<!--
<!--<!--<!--
حماقات تسمى دبلوماسيات
الثلاثاء 14 آذار 2017
إيهاب زكي - بيروت برس -
إنّ فائض الوقاحة الذي تمتلكه المؤسستان السعوديتان السياسية والدينية، لا يضاهيه إلّا السلوك التركي وخطابات أردوغان، فالمؤسسة السياسية السعودية بكل ما أوتيت من تبعية وارتهان للمصالح الأمريكية و"الإسرائيلية"، تخاطب الناس بمدى حرصها على العروبة والمصالح العربية والاستقلال العربي، وأما المؤسسة الدينية السعودية، والتي لا تنطق إلّا عن هوى المؤسسة السياسية، فقد انتجت التطرف والإرهاب والشوفينية، ولا تحدثك إلا عن الاعتدال وسماحة الإسلام، وأنها تبغض التطرف والمتطرفين، وهذه المفارقات هي أحد الطلاسم الذي يتعايش معها الناس يوميًا، وحين يحاولون فك تلك الطلاسم يكتشفون أن العروبة والمصالح العربية والاستقلال العربي، لا تعني سوى الانصياع للرغبات السعودية بالتسيد الأمريكي ولاحقًا "الإسرائيلي" على المنطقة وثرواتها وشعوبها. وأما سماحة الإسلام فلا تعني إلّا التسامح في وجود "إسرائيل" وبقائها، والاعتدال الوهابي منافٍ لـ"التطرف" الإيراني تجاه وجود "إسرائيل"، ويظن السعوديون أن الحماقات التي يرتكبونها في سوريا واليمن والعراق، اسمها الدبلوماسية المتوثبة، كما يظن أردوغان أن جنونه العلني، ولأنه خارج أسوار المستشفيات النفسية والعصبية يسمى عزة الدفاع عن حياض الإسلام.
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُعد، وكان آخرها ما حدث بعد الأزمة الدبلوماسية بين تركيا وهولندا، حينها تذكرت تركيا والصحافة -الأردوغانية-، أن أوروبا قارة صليبية، وأنها تمارس حرب صليبية على الإسلام عبر هولندا، وتركيا منذ خمسين عامًا تقف متسولةً عضوية القارة الصليبية، فالإسلام أصبح مختزلًا في حرب أردوغان الدستورية، وأنه على مليار ونصف مليار مسلم الاصطفاف في حربٍ مقدسة خلف أردوغان لزيادة صلاحياته. فيقول أحد الكتبة الأتراك "لقد بلغ الحقد الصليبي حد الجنون، واجتمعت أوروبا على قلب رجلٍ واحد ضد الإسلام والمسلمين"، ويقول كاتب آخر شريف أوز "لن تتوقف الصفعة العثمانية، طالما أن حملتكم الصليبية مستمرة"، ويقول ثالث "إن التعديلات الدستورية هي الخطوة الأولى للخروج من الهيمنة الصهيوصليبية"، رغم أن الخروج من الناتو خطوة سهلة للخروج من تلك الهيمنة، وإغلاق الحدود مع سوريا كذلك أسهل، وإغلاق قاعدة "أنجرليك" أكثر سهولة، كما أن قطع العلاقات مع الصهيوصليبية في "إسرائيل" يعتبر خطوة جبارة وسهلة في آن، ولكنه الجنون العلني خارج أسوار المستشفيات، الذي يجعل من سفاسف الأمور عظيمها.
وأما أكثر الأمثلة الصارخة على الحماقات السعودية والتركية معًا، فهي سلوكيات ما تسمى بـ"المعارضات السورية"، حيث تتنازعها القوى الإقليمية والدولية، وهي المرآة الحقيقية لعقليات المتنازعين، خصوصًا الأتراك والسعوديين، فتراهم يحتفلون بالنصر وهم يتنقلون بين الهزائم. فليس من العيب أن تكون مكابرًا، ولكن من المعيب أن تكون أحمقًا، وهذا ديدن أردوغان، فصراخه يعلو حتى تكاد تظن أنه بات لقعقعة الحرب أقرب، ثم يبدأ بتوزيع الاعتذارات كما حدث مع روسيا، أو بالتنازلات والرضوخ كما حدث مع "إسرائيل"، أو التعديلات والتحويرات كما حدث ويحدث مع سوريا، وغدًا مع هولندا والنمسا، ويبدو أن لقاء أردوغان بوتين لم يكن ناجحًا، وخرج أردوغان خالي الوفاض، فهو المهزوم الذي يطالب بحصة المنتصر، وهو نفس المنطق الذي يمليه على ما تسمى "المعارضات"، فهيأت له نفسه أن عدم حضور ما تسمى بـ"المعارضات" إلى أستانة، أحد الردود على اللقاء الفاشل، وكما هو الحال على طول فترة العدوان على سوريا، يتحامقون ليمتلكوا أوراق القوة، فتنقلب بفعل حماقة الخطوة وحماقة التوقيت إلى أوراق قوة بيد الدولة السورية وحلفائها، وبغض النظر عن صلابة حلف دمشق وحرفيته، فإنّ هذه الحماقات للطرف المقابل كانت إحدى عوامل الانتصار.
هناك فرق شاسع بين أحلاف الضرورة وأحلاف المصير، فحلف دمشق حلف مصير، أما التحالف التركي السعودي فهو تحالف ضرورة، لذلك فهم يتناهشون "المعارضات" ويراوغون ويقتتلون، والثابت الوحيد أنه بعد انتهاء العدوان على سوريا، سيعود التوتر للعلاقات البينية، فكلا البلدين يتسابقان على أحقية تمثيل العالم "السني"، ومن يستطيع جرّه إلى الحظيرة الأمريكية الصهيونية. فأردوغان يعتبر نفسه وارث السلطنة والخلافة، وهي مصدر شرعيته، وآل سعود يتحكمون بأرض الحرمين كمصدر شرعية، وما استحضار تلك العناوين أمام أي أزمة تقابل البلدين، إلّا من باب الاستحواذ على ذلك التمثيل، وهذا في الوقت نفسه الذي يعيبون فيه على إيران محاولة تمثيل العالم "الشيعي"، ويعتبرون تلك المحاولات الإيرانية-إن وجدت- ضربًا لمفهوم الوطن ومفهوم الدولة، وأنه جزء من مخطط "تصدير الثورة" الإيرانية، بينما هم يصدرون كل وضيع، لذلك فإنّ التاريخ سيسجل أنه كان في زمانٍ ما، حماقات من العيار الثقيل تسمى بفعل الرشوة والانحطاط القيمي والأخلاقي دبلوماسيات.
ساحة النقاش