<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
لعنة الله على هذه العروبة!
المساء = عبد الله الدامون
سبتمبر 17، 2015، العدد: 2785
عندما برز النقاش في الخليج حول إمكانية ضم المغرب إلى الاتحاد الخليجي أيام كان الربيع العربي «يخلع» الحجر والبشر، تخصصت الكثير من الفضائيات الخليجية والعربية في تقطير الشمع على المغاربة، واستضافت نشرات أخبارها محللات ومحللين ظلوا يغمزون ويلمزون حول المغاربة، إلى درجة أحسسنا معها بجرح كبير في كرامتنا، وكأن انضمام المغرب إلى ذلك الاتحاد سيخرجنا من الظلمات إلى النور، مع أن أقدم إمارة في تلك المنطقة القصية لم تر النور إلا قبل بضعة عقود.
نحمد الله على أن تلك الفكرة الغبية انتهت قبل أن تسخن في رؤوس أصحابها، وبذلك ظل المشرق مشرقا والمغرب مغربا، وبقيت للجغرافيا أحكامها التي تتفوق على أحكام الهوية والعرق والسياسة.
الخليجيون يحبون تصدير عروبتهم، لكنهم لا يحبون استيراد عروبة الآخرين، يحبون لعب دور القمر مكتمل الدوران بينما الآخرون مجرد نجوم باهتة حولهم. يلخصون العروبة في رداء أبيض وعقال فوق الرأس، أكثر من عروبة الدم واللغة والدين.
في الخليج ثروة خرافية يغتني بها عرب المنطقة فحسب، أما العرب القادمون إلى هناك فيحكمهم منطق تراتبية عجيب اسمه منطق «الكفيل»، فيتحول العربي القادم من المغرب أو تونس أو مصر إلى مجرد عبد يضع له عربي آخر قيدا في عنقه ويتحكم فيه كما يتحكم إقطاعي من القرون الوسطى في عبد اشتراه من السوق ببضعة دنانير.
لكن عرب الخليج ليسوا بخلاء جدا، إنهم يغدقون على الأوربيين والأمريكيين ومختلف الأجناس الكثير من المال، ولا يوجد نظام الكفيل بين خليجي وأمريكي أو أوربي، فالعربي لا يمكنه أن يستبعد سوى عربي آخر مثله.
الخليج منطقة عربية مغلقة، لكن يمكن للعرب أن يصلهم فتات ريع النفط شرط أن يبقوا في بلدانهم ويمتثلوا للأوامر، فالنفط لم يظهر تحت جزيرة العرب صدفة، بل لحكمة لا يدركها إلا أبناء الخليج.
ما جرى مع المغرب أيام النقاش حول إمكانية انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي، يجري هذه الأيام بشكل فاقع، بل مؤلم جدا مع السوريين المنكوبين الذين توزعوا بمئات الآلاف على مختلف البلدان والقارات.
السوريون، الذين أنهكتهم ثورة لم تكتمل، وصلوا حتى أقصى بلد في أمريكا الجنوبية، ووصلوا أسكندنافيا وجنوب إفريقيا، لكن لا واحد منهم استطاع أن يصل إلى بلد خليجي، والذين وصلوا هم من الأغنياء فقط أو من الذين يستطيعون شراء عقارات وإعالة أنفسهم.
بين سوريا وبلدان الخليج بضعة كيلومترات، لكن هذه المسافة هي في الواقع بملايين السنوات الضوئية، لأن المطلوب من المواطن السوري هو أن يموت فقط بسلاح بشار أو «داعش»، ثم تهلل «الجزيرة» و«العربية» لإراقة دمه، وبعد ذلك يسمونه شهيدا. بإمكان السوري الميت أن يذهب مباشرة إلى الجنة، لكن لا يمكن للسوري الحي أن يذهب إلى الخليج.
عندما اندلعت الانتفاضة في سوريا تضامن معها الجميع لأنه من حق السوريين أن ينتفضوا ضد جلاديهم، مثلما أن حق كل الشعوب العربية أن تنتفض ضد جلاديها الكثيرين، لذلك لم نشأ أن نصدق تلك الدعايات المغرضة التي تقول إن أموال الخليج هي التي أشعلت النار في سوريا، وإن مظاهرات الاحتجاج كانت مدفوعة الثمن، وإن كل سوري متظاهر كان يقبض عشرين دولارا، ثم تتكفل كاميرات النفط بالباقي.
بعدها، تقاطر آلاف المقاتلين من كل حدب وصوب على سوريا، ولم نشأ أن نصدق مرة أخرى كل تلك الأقاويل التي تتحدث عن ثروة نفطية هائلة جعلت من سوريا هدفا للخراب.
بعدها، بدأنا نسمع عن «جهاد النكاح»، وعن خلق شبكات لوضع النساء الشاميات الحرات في خدمة مقاتلين لم يُنسهم الجهاد غرائزهم الأولى، فقلنا إنها دعاية خبيثة للبعث وأزلامه.
سمعنا بعد ذلك عن خليجيين أغنياء يستوردون إلى مخادعهم سوريات جميلات ومنكوبات مقابل حفنة من الدولارات، وسمعنا عن هوس جنسي باقتناء أكبر عدد من الشاميات اللواتي كن، إلى زمن قريب، مجرد حلم بعيد المنال لرجال النفط، فعدنا إلى الشيطان نفسه ولعنّاه مرة أخرى.
اليوم، لا ندري هل نملك الوقاحة نفسها ونعود إلى ذلك الشيطان المسكين ونلعنه بعد أن رأينا رأي العين كيف أن بلدان الخليج وضعت علامة «ممنوع» كبيرة جدا وبالأحمر ضد دخول أي لاجئ سوري إلى أراضيها، فالسوري الجيد هو السوري الميت، تماما كما وصفت غولدا مائير الفلسطينيين.
مخيمات اللاجئين السوريين وصلت حتى حدود سبتة ومليلية، والنساء الشاميات اللواتي كن أعز من نجمات السماء صرن يتسولن على أرصفة مختلف المدن المغربية، وأطفالهم يجمعون الأزبال وينامون في الحدائق العمومية وعلى أبواب العمارات. لقد قطعوا آلاف الكيلومترات حتى وصلوا أقصى المغرب، بينما لم يستطيعوا أن يضعوا أرجلهم في بيت أقرب العرب إليهم، عرب الخليج.
العروبة التي نعيشها حاليا هي عروبة الموت، أي أن العربي الغني لا مشكلة لديه في أن يدفع للعربي الفقير، لكن بشرط أن يموت، وإذا لم يمت عليه أن يجمع أغراضه ويرحل عنه بعيدا.
نرى اللاجئين السوريين وكأن السماء قطرت بهم ورمتهم في أصقاع الأرض.. رأينا الطفل الغريق والمرأة الجائعة والمراهقة المغتصبة والأب المكلوم والشيخ المنكوب، رأيناهم في كل بقاع العالم يدخلون بلدا ويخرجون من آخر بحثا عن مستقر كقوم نوح يبحثون عن يابسة ما بعد الطوفان، لكننا لم نر ولو واحدا منهم في أي بلد خليجي.
لعنة الله على هذه العروبة المشؤومة التي لا تجير منكوبا ولا تعالج مريضا ولا تنقذ طفلا من جوع ولا تؤوي أرملة من مذلة ولا ترحم شيخا من غدر الزمان.
ساحة النقاش