<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
كابوس ليلة صيف
شبكة عاجل الإخبارية ـ عفيف دلا
24 آب 2016
في الصراعات الكبرى ترسم حدود الصراع وهوامشه وتحدد الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء ، وتوضع الخطط بكل حروف الأبجدية من الألف إلى الياء فمن غير المسموح تجاوز هذه المحددات ، وليس من المقبول إطلاقاً تغيير المسارات المرسومة بعناية من قبل أي من الأطراف بشكل منفرد أو بالضغط على باقي الأطراف ، فالقوى الكبرى الممسكة بساحة الصراع تحكم قبضتها على كل مفاصله وترسم هي ملامح متغيراته وعوامل استمراره وشروط التفاوض لإنهاء الصراع .
لقد أراد أردوغان الخروج من عباءة الولايات المتحدة ظناً منه أنه يملك القدرة على ممارسة الضغوط عليها في تحديد خياراتها بما لا يمس أمنه القومي في قلب هذا الصراع ، فاندفاع الولايات المتحدة في استخدام العامل الكردي في هذا الصراع والتلويح بمباركة مشروع الفيدرالية الكردية المأمولة في الشمال السوري شكل تهديداً استراتيجياً للأمن القومي التركي وافتراقاً في المصالح الإستراتيجية بينهما، فالمهم بالنسبة للولايات المتحدة هو استخدام أي وسيلة لتحقيق الغاية حتى لو كانت على حساب الحليف ، فذلك يبقى مشكلته في عدم التكيف مع شروط السياسة الأمريكية .
إن البدء في التحرك من تحت الطاولة بين أردوغان وكل من روسيا وإيران لإعادة تموضعه في هذا الصراع بما يجنبه من الوقوف مكتوف الأيدي حيال مشروع الولايات المتحدة الكردي في شمال سورية ، فضلاً عن احتضانها لفتح الله غولن المتهم الأول من وجهة نظر أردوغان بالمحاولة الانقلابية؛ وسع رقعة الهوة بين الولايات المتحدة وتركيا، ودفع أردوغان للخروج من الزاوية التي أراد الأمريكي أن يحشره بها ، فأعاد تطبيع علاقته مع الكيان الصهيوني بشكل علني لضمان وقوف إسرائيل إلى جانبه وبالتالي ضمان ممارسة الماسونية العالمية وقوى الضغط اليهودي في مؤسسات القرار الأمريكي إلى جانبه ، كما اتجه نحو موسكو لإعادة فتح العلاقات معها لتوفير مظلة دولية عوضاً عن الأمريكية وممارسة ضغط غير مباشر على سياسة الولايات المتحدة يدفعها لإعادة النظر في استخدامها للعامل الكردي في الصراع .
والمشكلة الجوهرية لدى الولايات المتحدة لا تكمن في محاولات أردوغان الالتفاف على إرادتها ودفعها للتخلي عن بعض أدواتها في إدارة الصراع بل هي في كيفية التقاط بوتين للخطوة التركية وكيفية استثمارها ، فالرئيس بوتين أراد أن يؤسس لمعادلات جديدة على المستوى الإقليمي من خلال قمة باكو في أذربيجان والتي صرح لاحقاً برغبته في انضمام تركيا لهذا التكتل ، ما يعني أن هناك خارطة قوى جديدة تلوح في الأفق تتجاوز الأفخاخ الأمريكية التي زرعت منذ عقود بين دول المنطقة ، وبالتالي التهديد المباشر لسيطرة الولايات المتحدة على مسار العلاقات بين دول الإقليم ، وهذا بالطبع تهديد استراتيجي للمصالح الأمريكية .
هذا التوازي في الحراك التركي والطموحات الروسية والإيرانية في المنطقة دفعت الولايات المتحدة إلى تسخين الملف الكردي في شمال سورية مجدداً ؛ واستخدامه كورقة ضغط فاعلة جداً على مستويين رئيسيين :
الأول : بالنسبة للدولة السورية وحلفائها لاحتواء تقدمها العسكري مؤخراً في حلب وتقويض نتائجه سياسياً على طاولات التفاوض المعلنة والمستترة .
الثاني : بالنسبة لنظام أردوغان المتمرد على السياسة الأمريكية والمشاغب على حدود الصراع لإعادته إلى الحظيرة الأمريكية ، فالمشروع الفدرالي الكردي يمثل أسوأ كابوس على الإطلاق بالنسبة لتركيا.
وبكل الأحوال فإنه على ما يبدو أن أردوغان يحاول أن يحول نظامه السياسي إلى حاجة ملحة وضرورة قصوى للاعبين الكبار ، مستغلاً موقعه الجيوسياسي في المنطقة وما يمكن أن يقوم به من أدوار، وبالتالي يصبح هو بيضة القبان المرجحة لكفة إحدى القوى على الأخرى ، ويتحول نظامه السياسي إلى صياد فرص تنهال عليه من هنا وهناك لمحاولة احتوائه في حين يلعب هو على الأطراف كافة بما لديه من أوراق قوة ، ويصبح الفرصة الذهبية لكل من الولايات المتحدة وروسيا المتنافستين على سيادة الشرق الأوسط لتثبيت قطبيتهما.
إن مساعي أردوغان لتحويل نظامه السياسي إلى حاجة إقليمية لرسم السياسة الدولية برمتها خطوة ذكية حقاً لكنها لا تخلو من المخاطر الكبيرة لأن اللعب مع الكبار على الدوام محفوف بالمخاطر والخطأ فيه كارثي لأن فرص التعويض لا تكون عادة في حالة وفرة ، وبالتالي إن أردوغان يسعى لفرض معادلة جديدة في المنطقة يفرضها بحكم الواقع لكن يبقى السؤال إلى أي حد يستطيع أردوغان النجاح في مسعاه ذاك؟!
إن استخدام الولايات المتحدة للورقة الكردية في الشمال السوري في هذه المرحلة بالذات ينطوي على مخاطر كبيرة جداً تتمحور في احتمالين اثنين :
الأول : دفع روسيا ومنظومة حلفائها وحتى تركيا أمام شروط جديدة على طاولة التفاوض ، لإعادة ضبط واقع الصراع إقليمياً والتحكم مجدداً بمسارات تطوره المحتملة.
الثاني : هو تسخين القضية الكردية في شمال سورية مما يدفع الدولة السورية لإعادة ترتيب أولوياتها على الأرض وفق الخطر المستجد وبالتالي دفع روسيا معها إلى التعامل مع ملف مستجد يخلط ملفاتها التي تحاول تنسيقها في المنطقة ولا سيما ضم تركيا إلى منظومتها الإقليمية ، إضافة إلى تركيا المتضرر من تحريك الملف الكردي على هذا النحو لما له من تداعيات خطيرة على الداخل التركي ، الأمر الذي يدفع هذه الدول على اختلاف دوافعها لمواجهة هذا التحدي عسكرياً بالطبع وهنا يطفو على السطح احتمال قيام الولايات المتحدة بعملية اغتيال لأردوغان تتهم فيها الفصائل الكردية لإشعال فتيل الحرب بين مكونات المجتمع التركي وخاصة في ظل هشاشة البيئة السياسية الداخلية وتخبطها وعدم وجود شخصية قيادية تركية تحظى بإجماع الشارع التركي ، الأمر الذي يدخل تركيا برمتها في نفق مجهول النهاية ينعكس بالضرورة على واقع الصراع برمته ، ويتجاوز حدوده السابقة التي كانت تنحصر في الساحة السورية لتتوسع رقعتها وتشمل تركيا أيضاً وبالتالي تنتفي فرص التفاهمات السياسية ويفلت الصراع من عقاله بشكل خطير لا تضبط معه أي حدود لهذا الصراع الذي سيلتهم فيه القتال الأخضر واليابس وكل ما تبقى من تفاهمات سياسية.
نعم أنه كابوس ليلة صيف ، حيث في هذه المرحلة يستخدم الاحتياطي الاستراتيجي لكل أطراف الصراع ويدخل بالتالي مرحلة جديدة غير مسبوقة من حيث الخطورة ، والمشكلة حقاً أن السوريين الأكراد لا يدركون خطورة ما تقوم به ميليشيا الأساييش من دور لا يخدم على الإطلاق الكرد في سورية ، حيث أن عزلهم عن محيطهم الوطني ونزع هويتهم الوطنية يحولهم إلى فئة منزوعة الجذور فهم اليوم لا يملكون عمقاً وطنياً يرتكزون إليه ولا يتم التعامل معهم سوى من خلال دغدغة مشاعرهم القومية دون أن يتحقق لهم أي شيء سوى استخدام أبنائهم لتنفيذ أجندات الغرب ، فالفدرالية كما يتحدثون عنها لا تتم سوى باستفتاء شعبي جامع ولا تتحقق دون اعتراف أممي بها ، وفي اتون الصراع القائم لا أعتقد أن الطريق مفروش بالورود أمام مشروع الفدرالية ، فضلاً عن أن أي دولة يمكن أن تولد اليوم انفصالاً عن الدولة الأم ستكون حياتها مستحيلة دون حبل المشيمة معها، ومع قطع هذا الحبل سيكون الموت المحتم هو النتيجة ، ولن تنفع كل محاولات الإنعاش الغربية لدولة لا تستطيع أن تتنفس سوى من رئة الجغرافية الأوسع التي تضمها ..
كما أن المزاج الكردي العام اليوم في سورية لا يصب في اتجاه واحد، فالمواقف متباينة ، والمجموع الكردي العام لا يدعم فكرة الانفصال لاعتبارات عديدة لأن ذلك سيكون على حساب الكثير من القناعات والقيم الوطنية ،والمنافع المكتسبة لديهم اليوم إضافة إلى أن جوهر القضية اليوم يكمن في امتلاك المشروع الوطني لا المشروع الإثني ، لأن المشروع الإثني محكوم بعوامل ضعيفة ترتبط بالإثنية فقط ومن يدعمها من الخارج دون وجود مكونات أخرى تتحد معها في سياق الهوية الوطنية الكلية والتي تشكل مظلة تحمي القوميات والإثنيات كافة وتضمن بقائها في محيطها الحيوي بهوية تعريف عابرة للحدود لا تكون حبيسة معايير ضيقة تحددها وتلعب بها الدول ذات المشاريع الإقليمية والدولية العابرة للقارات ، وفي هذه الحال ستكون أي قومية فرعية أو إثنية مهما كان مشروعها جزءاً لا يكاد أن يرى من قبل الكبار الذين يخططون لابتلاع الجغرافيا بمن فيها ، فكيف الحال بالنسبة لإثنية هنا وقومية هناك ..
إن مواجهة هذا المشروع الأمريكي مسؤولية الجميع وفي الأولوية السوريون الكرد الذين كانوا عبر التاريخ مكوناً أساسياً في هذه المنطقة بهويتهم الوطنية وليس بإثنيتهم المنتشرة في كل أصقاع العالم ، وبمقدار قدرتهم على الاندماج في الهوية الوطنية للجغرافيا التي يعيشون بها كانوا أقدر على الاستمرار والتعبير عن أنفسهم وحماية وجودهم من الاندثار أو جعل أنفسهم عرضة الاستغلال بعناوين انفصالية أو غيرها ، فالوجود اليوم للأقوى والاستمرار لمن يجيد التكتل مع من يشابهه ويتقارب معه وللأسف الشديد لا يزال البعض لا يدرك هذه الحقيقة أو يجاهر في عمالته للغرب لتقويض أحلامنا الوطنية والقومية التي لطالما ناضلنا لأجلها ..
لم نقدم كل ما قدمناه كي نضعف ونتضاءل في مساحات هذه العالم ولا كي تتقلص حدودنا ويتقلص معها أثرنا وفعلنا الحيوي ، وكثرة التداول في ما يسمى مشروع الفدرالية لا يعطيه شرعية الوجود، فهو مشروع ساقط حتى بالنسبة لمن يتداوله لأنه خارج سياق الزمان والمكان سواء كان بعنوان كردي أو أي عنوان آخر فالقضية هي في الحفاظ على مشروع الدولة الوطنية بحدودها كاملة وبمشروعها الجامع ودون ذلك سنندثر جميعاً ونصبح مجرد هشيم تذروه الرياح .
ساحة النقاش