<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
وفاة العرب!
المساء = جمال بدومة
يوليو 16، 2015، العدد: 2735
بعد أربع سنوات على الزلزال الذي سمي بـ«الربيع العربي»، يعيش الشرق الأوسط والمغرب الكبير هزة ارتدادية مرعبة، خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمنكوبين والمشردين، وشطبت دولا ومسحت حدودا وبعثرت خرائط، ولعل أبشع ما في هذه التراجيديا المعاصرة أنها مازالت في بداياتها، وكل المؤشرات تدل على أن المستقبل أكثر قتامة مما تصورناه، إذ يبدو- والله أعلم- أن ما كان يعرف إلى وقت قريب بـ«العالم العربي» يتجه بخطوات حثيثة نحو الانقراض: السودان لم يعد موجودا والعراق لم يعد موجودا وسوريا لم تعد موجودة وليبيا لم تعد موجودة واليمن لم يكن موجودا أصلا، ومصر تستعد للدخول في حرب أهلية طويلة الأمد، وتونس دمرها الإرهاب ويمكن في أي لحظة أن تذهب ديمقراطيتها الهشة أدراج الرياح، والجزائر تتهيأ للأسوأ، الذي سيبدأ بلا شك بعد أن يرحل رئيسها المقعد، و«الباروك» أتانا من غرداية التي استيقظنا ذات صباح ووجدناها تعيش على إيقاع حرب طائفية ومذهبية وعرقية، وسيصل الدور على دول الخليج كي تؤدي فاتورة اللعب بالنار، والانفجارات التي حدثت في السعودية والكويت من توقيع «تنظيم الدولة الإسلامية» ليست إلا أول الغيث…
مخطئ من يظن أن المغرب بعيد عن هذه الهزة الارتدادية المدمرة. لحسن الحظ أن لدينا جهازا أمنيا لا ينام. كل أسبوع يفكك «المكتب المركزي للأبحاث القضائية» خلية إرهابية جديدة، قبل أن تنفذ مخططاتها، لكن الواحد لا يعرف هل يطمئن لليقظة التي تتحلى بها أجهزة الأمن أم يقلق من كثرة الخلايا الإرهابية التي تتكاثر كما تتكاثر البكتيريا في الجرح المتعفن؟ «شحال قدك من استغفر الله آلبايت بلا عشا». لا بد من اجتثاث الورم من جذوره. الأحياء الفقيرة تحولت إلى مشتل للفكر المتطرف، وكثير من أبنائها باتوا يفضلون «الحريك» إلى «الدولة الإسلامية»، بدل الدول الأوربية التي لم تعد تجذب الحالمين بالفردوس الأرضي والسماوي. هاته الأحياء المكتظة بالسكان تشكل قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة. المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، لا بد من ضمان الحريات والكرامة الإنسانية وتحقيق العدل والمساواة بين المواطنين، كي يشعر المغربي أن البلاد بلاده،وأنه معني بالدفاع عنها في وجه أي خطر إرهابي، وكي يفهم أن الفنان الراحل عبد الصادق شقارة يخاطبه شخصيا عندما يغني: «رد بالك هادي بلادك راك محسود عليها…»
العالم يعيش منعطفا حاسما مثل الذي عاشه في نهاية القرن التاسع عشر إبان الحركة الاستعمارية، التي وصلت إلى كل البلدان بلا استثناء، ومخطئ من يظن نفسه بمنأى عن تهديد هذا المسخ الذي يسمى «الدولة الإسلامية».
«دولة» البغدادي حليف موضوعي لأمريكا وإسرائيل. مقاتلون لا يشق لهم غبار يتفننون في قتل الأبرياء على امتداد الخارطة العربية والإسلامية بأبشع الطرق، دون أن يطلقوا رصاصة واحدة في اتجاه الدولة العبرية. يقتلون في القاهرة وتونس وبغداد ودمشق والكويت والقطيف وعمان وصنعاء ومقديشو وانجامينا … ويعجزون عن الوصول إلى القدس!
صحيح أننا لم نتحقق من صدقية الصور التي نشرت للسيناتور الأمريكي جون ماكاين وهو يشرف على إخراج أشرطة التنظيم الدموية، لكن المؤشرات كلها تدل على أن وجود «داعش» يصب في مصلحة واشنطن وتل أبيب. لقد أمضى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ولايتيه الرئاسيتين وهو يصرخ ويتوعد ويهدد بشن «حرب صليبية» ضد «محور الشر»، من أجل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، لكنه في النهاية لم يرسم شيئا آخر غير الكراهية في قلوب الملايين، حيث ارتفعت نزعة العداء للولايات المتحدة الأمريكية، وتلقى حذاء عراقيا في وجهه، قبل أن يغادر «البيت الأبيض» محفوفاً باللعنات، متعثرا على جثث آلاف الجنود الذين زج بهم في حربه الفاشلة ضد الإرهاب. الكلب الذي ينبح لا يعض. أوباما تغزل بالعالم العربي ووجه له رسالة حب طويلة من القاهرة، وبارك له الأعياد ورمضان وشعبان وشوال وذو القعدة وذو الحجة… لكنه استطاع أن يقتل ابن لادن والعولقي وعشرات القياديين في تنظيم القاعدة، وتمكن من وضع خريطة الشرق الأوسط الجديد، التي فشل في رسمها جورج بوش.
مقابل التفكك التراجيدي للعالم العربي، عادت إيران إلى الساحة الدولية أقوى من أي وقت مضى. أحفاد كسرى أجبروا القوى العظمى على التفاوض، بعد أن فهموا أن الخيار العسكري لن ينفعهم، واضطروا إلى توقيع اتفاق تاريخي يكرس الإمبراطورية الفارسية في صيغتها المعاصرة كأقوى لاعب في الشرق الأوسط. من يتذكر حصار السفارة الأمريكية في جمهورية الخميني؟ من يذكر حرب المدن بين طهران وبغداد وخطب أحمدي نجاد على منصة الأمم المتحدة؟ التاريخ لا يرحم: بعد نحو أربعة عقود من المواجهة المفتوحة بين إيران والغرب، خاضت فيها بغداد حربا بالوكالة ضد الجمهورية الإسلامية، مات العراق وعاشت إيران. انقرض العرب وانبعث الفرس!
ساحة النقاش