجم عن تراكم  غازات الدفيئة (غاز ثاني اكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز).

ان  تغير المناخ ينتج عن زيادة حرارة الكرة الارضية أو ما يسمي الاحترار الكوني وهو ينتج عن حبس المزيد من الحرارة فى الغلاف الجوى الناتج عن زيادة معدلات  انبعاثات غازات الدفيئة أى ثاني اكسيد الكربون وبعض الغازات الاخري مثل الميثان واكسيد النيتروز وغيرها والتي تنتج عن عمليات حرق الانواع المختلفة من الوقود الاحفورى كمشتقات البترول  المختلفة والفحم و الغار الطبيعى في الانشطة الصناعية وتوليد الطاقة ووسائل النقل الي جانب حرق المتبقيات الزراعية والقمامة.اذن فالبشرية جمعاء ساهمت فى تضخيم قدرة مفعول الدفيئة الطبيعى على حبس الحرارة. ومفعول الدفيئة المضخم هو ما يدعو الى القلق, لانه سوف يتكفل برفع  حرارة الارض بمعدلات متسارعة لامثيل ولا سابقة لها فى التاريخ. كما أن  تغير المناخ ليس فارقا طفيفا في الانماط المناخية. فدرجات الحرارة المتزايدة  ستؤدي إلى تغير في  عناصر و مفردات الطقس كدرجات الحرارة وأنماط الرياح وكمية القطرالمتساقط  ومعدلاتها و أوقات سقوطها إضافة إلى أنواع وتواتر عدة أحداث مناخية قاسية محتملة, فتغير المناخ بهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى عواقب بيئية واجتماعية واقتصادية واسعة التاثير لا يمكن التنبؤ بها.

من أهم تداعيات التغيرات المناخية على مصر هو غرق قرابة 25% مساحة الدلتا جراء ارتفاع مستوى سطح البحر وهنا ستكون مصر مضطرة الى اعادة توطين أكثر من 15 مليون نسمة سيتم تهجيرهم جراء غرق الدلتا كما سينخفض الانتاج الزراعي و بالتبعية  تتضخم الفجوة الغذائية  محليا وهنا سيزيد الاستيراد وهذا عبىء آخر يضاف الي  اعباء الاقتصاد القومي المصرى, ومن الاضرار الناجمة عن التغيرات المناخية أيضا تذبذب فى أيراد نهر النيل سواء بالعجز هذا بفرض عدم أتمام سد النهضة الاثيوبى أو التوصل الى اتفاقية حول آلية تشغيله تضمن عدم اعاقة حصة مياه مصر من النيل الازرق. كما ان ارتفاع درجات الحرارة سيؤدى الى خروج العديد من المحاصيل من منظومة الزراعة المصرية بالاضافة الى احداث تغيير فى مواعيد زراعة وحصاد بعض المحاصيل ايضا سوف يؤدى ارتفاع درجة الحرارة الى زيادة النمو الخضرى لقصب السكر على حساب تجميع  كمية السكر المتكونة  و المخزنة داخل سيقان النباتات , كما سيؤدي حتماً الى زيادة  نسبة البخر وبالتالي زيادة استهلاك المياه في كل المجالات خاصة الزراعة بالاضافة الى التأثيرات الضارة و الخطيرة علي الشعاب المرجانية في البحرالاحمر.

 

المواجهة , الاقلمة و التخفيف هى الاستراتيجيات المعتمدة عالميا و التى ينصح الخبراء باستخدامها فى التعامل مع التغير المناخى. وفى حالة  محصول قصب السكر سوف نحاول استخدام الاستراتيجية الثانية و هى الاقلمة بمعنى ان ننفذ مجموعة من الاجراءات أو التدخلات لامكانية التأقلم مع  الانخفاض المحتمل للموارد المائية الارتفاع المحتمل لدرجات الحرارة أو احتمالية حدوث موجات صقيع و ما يترتب عليها من أضرار لتقليل  الاضرار الناجمة عن التغيرات المناخية بقدر الامكان بالاضافة الى تشجيع المزارعين على استخدام التكثيف المحصولى( التحميل) لزيادة دخل المزارع وخاصة فى السنة الاولى لزراعة القصب (محصول الغرس) و هى السنة التى تتسم بارتفاع التكاليف فيها.

هذا وقد شغلت قضية ندرة ومحدودية المياه اهتمام الهيئات والمنظمات الدولية خاصة الأمم المتحدة اعتباراً من بداية الثلث الاخير من القرن الماضى و عقد أول مؤتمر عالمي للمياه في الأرجنتين عام1977 ثم مؤتمر المياه والبيئة في دبلن 1992 ومؤتمر قمة الأرض في ريو دي جينيرو بالبرازيل عام 1992 والمؤتمر الوزاري للمياه والصحة عام 1994 في كندا، والملتقى العالمي الأول للمياه في مراكش بالمغرب عام 1997.  وفي مواجهة تحديات ندرة ومحدودية المياه فقد قام الملتقى العالمي الثاني في لاهاي عام 2000 بوضع برنامج شامل لإدارة مصادر المياه، وعقد الملتقى العالمي الثالث للمياه في كيوتو باليابان في مارس 2003 وذلك من أجل إرساء قواعد تنظيمية «لإدارة الموارد المائية الدولية» والحيلولة دون نشوب صراعات دولية.

 تقع مصر جغرافياً  ضمن الأقاليم الجافة  وشبه الجافة  بل  يمكن القول  أن مصر تقع  فى أقحل  بقعة

من الصحراء الافريقية الكبرى التى هى أقحل صحراوات العالم ، و بالتالى فمصر تتسم بانخفاض حاد في معدلات هطول الأمطار مما يؤدى الي نقص كميات المياه المتجددة ويقلل من حجم المياه  المتوفرة بينما  يتزايد الطلب عليها ، نتيجة لعوامل كثيرة منها الزيادة المضطردة فى عدد السكان والذي بلغ حالياً 90 مليون نسمة ديسمبر عام 2015 بالإضافة إلى زيادة المساحة المنزرعة إلى نحو  8,4  مليون فدان  تقريبا (حيث تبلغ المساحة المحصولية المنزرعة نحو14,9 مليون فدان سنويا) ، كذلك سياسات التوسع الأفقي المستهدف تحقيقها بإستصلاح نحو 3,4 مليون فدان حتى عام 2017 الأمر الذي يؤدي إلى محاولة  استخدام ما هو متاح من موارد مائية بطريقة مثلى لمواجهة تفاقم ظاهرة ندرة الموارد المائية، بالإضافة إلى التوسع فى إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى ومياه الصرف الصحى المعالجة فى الرى وذلك لتحقيق سياسات التوسع الزراعى الأفقى، والذي ولا شك سيكون له تأثيره على نوعية المياه المستخدمة في الزراعة بزيادة ملوحتها وتعرضها للتلوث. وتجدر الاشارة الي ثبات حجم الموارد المائية المتاحة ومحدوديتها(إيراد النهر55,5 مليار م3/ سنويا بالاضافة الى 7 مليار م3 من إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى ونحو 4,5 مليار م3 مياه صرف صحى معالجة)، بينما يقدر معدل إستهلاك مياه الرى بالأراضى القديمة والمستصلحة  نحو 85% من إجمالى المورد المائى  بالإضافة الي إستخدام حوالي  15%  كمياه للشرب وللصناعة والملاحة والكهرباء.

وفيما يخص تأثر إيراد نهر النيل والذى يمثل المورد الرئيس للمياه فى مصر فقد حاز نقاشا و أراءا متفاوته        وقد تم تصميم عشرة  نماذج رياضية حول مستقبل ايراد المياه في نهر النيل فى ظل التغيرات المناخية       المتوقعة  وهذه النمازج العشرة و التى تم تصميمها خارج إقليم حوض نهر النيل  تشير  جميعها الي ان موارد     نهر النيل السنوية من المياه ستنخفض بما يقدر بحوالى 30 : 65 %  من وضعها او كمياتها الراهنة , ماعدا  نموذج واحد فقط يشير إلي إحتمال زيادة ايراد نهر النيل بنسبة 30 %, والغريب اننا في مصر أو في دول حوض النيل كافة  ليس لدينا أي نموذج أو أي دراسة حول هذه المسألة. و الواقع السليم يقول أنه لابد أن يكون لدينا (فى مصر خاصة أو دول حوض نهر النيل عامة) دراسة تحدد شكل  و مكان حزام الامطار فوق اقليم  حوض نهر النيل أى  فوق الهضبة الاستوائية و الحبشية او حوض بحر الغزال والتغيرات المحتملة في حزام الامطار. لأن انخفاض ايراد النهر له عواقب وخيمة  نتيجة ما سيسببه من جفاف ونقص في الانتاجية  وكلها ذات مردودات سيئة علي الاقتصاد و التنمية المستدامة.  

يعتبر القطاع الزراعي بمصر أكبر القطاعات استهلاكا للمياه حيث  تستهلك الزراعة سنويا أكثر من 80% من الموارد المائية المتاحة  فى مصر لذلك فان ترشيد إستخدام المياه بالقطاع الزراعي من الممكن أن يساعد على تقليل التأثيرات السلبية  لمشكلة المياه فى ظل تحديات التغيرات المناخية المختلفة المستقبلية.

 وقد تم حساب الاحتياجات المائية لوحدة المساحة (فدان) المنزرعة بمحصول  قصب السكر تحت ظروف التغيرات المناخية المتوقعة باستخدام معادلات خاصة تمكن من محاكاة ظروف التغيرات المناخية فى فترات زمنية قادمه  وأظهرت النتائج عن الفترة  القادمة  وحتى  منتصف القرن الحالى و ايضا حتى نهايته قيم  الاحتياجات المائية    التى  سوف تزداد  سنة 2050 زياده محسوسة و مقدرة بالمقارنة  بالوضع الحالي. حيث تختلف  قيمة الزيادة في الاحتياجات المائية حسب الاقليم المناخى, حيث ترتفع  الاحتياجات المائية كلما اتجهنا جنوبا حيث ان معدل الزيادة المتوقعه في قيم الاحتياجات المائية بمصر العليا نتيجة للتغير المناخي سوف تزداد بصورة اكبر من منطقة مصر الوسطى و ذلك نتيجة لارتفاع درجة الحرارة و انخفاض الرطوبة الجوية بمصر العليا مقارنا بنظيرتيهما فى مصر الوسطى. أما فيما يخص بمراحل نمو القصب فتوقعت الدراسات زيادة في الاحتياجات المائية  فى مرحلة النمو الخضرى  حيث فصلى الربيع و الصيف  أعلى من معدلات الزيادة في الإحتياجات المائية فى فى مرحلة النضج  والتى تتوافق مع حلول  فصلا الخريف و الشتاء  و يمكن أن يعزى ذلك الى زيادة الموجات المناخية المتطرفة سواء الموجات الحارة أو الموجات الباردة، كما ستزداد حدة الموجات الباردة  و التى قد تصل الى الصقيع خلال فصل الشتاء، و تزداد الظروف المناخية المغايرة، حيث من المتوقع أن تزداد عدد مرات تكرار حدوث الموجات الدافئة خلال فصل الشتاء وبالتالي ستؤدي  هذه الموجات الدافئة الى زيادة الاحتياجات المائية  و ليس ذلك فحسب بل سيمتد تأثير الموجات الدافئة و المتكررة فى الشتاء  الى تقليل  محصول السكر الناتج من وحدة المساحة. فيما توضح البيانات  المتوقعة فى عام  2050 بالمقارنة مع عام   2100 أن قيم الاحتياجات المائية لقصب  السكر ستزداد فى ظل السيناريوهات المختلفة المتوقعة للتغيرات  المناخية.

 

المصدر: دكتور احمد زكى ابو كنيز

ساحة النقاش

KasemZakiAhmed

مقال هام لقضية اكثر اهمية وياليت دول افريقيا.تهتم بظاهرة تغير المناخ لما لها من تاثير على حياة البسر

د أحمد زكى

Ahmedazarc
يحتوى الموقع على مجموعة من المقالات الخاصة بالزراعة و المياه و البيئة و التنمية المستدامة. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

203,170