<!--
<!--<!--<!--
لماذا خرج أردوغان عن النص الدبلوماسي وتهجم على العبادي و«شخصّن» الأزمة مع حكومته؟
الأربعاء 12 تشرين الأول 2016
عبد الباري عطوان - رأي اليوم -
خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الأعراف الدبلوماسية عندما شن هجوما شرسا، وشخصيا، يوم أمس على السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، وخاطبه بلغة انفعالية غير مسبوقة، قائلا له وبصوت عال "من انت.. اعرف حجمك.. انت لست نظيري.. عليك أن تعلم أننا سنفعل ما نريد أن نفعله".
هذا الانفعال يأتي ردا على مطالبة السيد العبادي بانسحاب أكثر من ألف جندي وخبير عسكري تركي من قاعدة "بعشيقة" قرب الموصل، وتأييد البرلمان العراقي بالإجماع، وبكل مكوناته، الطائفية، السنية والشيعية، والعرقية الكردية واليزيدية والمسيحية والتركمستانية، لهذا الطلب، ووصف هذه القوات التركية بأنها "قوات احتلال".
الرد العراقي الرسمي على هذه التهجمات جاء "متزنا" و"اقل انفعالية"، حيث عبر السيد سعد الحديثي المتحدث باسم السيد العبادي عن "أسفه" لصدور مثل هذه التصريحات التي "تشخصن" المشكلة، وتبعدها عن جوانبها القانونية، وتصب المزيد من الزيت على نار الخلاف "الملتهبة"، مثلما تؤكد انه لا توجد رغبة جدية للحكومة التركية لحل الأزمة وسحب قواتها من العراق، لكن الرد "التصعيدي"، والأكثر هجومية، جاء من هيئة الحشد الشعبي، وهي قوات ذات أغلبية شيعية، حيث توعد بيان صادر عنها "برد مزلزل في الميدان"، وأضاف "سنعرف من سيلزم حدة ويقف عنده".
تهجم الرئيس أردوغان على العبادي وبالطريقة التي شاهدناها، ورد قوات الحشد الشعبي الذي يتسم بالوعيد والتهديد، تصبان في مصلحة التوتر الطائفي الذي يزحف نحو المنطقة بسرعة، ويهدد باندلاع حرب طائفية بين طرفي المعادلة المذهبية الإسلامية الأكبر، أي الشيعة والسنة، يمكن أن تجر إليها دولا إقليمية عظمى مثل إيران وباكستان والمملكة العربية السعودية الى جانب العراق وتركيا.
***
الرئيس أردوغان يقول أن القوات التركية التي يزيد عددها عن ألف مقاتل مدعومة بالدبابات والعربات المجنزرة جاءت بطلب من الحكومة العراقية، وعندما نفت هذه الحكومة أنها تقدمت بهذا الطلب، وقال إنها أخذت الموافقة من حكومة السيد مسعود البارزاني الإقليمية، وتبرأ الأخير من أي دعوة لقوات تركية الى العراق، ومن المفارقة أن من ساهم بدور كبير في منع قوات "الدولة الإسلامية" من اجتياح أربيل والسيطرة عليها هي القوات الأمريكية والإيرانية وليس التركية.
الولايات المتحدة الأمريكية التي استنجد بها السيد البارزاني للتوسط لحل الأزمة، قالت إن وجود القوات التركية على ارض العراق غير شرعي لأنها ليست جزءا من التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم "الدولة الإسلامية"، ويحشد لإخراجه من مدينة الموصل التي يسيطر عليها، في تأييد واضح لموقف الحكومة العراقية بضرورة انسحاب هذه القوات، ولو خيّر السيد البارزاني بين الوقوف بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لاختار الأخير، وان كان يتظاهر بغير ذلك.
المستشارون العسكريون الأتراك لا يدربون قوات الجيش العراقي استعدادا لمعركة الموصل، مثلما قال الرئيس أردوغان، وإنما أكثر من 5000 مقاتل يتبعون السيد اثيل النجيفي، محافظ نينوى (الموصل عاصمتها)، المعروف بعلاقاته الخاصة مع تركيا، وغادر المدينة فور اقتحام قوات "الدولة الإسلامية" لها قبل عامين دون أي مقاومة، وهناك من يتهم تركيا بتأسيس "جيش سني" من أهالي الموصل وجوارها يكون مواليا لها.
الرئيس أردوغان يصر، على مشاركة القوات التركية في معركة "تحرير" الموصل، ويصعب على الكثيرين فهم الإصرار على هذا الطلب الذي تعارضه أمريكا نفسها، قائدة التحالف الذي سيقود المعركة، اللهم إلا إذا كان يؤمن، أي في قرارة نفسه أن الموصل، بل ومحافظة نينوى كلها، أراض تركية تقع على عاتقه مسؤولية "تحريرها"، وإبعاد قوات "الدولة الإسلامية" أو "داعش" منها وحماية شعبها "التركي".
اختلفنا مع كل الحكومات العراقية التي ولدت من رحم العملية السياسية التي وضع أسسها وشروطها الاحتلال الأمريكي، لأنها فشلت في تحقيق المصالحة الوطنية، والتعاطي مع مختلف مكونات الشعب العراقي على أسس المساواة وتحت مظلة الهوية الوطنية العراقية الجامعة وغير الطائفية، وضربت المثل الأعلى في الفساد والمحسوبية، ولكننا نعارض في الوقت نفسه إذكاء نيران حرب طائفية مذهبية عرقية على ارض العراق، مثلما نعارض أي تفتيت له ووحدته الديموغرافية والجغرافية، وإغراقه وشعبه في حمامات دم.
من غير المعروف لماذا يلجأ الرئيس أردوغان الى مثل هذا التصعيد السياسي والعسكري مع دول الجوار التركي، في وقت يؤكد رئيس وزرائه الجديد انه يريد تحسين العلاقات، وحل كل الخلافات بالطرق السلمية، وبما يخدم مصالح الجميع، خاصة أن تركيا ما زالت متورطة في الحرب السورية، وتواجه أزمات اقتصادية متفاقمة، وتشهد علاقاتها توترا مع الاتحاد الأوروبي، وتواجه تفجيرات شبه يومية تزعزع استقرارها وأمنها، تقف خلفها اخطر قوتين في المنطقة، أي حزب العمال الكردستاني، والدولة الإسلامية"؟
هل يريد الرئيس أردوغان فتح جبهة جديدة على أطراف الموصل مع القوات العراقية والحشد الشعبي العراقي، والأكراد العراقيين أيضا، الذين يتعاطفون مع أبناء جلدتهم في حزب العمال الانفصالي؟ وفي وقت ما زال يواجه ذيول الانقلاب العسكري الأخير وآثاره التي هزت تركيا، وكاد يعصف بحكمه الديمقراطي المنتخب، وكل إنجازاته الاقتصادية التي تحققت على مدى 13 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه؟
***
نخشى من حرب أهلية أو إقليمية طائفية على ارض العراق، تحرض تركيا على خوضها عواصم عربية للأسف، ويكون ضحاياها من العرب السنة والشيعة معا، وهي حرب لو اندلعت ستستمر لعقود وتحرق الأخضر واليابس، وما الاجتماع الذي سيعقده وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض بحضور وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلا احد المحاور في هذا المضمار.
لا نعرف ما إذا كان الرئيس أردوغان يعي هذا الخطر جيدا، ووضع الاحتياطات اللازمة له، مثلما يعي أيضا أن التصعيد إذا لم يؤد الى التفاف معظم العراقيين خلف السيد العبادي، فإنه سيمهد الطريق في حال إضعافه لعودة خصمه المتطرف السيد نوري المالكي الذي أبطلت المحكمة الدستورية العراقية أمس (الاثنين) حكم فصله من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية.
التدخل العسكري والسياسي التركي في سورية قبل خمس سنوات ساهم في إيصالها الى الوضع المؤسف الحالي، ووضع المنطقة على أعتاب حرب عالمية ثالثة، سترتد دمارا على تركيا أيضا إذا ما اشتعل فتيلها، وما زال الرئيس بشار الأسد في قصر الحكم في دمشق، فهل يؤدي نظيره في العراق الى النتيجة نفسها؟
الرئيس التركي يقامر بمستقبله، ومستقبل حزبه، وربما مستقبل تركيا نفسها، وانفعاله وتوتره الشخصي تجاه السيد العبادي يعكسان ذلك، ومن هنا نتمنى عليه أن يتحلى بالحكمة والتريث وضبط النفس، وتحكيم العقل، لان الثمن قد يكون ضخما جدا.
ختاما نقول أننا ما كنا نتمنى أيضا أن يستخدم الرئيس أردوغان تعبيرات المرحوم معمر القذافي في آخر أيامه، وأبرزها "من انتم" التي خاطب بها خصومه التي كشفت عن سوء تقدير، ولا نريد أن نستطرد بأكثر من ذلك، فتركيا تظل عزيزة علينا، وجزءا كبيرا من تاريخنا وارثنا الإسلامي، ولا نتمنى لها وشعبها الشقيق إلا الخير، والاستقرار والازدهار.
ساحة النقاش