<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = فهمي هويدي
في وداع زمن البذخ
التاريخ: 05 يناير, 2016
نقرأ هذه الأيام لغة جديدة في عناوين الصحف السعودية. فعبارات مثل ترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل والإصلاح الاقتصادي والهيكلي قد تبدو غريبة وربما ملتبسة لدى القارئ العادي الذي تشكل إدراكه في ظلال زمن الوفرة الذي غاب عند الحذر في الإنفاق. إلا أن ذلك اليقين بدأ يهتز منذ بداية العام الحالي. حين تراجعت أسعار النفط بشكل ملحوظ. وكان الظن أن الأمور ستنصلح في النصف الثاني من العام. إلا أن التوقعات خيبت الظنون، بحيث استمر تراجع الأسعار مما أشاع جوا من القلق والخوف. إذ في حين كان سعر برميل النفط في شهر يناير الماضي يتراوح ما بين 73 و75 دولارا. فإنه في أوائل شهر ديسمبر وصل إلى ما يتراوح بين 33 و36 دولارا. بما يعنى أن سعر البرميل الواحد تراجع بما يعادل 40 دولارا خلال السنة. وهو ما دفع البعض إلى وصفها بأنه «عام أسود»، وكان طبيعيا أن يستصحب ذلك تراجعا في التفاؤل وتشاؤما مما يمكن أن يأتي به العام الجديد.
بسبب الانخفاض الذي خيب آمال المنتجين فإن الدول النفطية، خسرت خلال العام ما يعادل 500 مليار دولار، طبقا لتقدير صندوق النقد الدولي الذي أعلن في 27 دجنبر. إلا أن صحيفة «الحياة اللندنية نشرت في اليوم ذاته تقريرا ذكر أنه إزاء تراجع أسعار النفط إلى معدل لم تبلغه منذ 11 عاما، فإن الدول والشركات المنتجة التي تعتمد في دخلها على ضخ نحو 35 بليون برميل سنويا في الأسواق تحملت خسائر في «العام الأسود» قاربت 1.4 تريليون دولار. وبإضافة خسائر المستثمرين في أسهم شركات الطاقة التي قاربت 700 بليون دولار، فإن ذلك يعنى أن خسائر المنتجين والمستثمرين تصبح تريليوني دولار على مدى العام. وهو رقم مهول لابد أن يكون له آثاره السلبية على حركة الاقتصاد العالمي.
لأن مصائب قوم عند قوم فوائد فإن أكبر المستفيدين من التدهور الحاصل في أسعار النفط هي الدول التي تعتمد على الطاقة المستوردة (على رأسها الصين والهند) إضافة إلى دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. إلا أن الأضرار ستكون من نصيب الدول المنتجة والدول المعتمدة على مساعدات الدول الأخيرة. الأمر الذي لابد أن يكون له صداه على مشروعات التنمية وتدفقات العمالة والتحويلات النقدية التي تقدر بنحو 21 مليار دولار من دول الخليج وحدها.
هذه الخلفية تكمن وراء لغة الترشيد التي ظهرت في الخطاب الجديد وأبرزتها الصحف السعودية، وكانت لها أصداؤها في وسائل الإعلام الخليجية الأخرى. أغلب الدول المنتجة لم تدخل مرحلة الأزمة، لأن لديها احتياطات وفيرة تغطى احتياجاتها في الأجل المنظور (احتياطي السعودية يتجاوز 700 مليار دولار والإمارات 87 مليارا وقطر 46.5 مليار والجزائر 175 مليارا)، ولذلك فإن تأثير انخفاض أسعار النفط على اقتصادها ومشروعات التنمية فيها سيظل محدودا ومحتملا، إلا أن أيديها لن تظل مبسوطة كما كانت وطموحاتها ستعود إلى التحرك على الأرض، بدلا من التحليق في الفضاء. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يكون الأثر الأكبر المترتب على انخفاض الأسعار من نصيب الإنفاق الخارجي المتمثل في المساعدات التي تقدمها الدول النفطية للدول الأخرى.
ميزانية المملكة العربية السعودية التي أعلنت يوم الاثنين الماضي عكست الوضع الجديد. إذ أعلن أن ثمة عجزا في الموازنة بلغ 98 مليار دولار (في وقت سابق نشر أن المملكة سحبت 80 مليار دولار من الاحتياطي). وذكر أن الملك سلمان بن عبدالعزيز وجه مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية لوضع برنامج للإصلاحات الاقتصادية والمالية الشاملة لترشيد التعامل مع الموقف المستجد. في الوقت ذاته أصدر مجلس الوزراء قرارا بتعديل أسعار الطاقة والمياه والصرف الصحي بما يتوافق مع الأسعار العالمية كما قرر وضع خطة متكاملة لترشيد استهلاك منتجات الطاقة والمياه. ومثل هذه الإجراءات لا تنفرد بها المملكة لكنها تمثل توجها عاما في بقية دول الخليج النفطية التي تأثرت مداخيلها بانخفاض أسعار النفط إلى النصف تقريبا.
إذا كان لذلك التراجع من فضيلة فإنه يعد جرس إنذار ينبه إلى محاذير الاعتماد في الدخل العام على مصدر واحد قابل للنضوب وخارج عن السيطرة. وهو ذات المحظور الذي تقع فيه كل دولة تعول على مصدر خارجي للدخل مثل القروض والمعونات أو حتى السياحة الأجنبية. ذلك أن تلك كلها مصادر مؤقتة ينبغي لها ألا تحجب العنصر الأهم المتمثل في إعطاء الأولوية للإنتاج المحلى الذى تقدمه سواعد أبناء الوطن. على أن يكون كل ما عدا ذلك عنصرا مساعدا ومكملا، يشجع ويرحب به في تلك الحدود.
إذا سمع جرس الإنذار جيدا. وحقق مراده في الإيقاظ والتنبيه والترشيد فإن ما نراه أزمة يمكن أن يصبح فرصة. وتظل العبرة معقودة على تسلم الرسالة واستيعاب فحواها، بحيث لا يظل خطاب الترشيد مقصورا على عناوين الصحف، وإنما يترجم إلى واقع يرجى أن يقدم فيه أولو الأمر النموذج ويضربون المثل الذي يحتذى. قولوا إن شاء الله.
ساحة النقاش