<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
تركيا: مغامرات الداخل ومقامرات الخارج
05 أيلول ,2015 07:11 صباحا
عربي بريس _ صحف =السفير - محمد نور الدين
باتت شائعة تلك المقولة التي تقول إن الإسلاميين يأتون إلى السلطة بالانتخابات، لكنهم لا يغادرونها بالانتخابات، فانتخابات السابع من حزيران الماضي في تركيا نموذج على ذلك.
منذ العام 2002، ظل «حزب العدالة والتنمية» يفوز بالانتخابات الواحدة تلو الأخرى. ومع أن الجيش التركي كان محافظاً على قوته، إلا أنه لم يحاول أن ينقلب على النتائج. ومع ذلك فقد دبّر له «حزب العدالة والتنمية» مكائد قضائية بالتعاون مع قوى أخرى انتهت إلى سجن كبار قادته قبل أن يعود القضاء إلى إطلاق سراحهم، بعدما أدى سجنهم مراده في تطهير المؤسسة العسكرية من كبار جنرالاته، وتسليم القيادة إلى من هم أكثر إخلاصاً للحزب الحاكم.
ساعد على ذلك استفتاء 12 أيلول العام 2010 الذي قلّم أظافر المؤسسة العسكرية من أن يكون لها دور حاسم في الحياة السياسية.
وفي ظل استمرار «حزب العدالة والتنمية» في السلطة، كان رئيسه رجب طيب أردوغان يرفض ما كان يطرح من دعوات لإجراء انتخابات مبكرة، ولو قبل سنة من نهاية ولاية البرلمان. كان يكرر أن على الشعب ان يتعود على إجراء الانتخابات في موعدها أي مرة كل أربع سنوات.
في انتخابات السابع من حزيران، انقلبت الصورة. لم تكن بعد نتائج الانتخابات قد اكتملت، لكنها كانت وفق الأرقام التي بين يدي ماكينة «حزب العدالة والتنمية» الانتخابية تشير إلى فشل الحزب الحاكم الاحتفاظ بالسلطة بمفرده، حتى كاد أردوغان يحسم قراره بعدم القبول بالنتائج وأخذ البلاد إلى انتخابات مبكرة. لم يجلس بعد النائب الجديد على كرسيه، بل لم يكن قد أقسم اليمين، حتى كانت ثابتة التعود على انتخابات في موعدها مرة كل أربع سنوات ترمى في المزبلة.
القرار واضح: لا تخلي عن السلطة إلى ان يقضي الله أمراً مفعولاً.
وهذا «الأمر المفعول» جاء في بيان لأكثر من 180 مثقفاً من كبار الكتّاب والنخب الأتراك ومن كل الاتجاهات. مناسبة البيان كانت «عادة» طبعت سلوك سلطة «الإسلام المعتدل» في تركيا في السنوات الأخيرة وهي قمع الحريات الصحافية.
آخر هذه الممارسات جاءت يوم افتتاح السنة القضائية في الأول من أيلول الحالي، وتمثلت في مداهمة عدد كبير من المقرات الصحافية المكتوبة والمسموعة والمرئية التابعة لمجوعة «قوزا إيبك» الإعلامية، مثل صحيفة «بوكين» وقناة «كانال تورك»، والتي أسفرت عن اعتقال العديد من الصحافيين والعاملين بتهمة دعم الإرهاب مالياً، والانتظام في منظمات إرهابية. هذه التهمة كانت جاهزة وتم في ظلها اعتقال عدد كبير من الصحافيين والإداريين المتهمين بدعم الداعية الديني فتح الله غولين.
وجاء في بيان المثقفين الأتراك أن النظام في تركيا، أي نظام أردوغان، «يلعب لعبته الأخيرة من أجل استمرار (حكم الرجل الواحد) في الانتخابات النيابية المقبلة».
غير أن ما أثار غضب «حزب العدالة والتنمية» هو إشارة البيان إلى حكم ادولف هتلر في ألمانيا وتشبيهه الضمني لأردوغان بالزعيم النازي.
ينقل البيان عن المختص باللاهوت الألماني مارتن نيمولر، وكان من ناخبي الحزب النازي، أنه روى في العام 1946 قائلاً: «لقد جاء النازيون أولاً من أجل ضرب الشيوعيين، فلم أقل شيئاً لأنني لم أكن شيوعياً. ومن بعدها قالوا أنهم جاؤوا ضد اليهود، فلم أقل شيئاً لأنني لم أكن يهودياً. ومن ثم من أجل ضرب النقابات فلم أقل شيئاً لأنني لم أكن نقابياً. ومن ثم قالوا أنهم جاؤوا ضد الكاثوليك فلم أقل شيئاً لأنني لم أكن كاثوليكياً. ومن بعد ذلك جاؤوا إلي قائلين أنهم جاؤوا لتصفيتي. لكن لم يكن قد بقي أحد ليقول شيئاً".
وبعد أن يورد بيان المثقفين هذه الرواية يقول «نحن لم نر هذا الفيلم ولم نعشه، لكننا نعرفه جيداً للغاية، ولن نجعله يتكرر في تركيا».
وعلى طريقة مكيافيللي، فإن الغاية تبرر الوسيلة. وبالأمس خرج أردوغان وهو ينتقد الأوروبيين الذين يتعاملون بطريقة غير إنسانية مع موجات المهاجرين الذين يموتون في البحار وعلى الشواطئ. ولعل من حسن حظ نشيطي الذاكرة أن الطفل عيلان الكردي لفظته الأمواج إلى الشاطئ ليس في صقلية أو اليونان بل عند شاطئ بودروم التركي. لم يمت هذا الملاك البريء في أرض مجرية أو صربية بل في أرض تركية وساحل تركي. لم يتساءل أحد عن مسؤولية دول الجوار السوري، وخصوصاً تركيا عن المأساة السورية وإطالة الحرب واستدراج فتح ملف اللاجئين حين لم يكن هناك حتى لاجئ واحد، من أجل الضغط ليس فقط لإسقاط النظام بل للهيمنة على كل المنطقة بدءاً من دمشق وصولاً إلى عاصمة الفراعنة. فقط إغلاق حنفية دعم الإرهاب وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة يمكن أن يغلقا ملف الحرب في سوريا.
في الطريق إلى الانتخابات المبكرة يتصاعد قمع الحريات. ارطغرل اوزكوك الكاتب المعروف ورئيس التحرير السابق لصحيفة «حرييت» فُتح تحقيق بحقه بعدما كتب مقالة أمس الأول حول الطفل عيلان الكردي ليتهم فيها الجميع بالمسؤولية عن مأساته ومأساة كل المهاجرين. ولأنه انتقد سياسات تركيا تجاه سوريا فقد اعتبر القضاء أنه يقصد في مقالته رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. ولم تتأخر صحيفة «يني شفق» الموالية لأردوغان عن تحريف كلام اوزكوك بالقول إنه وصف أردوغان بـ «القاتل»، بالرغم من أن اوزكوك لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الرئيس التركي، ما اضطره إلى نشر مقالة أخرى توضيحية في اليوم ذاته على موقع «حرييت» لينأى بنفسه عن التهمة وليأخذ لنفسه إجازة الصيف المؤجلة.
الأستاذة الجامعية المعروفة دينيز آري بوغان، التي كانت تقدم برنامجاً أسبوعيا على القناة التركية الرسمية، كان مصيرها مثل كل من انتقد سياسات أردوغان تجاه الصحافة، فبمجرد أن انتقدت التوقفات بحق الصحافيين في مجموعة «قوزا إيبيك» قائلة إن هذا لا ينسجم مع الديمقراطية، حتى كان مصيرها الطرد من التلفزيون، بالرغم من أنها كانت تبرر أحياناً كثيرة سياسات «حزب العدالة والتنمية»، وكانت ضمن هيئة الحكماء التي شكلها أردوغان سابقاً لمناقشة حل المشكلة الكردية.
لقد شكلت نتائج انتخابات السابع من حزيران الماضي صدمة لأردوغان وحزبه، وهو يقوم اليوم بكل ما من شأنه لكسب الانتخابات المقبلة من ضغوط داخلية. من ذلك نشير إلى المحاولات الجارية لإغراء «حزب السعادة» (حزب نجم الدين أربكان بعدما تمرد عليه أردوغان وعبد الله غول) ورشوته ببعض النواب لكي يدخل في تحالف انتخابي مع «حزب العدالة والتنمية»، خصوصاً أن «حزب السعادة» قد نال اثنين في المائة في الانتخابات الماضية، وهي نسبة مهمة جداً لـ «حزب العدالة والتنمية» في حال أتم تحالفاً مع «حزب السعادة».
تلك محاولات قد تنجح وقد تفشل، ولكنها في حال نجحت، ونجح «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة، ستدخل «حزب السعادة» التاريخ، لأنه سيسجل عليه أنه الفصيل السياسي الذي عوّم «حزب العدالة والتنمية» ومدّ له طوق النجاة، مع العلم بأن أربكان ناضل دائماً ضد سياسات أردوغان الأميركية والإسرائيلية. حروب دموية وضغوط سياسية وقضائية في الداخل وحروب مفتوحة في الخارج.
عين أردوغان كانت ولا تزال على سوريا وشمالها وتحديداً على شمال حلب وصولاً إلى حلب. هو يريد أن يحقق إنجازاً قبل الانتخابات المقبلة لكي يكسب الصوت القومي ويضعف حزب «الحركة القومية»، وهذا ملعب أردوغان الوحيد لجذب بعض الأصوات.
«العين القومية» لأردوغان في الداخل تنظر إلى شمال سوريا، وبالتحديد إلى المنطقة الواقعة بين طرابلس وأعزاز، أي إلى المائة كيلومتر التي يتواجد في جزء منها تنظيم «داعش» الآن. الهدف هو تنظيف المنطقة من «داعش» لكي يتمركز فيها عشرة آلاف مسلح تركماني ضمن «الجيش السوري الحر»، تبعاً لصحيفة «ميللييت»، لكي تكون منطقة تابعة لتركيا بالكامل، وتمنع تمدد الأكراد من عين العرب/كوباني إلى عفرين، وتشكل قاعدة ضغط عسكرية جديدة على قوات النظام السوري في حلب.
المساعي الحثيثة لإقامة هذه المنطقة العازلة والآمنة على قدم وساق وقد كانت إحدى أهم نقاط البحث في جلسة مجلس الأمن القومي التركي الذي انعقد يوم الأربعاء الماضي. وأشارت صحيفة «ميللييت» إلى أن الطائرات القطرية قد تشارك في العمليات التي ستستهدف إقامة هذه المنطقة العازلة، وستُقام منطقة حظر طيران تمنع سلاح الجو السوري من التحليق هناك وقصف قواعد المعارضة.
ومن أجل توفير غطاء قانوني للعمليات التركية في تلك المنطقة المتوقعة من الآن إلى الانتخابات المقبلة، قدمت الحكومة مذكرة إلى البرلمان وافق عليها أول من أمس الخميس للقيام بعمليات ضد حزب العمال الكردستاني وضد تنظيم «داعش» في كل من سوريا والعراق.
والمفارقة أن «حزب الشعب الجمهوري» قد صوّت لصالح المذكرة بذريعة أنها تستهدف هذه المرة «داعش» أيضاً، الذي لم يرد ذكره، كهدف، في مذكرة السنة الماضية. وحده «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي صوت ضد المذكرة، في حين لم يقتنع بعض نواب «حزب الشعب الجمهوري» (أكثر من عشرين عضواً)، بتبريرات قيادة حزبهم، ولم يحضروا الجلسة في الأساس.
ومع أن المذكرة تتهم النظام السوري بممارسة سياسات عنف وتطهير عرقي وديني ودعم التنظيمات الإرهابية، فإن «حزب الشعب الجمهوري» لا يريد أن يظهر بموقف المعارض للحرب ضد «الإرهاب» الكردي أو «داعش» في وقت تتواصل فيه المعارك بين الجيش التركي و «حزب العمال الكردستاني»، فيخسر أصوانا قومية عشية الانتخابات المقبلة.
مع ذلك فإن موقف «حزب الشعب الجمهوري» يعتبر «خطأ تكتيكياً» على الأقل، ويوفّر غطاء قانونياً لحروب أردوغان الخارجية، برغم مناشدة «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي لزعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار أوغلو عدم الوقوع في الخطأ.
وانطلاقاً من المعطيات والمؤشرات الظاهرة، فإن حرب تركيا المباشرة جواً على شمال حلب، وبراً عبر عملائها، لن تتأخر من أجل حصد بعض المكاسب في الانتخابات المقبلة من جهة، والتمهيد لاحتلال تلك المنطقة من جهة أخرى، كورقة مساومة... أو ربما أبعد من ذلك، عشية أية حلول محتملة.
ساحة النقاش