خلال فترة وجيزة من الزمن نسبياً ، حدث تغيير كبير في مجال التعليم عن بعد وفي المجالات الأخرى الناتجة عنه مثل التعليم الذي يعتمد على الكمبيوتر والفيديو ، حيث انتقل موضوع التعليم عن بعد من المرحلة التي كان خلالها عبارة عن مجال قديم له جاذبيته الخاصة إلا أنه قليل الأهمية ، إلى مرحلة أصبح فيها التعليم عن بعد أسلوباً مهماً للتغيير في العديد من الجامعات .
لقد رأى كل من (Boettcher & Sherron 1997) أن الإسراع الجاري الآن في تطبيق برامج التعليم عن بعد من قبل الكليات والجامعات يتم لثلاثة أسباب رئيسية هي :
التطور الاندماجي الجاري بين تقنيات الاتصالات والحواسيب .
حاجة العاملين في عصر المعلوماتية إلى اكتساب مهارات جديدة دون تعطيل حياتهم العملية لفترة طويلة من الزمن .
الحاجة إلى تخفيض كلفة التعليم .
إن التأكيد على دور التعليم عن بعد ، وما ليس بإمكانه أن يفعل ، وماذا عليه أن يفعل وأن لا يفعل ، قد أدى إلى إيجاد فجوة آخذه في الاتساع ما بين القدرة على الإقناع وبين حقيقة التعليم عن بعد . ويتطلب إغلاق هذه الفجوة أخذ ما يمكن أن نسميه " أفضل الأسرار المحفوظة بخصوص التعليم عن بعد " بعين الاعتبار وبعناية .
يهدف التعليم عن بعد إلى زيادة إمكانية الوصول وليس إلى الربح :
إن أولئك الذين ينظرون إلى التعليم عن بعد على أنه وسيلة لجمع الأموال الطائلة لبرامجهم أو أقسامهم ، سوف يصابون بخيبة الأمل عندما يبدأون بالعمل ضمن التكاليف الفعلية لهذه المحاولة . إن هذه التكاليف تتضمن الأجهزة ، البرامج ، صيانة الأنظمة ورفع مقدراتها ، الدعم الفني ، تقييم وتطوير البرامج الدراسية ، تقديم الدعم للطلاب وإلى عدد كبير من العاملين في مجالات أخرى ، بالإضافة إلى إحداث تغييرات إتصالاتية والتكاليف الخاصة بالبنية التحتية المرتبطة بهذه الأجزاء والخدمات الحيوية .
إن هذه التكاليف إضافة إلى المصروفات المتكررة ، تجعل من الضروري إعادة إستثمار جميع الدخل الافتراضي الذي تحققه الشركة. أما أولئك الذي يحققون الأرباح فإنهم يتمكنون من ذلك بإهمال إدخال التعديلات والتطويرات الضرورية لرفع المقدرات مع وجود المخاطرة المحتملة بخسارة الحصة في السوق التي ناضلوا من أجل الحصول عليها في البداية .
إن هذا لا يعني أن التعليم عن بعد خالٍ من الفوائد الماديّة . فهناك العديد من المؤسسات التي تقدم الهبات للمؤسسات التي تقوم بتقديم خدمات وبرامج تعليمية . وقبل بضع سنوات ، كان ذلك يتضمن تغطية مصاريف تنقل المدرسين من وإلى مراكز موجودة في أماكن نائية. وحتى اليوم فإنه ليس أمراً غريباً على المدرسين أن يسافروا 200 إلى 300 ميل أسبوعياً للإلتقاء مع طلاب بعيدين. وبالطبع يمثل هذا الوقت والجهد مصروفاً باهظاً تتحمله المؤسسة التعليمية .
بالمقابل فإن الاستعمال الصحيح للتعليم عن بعد يمكن أن يجعله معقول الكلفة ، حتى لو لم تكن النتيجة النهائية عالية الربح . كما إن الاستعمال الصحيح للتكنولوجيا من حيث المقدرة على تنمية السوق للتعامل مع البرامج والخدمات المؤسسية ، واثبات الدور التعليمي الهام الذي تلعبه المؤسسة في التوصيل المبدع للبرامج ، قد يكون ذا فائدة اكبر .
التكنولوجيا لا تقدم حلولاً سحرية :
يرافق كل تكنولوجيا جديدة إدعاءات تصفها بأنها الوسيلة الأفضل للتوصيل والتي ستحل جميع مشاكل التعليم . ومالم يتم فهم الحاجات التعليمية بشكل تفصيلي فإن أي تكنولوجيا يمكن وصفها بأنها مناسبة أو غير مناسبة . وحتى اولئك الذين هم في مقدمة الإبداع التكنولوجي، يعترفون بصراحة أنهم غير متأكدين من المسار الذي تدفع التكنولوجيا بشركاتهم إليه ، ونتيجةً لذلك فإنهم يستثمرون بشكل كبير في مجالات التسويق والأبحاث والتطوير ، في محاولة منهم للمحافظة على تفوقهم التكنولوجي ، بغض النظر عن موقعهم في المستقبل .
إن أفضل نصيحة توجه للمؤسسات التي لا تملك التمويل الكافي للبحث والتطوير ، هي أن يتجنبوا الحلول التكنولوجية لحل مشاكلهم التعليمية . وعلى هذه المؤسسات أن تركز على المحتوى وحاجات الدارس والمتطلبات التعليمية ، والعقبات المحتملة . إن الانتباه لهذه المواضيع سيجعل الحلول التكنولوجية المناسبة أكثر وضوحاً .
وضمن هذا الإطار ، فإن الفائدة الأساسية من الإنترنت تتجاوز كونها وسيلة للتوصيل بحد ذاتها ، إلى أن تكون منبراً تنطلق منه حلول تكنولوجية مختلفة . والذين يعتقدون أن الإنترنت هي الحل الأمثل لكل المشاكل التعليمية ، عليهم أن يراجعوا أوراق الأبحاث التي صدرت في الخمسينيات وكانت تقول نفس الشئ عن جهاز العرض (Projector) ومن مثل التلفزيون والفيديو .
التغيير هو الشئ الوحيد الثابت في عالم تكنولوجيا التعليم :
إن توقع التغيير أمر يشوبه التحدي والغموض . فقيام مؤسسة ما بالتحرك السريع دون التخطيط طويل الأمد والكافي ، يجعلها محصورة في قرارات تكنولوجية ستصبح بالية بسرعة . أما إذا تحركت ببطء شديد فإن حصتها في السوق من حيث البرمجة قد تتدنى. وبنفس درجة الضرر ، فإن فشل البرنامج في التطور سوف يعطي إشارات للجهات المنافسة والأسواق المحتملة ، إن البرنامج لم يعد صالحاً للتطبيق .
إن التوقيت هو كل شئ في عالم من التغيير التكنولوجي . وأولئك الذين يعرفون كيف يستعملون التطور التكنولوجي في الوقت المناسب، سيكونون هم الفائزون الكبار ، أما الباقون فسيتنافسون على الفتات .
ديمومة التكنولوجيا تعتمد على التطور لا القفزات :
خلال الثلاثين سنة الماضية تم التطور التكنولوجي بأسلوب يتسم بالثبات النسبي . ويمكن وصف هذه العملية بأنها ولادة التكنولوجيا وموتها
وعودتها إلى الحياة .
في مرحلة الولادة تظهر تكنولوجيات جديدة ترافقها توقعات غير واقعية حيث تكون هناك مبالغة في التأثير المحتمل لهذه الأداة الجديدة .
في مرحلة الموت يقوم المدافعون القدامى عن هذه التكنولوجيا بهجرها والانتقال إلى التطور التالي ، فيخف الحماس العام حيث تظهر في نفس
الوقت حقيقة ما قد تقدمه أو لا تقدمه التكنولوجيا الجديدة .
أما في مرحلة العودة إلى الحياة ، فيظهر استيعاب أكثر وعياً عندما يتم اختبار التكنولوجيا الجديدة في مجالات تعليمية مختلفة .
ومع الوقت ، فإن التكنولوجيا التي كانت تحظى بالإدعاء بأنها حل لكل شئ تأخذ مكانها بين الوسائل التعليمية الأخرى وتختفي من
واجهة التطور التكنولوجي ، ويتم استعمالها من قبل أولئك الذين يستطيعون استثمار فوائدها على أحسن وجه .
التعليم عن بعد : الأولوية لنوعية البرنامج الأكاديمي وليس للتكنولوجيا :
إن اختيار التكنولوجيا أمراً سهلاً بالمقارنة مع ما يتطلبه تصميم وتطوير وتطبيق برنامج أكاديمي فعّال . إن معدّي البرنامج الناجحين هم الذين يوفروا موارد كافية لرعاية وتطوير المدرسين المبدعين والمهتمين الراغبين في النجاح في مشروع التعليم عن بعد .
إن خبرات توصيل التعليم التي تعتمد كلياً على التكنولوجيا ، دون المشاركة اليومية من قبل مدرس ماهر وواعٍ ، قد تولد اهتمام أَوَلِي لدى الطلاب . لكنهم لن يكونوا قادرين على المحافظة على نفس المستوى من الاهتمام في البرنامج التعليمي ككل ، إن لم يتواجد تصميم ملائم للمادة ، واهتمام مركز من المدرسين ، بالإضافة إلى جاهزية الطالب نفسه .
أهمية الإدارة الناجحة في استخدام تكنولوجيا التعليم :
إن اللحاق بالتكنولوجيا معركة لا تنتهي ومليئة بالتوقعات التي لا سابق لها . ولنَنْظُر إلى الضغط الناجم عن محدودية المصادر ، والحاجة إلى التخطيط الدائم للمستقبل مع المعرفة بأن التكنولوجيا التي يتم تطبيقها اليوم هي غالباً على الطريق لأن تصبح بالية .
إن أفضل شئ يمكن قوله عن إدارة التكنولوجيا هو أن أحداً ما يجب أن يفعل ذلك ويفعله بشكل صحيح . فدون وجود مهارات إدارية متميزة، وقدرة عالية على الاحتمال ، فإن مهمة الإداريين مهمة مستحيلة .
فعالية التعلّم عن بعد ترتبط باستخدم تكنولوجيا التفاعل :
إن الافتقار إلى تفاعل شخصي ما بين الطلاب ومع المدرسين بشكل فعّال ، إلى جانب عدم تنظيم عملية التغذية الراجعة هي من نقاط الضعف المحتملة والأساسية في التعليم عن بعد . وبالعكس فإن الحاجة إلى تفاعل متبادل فعّال ما بين الدارسين عن بعد يقدم فرصة عظيمة لإستعمال التكنولوجيا بشكل مبدع . والواقع فإنه سواء كان التفاعل المتبادل ما بين الأستاذ والطالب أو ما بين الطلاب أنفسهم فإن التعلّم يزداد عندما يتم إستعمال التكنولوجيا لتأمين التواصل وتحسينه .
غالباً ما يتطلب التعليم الفعّال أن يقوم معلماً متفرغاً كلياً ، بوضع وتأسيس الإطار التعليمي ، حتى عندما يكون الجمهور المستهدف هو من الراشدين ذوي الحماس الكبير . كما أن التعلّم الذي يتم ما بين الطلاب دون وجود مدرس هو أيضاً ذو أهمية كبيرة . وفي معظم بيئات التعليم عن بعد فإننا نجد أنه من الصعب على الكثير من الطلاب الحفاظ على علاقة مستمرة مع المضمون التعليمي ، وبإمكان الطرق الكفيلة بإيجاد أماكن تعليمية ووصلات تكنولوجية تجمع الطلاب البعيدين معاً ، بإمكانها أن تملأ الفجوات ما بين الشئ الذي يتم تدريسه والشئ الذي تم تعلّمه .
التعليم وجهاً لوجه ما زال وسيلة توصيل فعّالة لدعم الدورات التعليمية التي تتم عن بعد وذلك عندما يكون ذلك ممكناً :
يعتقد الكثيرون أنه لا توجد حاجة للتعليم وجهاً لوجه في الحلقات الدراسية التي تتم عن بعد . أن بعض أفضل هذه الحلقات الدراسية تحتوي على بعض الأجزاء الأساسية ، التي يتم فيها التواصل المباشر ما بين المعلمين والطلاب بشكل فردي ، أو في مجموعات صغيرة أو مع جميع أعضاء الصف .
قد يكون من المستحيل لأسباب طبيعية جمع المعلم والطلاب معاً . وقد لا يتم اعتماد اسلوب التواصل الشخصي إذا كان غير عملي أو ليس ذا أهمية من حيث القيمة التعليمية . لكن إذا كان التفاعل الشخصي ما بين المعلم والطلاب يعتبر جزءً مهماً من الحلقة الدراسية ، فإنه من المهم أن يتم اللقاء كمجموعة في بدايات الفصل قدر المستطاع . ولقد أكد عدد من المدرسين ذوي الخبرة العاملين في مجال التعليم عن بعد أن مستوى إرتياح الطلاب بالنسبة لاستعمال التكنولوجيا يزداد بوضوح إذا تم لقاء ما بين الطلاب والمدرّس في بدايات الحلقة الدراسية ، بحيث يكوّنوا علاقات عمل شخصية .
العديد من المدرسين يشعرون بالارتياح عندما ينضم طلاب دارسون عن بعد من مؤسسات أخرى إلى حصصهم ، ولكنهم لا يحبون قيام طلابهم بأخذ دروس من مدرسين في مؤسسات أخرى :
تؤدي هذه المسألة إلى أوضاع غير مريحة تتخبط فيها مشاريع التعليم عن بعد وإلى محدودية نجاح الشراكات الإستراتيجية المعتمدة على التشارك في الهيئة التدريسية . إن أفضل الشراكات تتشكل عندما تتحدد حاجات أكاديمية معينة وعندما تتواجد خبرات في داخل المؤسسات التعليمية. وفي هذه الحالات لا تعتبر المنافسة من العوامل المهمة حيث تتم الفائدة لكل من المؤسسات المرسلة والمستقبلة. إن التحالفات الأكاديمية الحقيقية قد أثبتت أنها نادرة الوجود وهي الاستثناء لا القاعدة ، رغم أنها الدافع الرئيسي المؤسس للبداية الأولية لجهود التعليم عن بعد .
ساحة النقاش