جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
في قريتي البعيدة
.........................
في قريتي البعيدة
،تتفتّح أزاهير الليل،
أهزوجةً من نجوى الحب ،
تهمس بالسّمر،
حين تفرّ الأجساد
من سخطها اليومي
لتدور به على المواقد ,
تستلهم الخرافة
أشكالاً من أحلامٍ مستحيلة
قراطيس من حكاية
يسرج بها البراق لون أمنية
تحولت إلى آلهة مجنحة
مرفرفة برشاقة
كالعنقاء الأسطورية .
في قريتي البعيدة،
زقزقة العصافير ،
تنهيدة اليمام ،
رحيق السّكينة عند الشبابيك
ورفيف الفراش
يتسابق إلى الأنوار المتسللة إلى الأسطح ،
ينثر عطر الزهور الأثير
في نسيم الصّباحات المنسيّة ،
بينما يتأوّه الفجر بين اللحظات
ويختلط نسيم المواقد
برائحة الخبز والقهوة ،
ويغير الصباح
مزاج الأشياء من حولنا،
والريح تلتقط أنفاس الهمس
وقهقهات الفرح،
تجرّ قوافل الأنين خارج الصّدور .
في قريتي البعيدة ،
تنتظر النفوس بصبر وإيمان ،
انقلاب الفصول والأقدار ،
تترقّب الغيوم
كي ترتدي أكماماً مرصّعة بتيجان العطاء ،
تنشد الأرواح أساطير الحنين
وأغاني الخصب
وتوشوش في أذن الشمس
لتحل الأقدار السعيدة ،
حتى تتأهّب النجوم
لرقصتها الجنونيّة .
في قريتي البعيدة ،
اعتادت اليمامات أن تحوم بسلام ،
فوق غابة الظلال الظليلة .
واعتاد الليلك أن يزهر
بين أسراب الحقول الشاسعة،
ويتفتق الرحيق في حضن الوادي
المكلل بالأزاهيرٍ الملونة والزنابق البرية .
في قريتي البعيدة ،
اعتاد السكون أن يتسلل
عبر المنحدرات
إلى شاطئ عجوز
لم ينس تجاعيده الخضراء .
واعتاد الصبر
أن يروي عالماً شديد البؤس
بالرغبة المفعمة بالحياة .
في قريتي البعيدة ،
لايسأل الإنسان البسيط
عن معنى حياته ،
يعيش كالنخلة
المحملة بالثمر ، تنتظر من يقطفها
ثم تعود لتتمايل بحرية مع الريح ،
بعد أن تخلصت من عبء الخصب .
في قريتي البعيدة ،
الفجر يشرق بأنفاس الحياة كل يوم ،
وينقع العالمين بنداوة النشوة
وعبير الورد ، دون أن يدركوا
كم سيبقون ومتى يغادرون،
ولتبقى الجنة والجحيم منتظرين
حتى النهايه ...
فالأقدار مكتوبة .
في قريتي البعيدة ،
هناك على ناصية الفجر
تركت أحلامي ،
بقرب الضياء وزهور النارنج
عند النافذة ، ورتّلت مواويل حزني
عند عريشة اللبلاب ،
ووشمت حروف اسمي
فوق جذع الزيزفون،
وهناك حيث ولدت أزاهير الشغف
في فمي الأبكم ،
هناك تركت كرّاسي
وكتابي الأول ،
هناك طرقت باب البهجة ،
ومازلت أذكر هذا الكون ،
كدنيا تضج بالبساطة ِوالشغف ،
مازالت الحياة معضلة كبيرة ،
كساعةٍ رملية لانمسك برمالها ،
حتى نلي قطوف الدهر،
نتقافز بالمطالب ،
في صروحٍ مشتعلةً غلالاتها ،
من نجمٍ إلى نجم ،
من ظلٍ إلى ظل،
ثم نموت ميتة نائية
ثم نُنسى كرمادٍ تذروه الرياح ...
متلاشية هي النفوس
كعناقيد نجميةوراء السماوات،
لاتترك
سوى آثار خطواتها على الغيم
هناك على ناصية الفجر ،
تركت جَسدي بقرب الضِّيَاء
وأنشدت حزني
الذي لم يُولَد بعد في قريتي البعيدة !
سما سامي بغدادي