<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
حتى أنت أيها الفأر.. ! !
المساء = عبد الله الدامون
يوليو 16، 2015، العدد: 2735
المغاربة طيبون جدا جدا ونسّاؤون جدا جدا، وذاكرتهم أضعف من ذاكرة عصفور، بل هي أقصر من تنورة «فتاتيْ» إنزكان.
هل من المغاربة من يتذكر اليوم فضيحة جينيفر لوبيز والأموال الكثيرة التي منحت لها من أجل أن ترقص لنا عارية مباشرة على شاشات قنوات تلفزيونية عمومية نموّلها من جيوبنا؟
هل يتذكر أحد الاحتجاجات ضد مهرجان«موازين» والكلام الكثير الذي يدور حوله كلما اقترب موعده؟ أكيد أن الناس سيتذكرونه فقط عندما يقترب موعد الدورة المقبلة وسيتظاهرون بالمفاجأة مرة أخرى ثم ينسون سريعا.
لماذا نسينا بسرعة مذهلة ذلك المغني الذي استدعته إدارة «موازين» فصعد على الخشبة ورفع شعارا يشتم الدستور؟ لماذا تتم فقط محاكمة الصحافيين بتهم فارغة بينما إدارة مهرجان تستدعي مغنين يشتمون الدستور؟
من يتذكر اليوم تسريب امتحانات البكالوريا التي قلبت المغرب رأسا على عقب وجعلت الناس يتيقنون أن الشياطين في هذه البلاد أكثر بكثير من الملائكة؟
من منا يتذكر احتراق أربعين طفلا في حافلة طانطان، في حادث اعتقدنا أننا لن ننساه أبدا، لكننا نسيناه كما نسينا غيره؟
هل يتذكر أحد منا الحادث المفجع الذي مر قبل أسابيع فقط حين غرق أحد عشر طفلا في شاطئ الصخيرات؟ هل كان أحد يتوقع أن ننسى بكل هذه السهولة؟
هناك أحداث أخرى كثيرة جدا نسيناها قبل أن يبرد جمرها. نسينا الفضائح السياسية والاختلاسات المالية والمهازل الانتخابية والانتكاسات الديمقراطية والهزائم الدبلوماسية والأكاذيب التاريخية والوعود السفسطائية، وبقيت حياتنا تسير عادية كأن لا شيء يحدث. هذا هو السر الذي يجعل المغاربة يخضعون بنجاح كبير لنظرية تقول «امحُ فضيحة بفضيحة».. فكلما ظهرت فضيحة تم خلق فضيحة أخرى لكي تجبّ ما قبلها، فيصبح المغرب أجمل بلد في العالم، لأن الفضائح لا تعمر فيه طويلا، بل تسكن فيه إلى الأبد.
المشكلة أنه حين لا تكون هناك فضائح، فإنه يتم صنعها من لا شيء، لذلك من الطبيعي أن ينسى الناس، عن بكرة أبيهم، كل الفضائح السابقة وينشغلوا بقضية تنورة، أو تنورتيْ إنزكان، حين سمع الناس بفتاتين خرجتا إلى سوق هذه المدينة الصغيرة في عز رمضان، بتنورتين قصيرتين وانتهت القضية إلى ما انتهت إليه. هل هناك شعب عاقل في العالم ينسى كل قضاياه المصيرية وينشغل بقضية تنورة قصيرة؟
قبل بضعة عقود كان الحجاب شبه منعدم في المغرب، وكانت التنورات هي المتسيدة في كل مكان، وهناك مغربيات جدات لا زلن يحتفظن إلى اليوم بصور شبابهن بتنورات قصيرة من زمن الأبيض والأسود، ولم يكن ذلك اللباس يثير وقتها أي لُبس. لماذا، إذن، يتم تفجير قنبلة صوتية من بين تنورتين تافهتين لإشغال المغاربة بموضوع لا يهمهم في شيء؟ ولماذا تخرج الاحتجاجات والتظاهرات إلى شوارع عدد من المدن المغربية تضامنا مع فتاتين لا أحد رآهما ولا أحد رأى تنورتيهما؟ هل يمكن لمغربي، من طنجة إلى الكويرة أن يصف لنا شكل التنورتين؟ أبدا؟ إنها مجرد فضيحة وهمية هدفها إشغال الناس بالوحل.
حتى أولئك الذين خرجوا للاحتجاج لم يسبق لهم أن رأوا الفتاتين حتى في الصور. لماذا، إذن، لا تخرج فتاتي إنزكان إلى العلن ونراهما في «اليوتوب» ليشرحا لنا ما حدث بالضبط؟ ولماذا اختفيتا وتركتا الآخرين يخلقان منهما أسطورة؟ هل من المستحيل إجراء حوار مع فتاتي إنزكان لنعرف حقيقة ما جرى؟ نحن الذين نجد أنفسنا في قلب قضايا تافهة، أليس من حقنا أن نرى وجهي الفتاتين ونعرف سنهما ومستواهما الدراسي أو طبيعة عملهما، وهل كانتا في السوق لشراء الحليب أو لاستجمام خفيف أو كانتا في طريقهما لساعات إضافية؟
لماذا انشغلنا بالدفاع عمن قيل لنا إنهما فتاتين بتنورتين قصيرتين، ونسينا بالمرة الفتاة البئيسة جدا جدا، التي اغتُصبت وهي معوقة جسديا وذهنيا؟ لماذا لم يخرج المحتجون، هذه المرة، إلى الشارع ليرفعوا أكف الغضب ويتساءلون عن المسؤول الحقيقي عن اغتصاب فتاة معوقة وفقيرة ومهملة؟ أليست الدولة، بكافة مكوناتها، مسؤولة عن حماية هذه الفتاة المسكينة؟
في إنزكان ارتدت فتاتان تنورتين قصيرتين وخرجتا إلى السوق في رمضان من تلقاء نفسيهما لقضاء غرض ما، وهذا من صلب حريتهما الشخصية، لكن الفتاة المعوقة والمغتصبة لا تملك من أمر نفسها شيئا، ومع ذلك لم يتضامن معها أحد، وحالتها لم يتم تحويلها إلى قضية رأي عام لأنها ستفضح الكثير، فمن الأفضل الانشغال بالتنورة القصيرة عوض الانشغال بفتاة معوقة مغتصبة.
هذا ليس كل شيء، لذلك نسينا كل شيء، فجأة، وانشغلنا بقضية الفأر الذي هاجم عشرات الآلاف من المصلين ليلة القدر في مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء وحوّل باحة المسجد إلى ساحة حرب وأرسل أزيد من خمسين شخصا إلى المستشفى، وستصبح قضية الفأر مادة دسمة ومثيرة لإشغال المغاربة لأسابيع أخرى.
حتى أنت أيها الفأر.. ! !
ساحة النقاش