<!--<!--<!--<!--<!--

بين غولين


الغول , كائن اسطوري طالما سمعنا قصصه ترويها الجدات للأحفاد , لا يطيب لها طعام إلا لحم البشر و خاصة منهم الأطفال . لم تكن الجدات يدركن أن هذا الغول قد يصبح حقيقة , بل و أشد فتكا و شراسة من غول الأساطير هذا . غول يلتهم الأرض قبل أن يلتهم الإنسان , غول لا رحمة في قلبه و لا شفقة , غول نطلق عليه اليوم الاحتلال يغتصب الأرض و يشرد و يقتل الإنسان , غول له من الغيلان أعوان يمدونه بأسباب القوة و أسباب البقاء و أخطر هؤلاء الأعوان هو الغول الذي قمنا نحن بإطلاقه بأيدينا , غول أسميه الانقسام قام بإمداد الغول الأكبر بما لم يحلم به يوما من عناصر قوته , كيف لا و هو يرى الأخ يفتك بأخيه و الابن يعصى أمر أبيه و الوطن الواحد أمسى وطنين . ليت الأمر اقتصر على هذا فقط , بل إن الانقسام قد دخل بيوتنا و وصل حتى مضاجعنا فنسينا أن هناك وطن سليب و أن هناك مدينة تئن تحت هول التهويد و  جعلنا من وسائل إعلامنا وسيلة لإبراز ما اتسخ من ثيابنا , ففقدنا احتراما كان يكنه العالم لنا و لنضالنا , بل أكاد أجزم إننا فقدنا حتى احترامنا لأنفسنا و سمحنا لأبواق الفتنة أن تدخل بيننا و تنفث فتنتها التي أكلت أجمل ما فينا . فإذا كانت حكومة رام الله كما تسميها حماس هي حكومة تتبع للجنرال دايتون الأمريكي و غزة تتبع لإيران , فأين هي الحكومة التي تتبع فلسطين ؟ . كي نتفرغ للقضاء على غول الاستيطان يجب علينا  أولا أن نقضي على غول الانقسام . و أن نكون مع الجهود العربية و خاصة المصرية منها لإنهاء هذا الأمر الذي يقض مضاجعنا و يريح أعداءنا و هذا ما أدركته حركة فتح و أدركه الرئيس أبو مازن فكان توقيعه السريع على ورقة المصالحة المصرية رغم الاعتراضات الأمريكية ليقطع الطريق على الجميع مؤكدا أن خط فتح هو خط الوحدة الوطنية و التعالي على الجراح , فإلى متى ستنتظر حماس حتى تضرب هي الأخرى بمعولها ؟ و تكون ضربتها قاصمة لغول الانقسام و هي التي تدرك جيدا معاناة الأهل في غزة في ظل هذا الحصار المفروض عليها فيكون توقيعها على ورقة المصالحة المصرية هو الضربة القاضية و يعود لأهلنا في غزة بعض الأمل الذي كادوا إن لم يكونوا قد فقدوه بعودة اللحمة إلى شقي الوطن . نحن نرحب بكل خطوة تؤدي إلى كسر الحصار المفروض على غزة و لكن هذا لا يجب أن ينسينا أن غزة ليست وحدها المحاصرة , فالحواجز الإسرائيلية تفصل القرى و المدن و تحد من تحركات المواطنين في الضفة و القدس أيضا تهود على مرأى من الجميع و مسمع .

إذا أردنا أن ندعم المقاومة حقا , فيجب أن ندعم مقومات الصمود لشعبنا و أهم هذه المقومات هو عودة اللحمة بين شقي الوطن و الأهم من ذلك عودة الأخ ليلتقي على صحن طعام واحد مع أخيه و استذكر هنا صرخة أم مع أول جلسات المصالحة في القاهرة عندما سألها أحد المراسلين ماذا تطلبين من المجتمعين فكان ردها المؤلم لمن يشعر بفداحة مشاعرها : أعيدوا إلي أبنائي .

فهل ستوقع حماس على ورقة المصالحة لتعيد لهذه الأم أبناءها ؟

و هل سيطول انتظارنا ؟

هذا ما ستأتينا به الأيام و أرجو أن أكون متفائلا و ألا يطول انتظار هذه الأم و الكثير من الأمهات أمثالها .


الشاعر د . عبد الجواد مصطفى عكاشة   

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 191 مشاهدة
نشرت فى 11 مارس 2011 بواسطة AJawad

عبد الجواد مصطفى عكاشة

AJawad
مدير عام الموقع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

119,965