<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
ماذا ينتظر الوطن العربي بعد الاتفاق النووي؟
27 تشرين الثاني ,2015 04:07 صباحا
عربي برس _ متابعات وصحف: السفير - شربل نحاس
لن أركز على الاعتبارات التي حكمت المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة والدول الأخرى وعلى نيات كل من محمد جواد ظريف وصديقه جون كيري والأصدقاء الآخرين الكثر، المباح به والمكتوم، المتلاقي والمتفارق. بل سأتناول المسألة من بضعة هوامش:
أولاً ـ هامش اقتصادي: الخيارات التي يفتح عليها الاتفاق بالنسبة للإيرانيين أنفسهم أولاً، وعلاقة العقوبات بأسعار النفط.
ثانياً ـ هامش زمني: تغير العالم بين 1979 و2015 من احتدام الحرب الباردة وانتهاء الهيمنة القطبية المباشرة، ودلالات «5+1».
ثالثاً ـ هامش ذاتي: يدور حول قواعد تعامل العرب عموماً واللبنانيين خصوصاً مع اتفاق كهذا بوصفه حدثاً.
وهذا كله، أخيراً، سعياً للتوصل إلى ما يكشف الاتفاق عنه من منظومة مفاهيم إدارة الدول لمصالحها، وموقعنا منها، ومن هذا المنظار، الإطلال ولو بخجل على موقفنا، من إيران ومصالحنا معها.
في المسائل الاقتصادية:
إذا رسمنا التطور التاريخي لأسعار النفط من ناحية، وللأحداث الكبرى التي طالت إيران، يتبين بسرعة أن هناك أمراً لافتاً، وهو أن أسعار النفط قد عادت اليوم بالقيمة الفعلية إلى المستوى الذي استقرت عليه طوال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى 1973، علماً أنها خلال الفترة بين 1973 و2015 عرفت مرحلتي ارتفاع شديدين، الأولى امتدت من 1973 حتى 1983. والثانية من 2003 وانتهت 2014.
خلال هذه المرحلة حصلت الثورة في إيران، ووقعت الحرب العراقية الايرانية، وخلال الارتفاع الثاني أتت الحرب الاميركية في المنطقة، بدءاً من اجتياح العراق مروراً بحقبات عديدة وصولاً إلى اليوم.
العقوبات تدرجت، من عقوبات مباشرة من العام 1979 من قبل الولايات المتحدة، قبل تشديدها نوعياً في العام 1995، ثم عقوبات وضعتها الأمم المتحدة بين 2005 و2006، وأخيراً عقوبات إضافية فرضها الاتحاد الأوروبي في العام 2012.
ما كانت مفاعيل هذه العقوبات؟
لا شك بأن هذه العقوبات بداية كان لها تأثيرٌ على مستويات الإنتاج في إيران، لا سيما في مجالات تتعلق بالصناعات الأساسية وبالنفط وبالغاز. وكان لها تأثيرٌ أيضا على مستوى خدمات أساسية، وعلى سلامة خدمات أخرى، سواء كان في مجال الطيران المدني أو الصحة. وكان لها تأثيرٌ من خلال ارتفاع الأسعار أو من خلال ازدواج أسواق القطع، على تحويل الثروة، على حساب المدخرين، وكان لها أيضاً تأثيرٌ بحيث أسهمت، نظراً لفترتها الاستثنائية، بتوليد هجرة طالت أعداداً كبيرة من الشباب المتعلم الإيراني.
إذاً هذه العقوبات كانت مؤلمة، ولا سيما في فترتها الأخيرة، لكنها ولّدت أيضاً مفاعيل غير متوقعة، بحيث جنّبت الاقتصاد الإيراني المفاعيل التي يولدها عادة تدفق الأموال الناتج من التصدير للموارد الأحفورية، أي النفط والغاز، من ناحية توفير حماية تلقائية لقطاعات مختلفة من الإنتاج. فلم تحصل المظاهر التي نعرفها في بلدان نفطية أخرى، حيث تضمر الأنشطة الإنتاجية لحساب بعض الخدمات غير القابلة للتبادل، من صنف الأنشطة العقارية وما إلى ذلك. وقد تعزز هذا الاتجاه من خلال السياسات التي اعتُمدت، ولو مع اختلاف الظروف والحقبات والرؤساء والحكومات، بحيث تم استخدام الموارد المتاحة، من موارد بشرية، ورأسمالية، لتنمية قطاعات مختلفة، تمكنت إيران خلالها من تحقيق تقدمات ملحوظة. كما نجم عنها تكيّف اجتماعي واقتصادي، ولكل هذا طبعاً تأثيرات في السياسة الداخلية. كان لذلك أيضاً تأثيرٌ على التوازن في البنية الاقتصادية بين القطاعين العام والخاص والقطاع الوسيط، إن قبلتم التسمية، للصندوق الذي يرعى ممتلكات واسعة ويعود للشهداء وحراس الثورة. وهذا النمو لحصة القطاعين الخاص والعام والقطاع الوسيط، كان يتعزز تلقائياً أيضاً، مثل الحماية التي سبق وأشرنا إليها، نتيجة تضييق مجالات التبادل مع الخارج في العديد من مجالات الأنشطة الاقتصادية.
اليوم، متى رُفعت العقوبات وأعيدت الأموال التي تم حجزها بدءاً من 1979، تحصل مباشرة مفاعيلُ أولية:
أولاً ـ عودة هذه الرساميل المجمدة.
ثانياً ـ تحرر إيران من الأكلاف التي كانت تتكبدها على تصدير منتجاتها النفطية بحكم الحصار، حيث لم تكن تستطيع القيام بالتحويلات بشكل طبيعي، وذلك يترجم طبعاً خسائر مستمرة. وهذا سوف يفتح أمام إيران خيارات عدة ليست بسيطة، حيث إنها لا تنتج فقط النفط، بل تنتج الغاز أيضا. والفرق بين النفط والغاز، أن الغاز يكون مردود تصديره أكبر بكثير إن صدر عبر الأنابيب، والعقود التي ترعى تمديد هذه الأنابيب تتضمن حكماً عقوداً على التصريف، لأنها نقاط ثابتة.
وهنا، يكفي النظر فقط إلى الخريطة، لنرى إيران في موقع قريب من مستهلك أساسي هو الهند، وإلى حد ما قريبة ايضاً من الصين. كيفية تطور العلاقات شرقاً مسألة أساسية لإيران. نحن في لبنان ننسى أن إيران قريبة من وسط آسيا.
الخيار الثاني يتمثل بالتصدير نحو الغرب. هنا طبعاً نحن لنا مصلحة بحكم موقعنا أن يتجه خط الأنابيب عرضاً، أي باتجاه الغرب من إيران. لكن هذا الاتجاه إذا كان القصد إيصاله إلى أوروبا، فالطريق الأسهل هو عبر تركيا.
وبالتالي هناك ضرورة لرصد العلاقات بين إيران وتركيا أيضاً. علماً أن تركيا طبعاً تسعى للاستفادة من موقعها في العراق وسوريا لكي تصبح نقطة الالتقاء ليس فقط للخطوط العرضية، بل أيضاً لخط أفقي قد يصل إلى دول الخليج. علينا الأخذ بالاعتبار أيضاً أنه بجوار إيران، على حدودها الشرقية مباشرة، هناك تركمستان، وهي تحوز احتياطياً غازياً كبيراً، علماً أن العلاقات مع روسيا أيضا من الزاوية الإيرانية تستحق النظر بتأنٍ.
السؤال هنا: هل تتعدل الوضعية السياسية في تركمستان فيندمج هذا المخزون الهائل، ويكون مُنسّقاً عبر بحر قزوين، ويصل بعد ذلك إلى روسيا، فتصبح روسيا متحكمة بالمصادر الأساسية للغاز إلى أوروبا، أم أن إيران تستطيع إقامة توازن مع الخط الروسي، ووقتها بأي شروط مع تركيا؟
من المسائل الاقتصادية الأخرى، إيران سوف تواجه بسرعة توازناً جديداً بين الاستهلاك والاستثمار، لأن العقوبات ضيّقت على مستويات الاستهلاك في المجتمع الإيراني، فيما رفعها سوف يولد طلباً مضاعفاً على الاستهلاك.
كيف تتصرف إيران في هذا المجال بين الريف والمدينة، بين العمال والبورجوازية، بين تجار المدن؟
كيف تكون إعادة تكوين الثروة؟ سواء العقارية أم المالية؟ وبالنتيجة كيف يتم استخدام الموارد؟ لأن من مفاعيل رفع العقوبات، سقوط الحماية التلقائية التي كانت قائمة أثناء تطبيقها. وكيف ستتصرف الحكومة الإيرانية لإقامة هذا التوازن المستجد المختلف بين الاستهلاك والاستثمار؟
النقطة الثانية: تغير النظام الدولي. كانت سنة 1979 مفصلية في إيران الثورة، علماً أنها السنة التي دخل فيها الاتحاد السوفياتي إلى أفغانستان، وبدأت فيها مرحلة احتدام الحرب الباردة وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفياتي. تلت ذلك حرب إيران والعراق (1980ـ1988) والحرب في أفغانستان ونشوء الإسلام الجهادي، ثم جاءت فترة وسطية، لنعود في المرحلة الأخيرة بين 2003 و2011، إلى مرحلة حروب أميركا المباشرة في المنطقة. ومنذ 2012 دخلنا في وضعية جديدة، حيث أصبحت الحرب إقليمية، وبدأ يبرز تشكل لنظام دولي جديد، وأُفسح المجال أمام لاعبين ثانويين على المستوى العالمي، للعب دور ضمن مساحة تحرك معينة، ومن بين هذه القوى الإقليمية، إيران وتركيا وإسرائيل، علماً أن أياً من الدول العربية لا يملك قدرات المناورة ضمن الهامش الذي فتح مؤخراً أمام هؤلاء اللاعبين الإقليميين.
لقد شكلت مجموعة «1+5» مؤشراً إلى تعديل جوهري في المرجعية الفعلية لإدارة الشؤون السياسية العالمية، وكان ظهورها في المسألة الإيرانية واضحاً، وهو يستمر أمام أعيننا في سائر المسائل الإقليمية. وبروز ألمانيا ليس مسألة ثانوية، لأن القطبية الأساسية في أوروبا، كما ظهر في مفاصل عديدة، ولا سيما في الأزمة اليونانية، هي ألمانيا.
إن مرحلة الحرب العالمية الثانية وما نتج منها من بنيان لمنظمة الأمم المتحدة، حيث ألمانيا مقسمة ومحتلة، هي حقبة طويت. وهذا ظهر في مسألة إيران. إيران لاعب، وغداً سوف نرى على الساحة السورية أن تركيا لاعب أيضاً. وإسرائيل طبعاً لاعب حاضر، وإن لم يكن جالساً على الطاولة.
كيف تعاملنا نحن مع هذا الأمر من الهامش الذاتي؟
في لبنان، البعض يقول إن خطاب الجمهورية الإسلامية كان في الأساس كذباً ورياءً، وقد أنفضح من خلال التوقيع على الاتفاق مع الأميركيين. وهناك آخرون يرون أن الممانعة قد انتصرت على «الشيطان الأكبر»، «فرضخت» أميركا لإيران «الثورة الإسلامية».
اللافت من خلال هاتين المقاربتين، أننا في هذا البلد نصوغ في كل مرة سردية جاهزة تلغي مضمون الحدث الذي تتفاجأ به، فتسكبه في قالبها الأزلي الثابت والمسبق، فننظر دائماً من الطرف الأضيق، ولا نستطيع الخروج من اعتبارات الثنائية البدائية، فنتعجب كيف أن العالم لا يصطف في فسطاطين، وكيف خصم الخصم لا يكون حليفاً، وكيف أن للدول مصالح وان التناقضات ترتب بين أساسية وثانوية، وان العالم لا ينقسم إلى أشرار وأخيار!
منذ أيام مصدق ومروراً بمرحلة الشاه ومنذ الثورة تحديداً، سعت إيران بثبات لافت على المدى الطويل إلى تخطي قدرها بأن تكون بلداً نفطياً من خلال سياسات عديدة، منها امتلاك التقنيات، وأبرزها التقنيات النووية. أما نحن في لبنان، فقد سعينا جاهدين لكي نكون بلداً نفطياً حتى من دون النفط، من خلال تصدير شبابنا والارتهان للأموال النفطية. وقد تبدلت الأحوال كثيراً خلال هذه الفترة. فبعدما كان عدد من أبناء النخب الإيرانية يتعلمون في بيروت، بتنا اليوم نستعين بخبرات إيرانية لبناء سد أو شق طريق أو تدريب مقاومة.
ما الذي يمكن تلمسه من مصالح دولتين، ومن تلاق أو افتراق في المصالح بين لبنان وإيران؟
على صعيد أسواق السلع، لبنان نظراً لتشوّه اقتصاده لن يستطيع تصدير أي سلع بحصص محسوسة إلى إيران، وهو أساساً لم يستطع تصدير سلع كهذه إلى أي مكان في العالم.
وفي مجال الخدمات، قد تكون هناك إمكانية في قطاعات معينة، وفي هذا المجال لا بد من «لفتة إنسانية» صوب المصارف اللبنانية، التي «تطمح للاسترزاق».
ونعود أخيراً، إلى مسألة النفط والغاز وخطوطها، والمسألة الأساس في المكان الذي تدور فيه الحرب بين سوريا والعراق وتركيا.
هذا المفصل الأساسي الذي يعنينا مباشرة ويعني إيران، وهذا التقاطع اليوم مجبول بالدم.
لا أدعي طبعاً القدرة على الإشارة من باب توقع ما سيحصل.
هناك في إيران من أثبت دراية وثباتاً على صعيد اتخاذ القرارات، وأظن أنه من المعيب أن نأتي من لبنان لنسدي ملاحظات، إنما هذا لا يعفينا من أن ننظر من زاويتنا، بوصفنا دولة، إلى ضرورة تحديد مصالح هذه الدولة، وليس مصالح طائفة من طوائفها.
وعلى هذا الأساس ينبغي التعامل مع إيران ومع المتغيرات الإقليمية: على أساس عقلاني، مثلما أثبت الإيرانيون أنهم، إلى جانب الخطابات، يتصرفون في الوقائع بعقلانية باردة.
ساحة النقاش