مدونة ابن الباديه أبورفيع للتوثيق

انا عاشق للحروف النقية المبدعة في رونقها وجمال سحرها هائم في بحور اللغة بما تحتويه همسات تشجي القلوب

في قريتي البعيدة 

.........................


في قريتي البعيدة 

،تتفتّح أزاهير الليل،

أهزوجةً من نجوى الحب ،

تهمس بالسّمر،

حين تفرّ الأجساد 

من سخطها اليومي

لتدور به على المواقد , 

تستلهم الخرافة

أشكالاً من أحلامٍ مستحيلة 

قراطيس من حكاية

يسرج بها البراق لون أمنية

تحولت إلى آلهة مجنحة

مرفرفة برشاقة 

كالعنقاء الأسطورية . 


في قريتي البعيدة،

زقزقة العصافير ،

تنهيدة  اليمام ،

رحيق السّكينة عند الشبابيك 

ورفيف الفراش 

يتسابق إلى الأنوار المتسللة إلى الأسطح ،

ينثر عطر الزهور الأثير 

في نسيم الصّباحات المنسيّة ،  

بينما يتأوّه الفجر بين اللحظات

ويختلط نسيم المواقد

برائحة الخبز والقهوة ،

ويغير الصباح 

مزاج الأشياء من حولنا، 

والريح  تلتقط أنفاس الهمس 

وقهقهات الفرح، 

تجرّ قوافل الأنين خارج الصّدور .


في قريتي البعيدة ،

تنتظر النفوس بصبر وإيمان ،  

انقلاب الفصول والأقدار  ،

تترقّب الغيوم 

كي ترتدي  أكماماً مرصّعة بتيجان العطاء ، 

تنشد الأرواح أساطير الحنين 

وأغاني الخصب 

وتوشوش في أذن الشمس

لتحل الأقدار السعيدة  ،  

حتى تتأهّب النجوم 

لرقصتها الجنونيّة  .

  

في قريتي البعيدة ،  

اعتادت  اليمامات أن تحوم بسلام ، 

فوق غابة الظلال الظليلة . 

واعتاد الليلك أن يزهر 

بين أسراب  الحقول الشاسعة،  

ويتفتق الرحيق في حضن  الوادي 

المكلل بالأزاهيرٍ الملونة والزنابق البرية  . 


في قريتي البعيدة ،

اعتاد السكون  أن يتسلل 

عبر المنحدرات 

إلى شاطئ عجوز 

لم ينس تجاعيده الخضراء  .

واعتاد الصبر 

أن يروي عالماً شديد البؤس

بالرغبة المفعمة بالحياة . 


في قريتي البعيدة ، 

لايسأل الإنسان البسيط  

عن معنى حياته ،

  يعيش كالنخلة

المحملة بالثمر ، تنتظر من يقطفها 

ثم تعود لتتمايل بحرية مع الريح ،

بعد أن تخلصت من عبء الخصب .

  

في قريتي البعيدة ،

الفجر يشرق بأنفاس الحياة كل يوم ،

وينقع العالمين بنداوة النشوة

وعبير الورد ، دون أن يدركوا  

كم سيبقون ومتى يغادرون، 

ولتبقى الجنة والجحيم منتظرين 

حتى النهايه ... 

فالأقدار مكتوبة . 


في قريتي البعيدة ،

هناك على ناصية الفجر

تركت أحلامي ، 

بقرب  الضياء وزهور النارنج 

عند النافذة ، ورتّلت مواويل حزني 

عند عريشة اللبلاب ،

ووشمت حروف اسمي 

فوق جذع الزيزفون، 

وهناك حيث ولدت أزاهير الشغف 

في فمي الأبكم ،

هناك  تركت كرّاسي

وكتابي الأول ، 

هناك طرقت باب البهجة ،  

ومازلت أذكر هذا الكون ، 

كدنيا تضج بالبساطة ِوالشغف ، 

مازالت الحياة معضلة كبيرة ،

كساعةٍ رملية لانمسك برمالها ،

حتى نلي قطوف الدهر، 

نتقافز  بالمطالب ،

في صروحٍ  مشتعلةً غلالاتها ،

من نجمٍ إلى نجم ،

من ظلٍ إلى ظل، 

ثم نموت  ميتة نائية

ثم نُنسى  كرمادٍ تذروه الرياح ... 

متلاشية هي النفوس

كعناقيد نجميةوراء السماوات،

لاتترك 

سوى آثار خطواتها على الغيم 

هناك على ناصية الفجر ،

تركت جَسدي بقرب الضِّيَاء

وأنشدت حزني

الذي لم  يُولَد بعد  في قريتي البعيدة !

سما سامي بغدادي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 18 مشاهدة
نشرت فى 3 يناير 2025 بواسطة AboRafie

Abo Rafie

AboRafie
انا عاشق للحروف النقية المبدعة في رونقها وجمال سحرها هائم في بحور اللغة بما تحتويه همسات تشجي القلوب وتنثر الحب في كل الدروب وتضفي علي روحي نغم يجري بالشريان والوريد بهمس رقيق يعانق لُب القلب // ابن الباديه ابورفيع »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

12,450