<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
عندما يتحرر الجناة ويسجن الأبرياء
الأخطاء القضائية..
المساء = المهدي السجاري
يوليو 12، 2015، العدد: 2731
«الحكم عنوان الحقيقة».. قاعدة قضائية جعلت مسؤولية الدولة عن الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها المرفق القضائي أمرا مستبعدا استنادا إلى مبدأ حجية الشيء المقضي به، إلى أن جاء دستور 2011 الذي أحدث ثورة أنصفت المتضررين، عبر تنصيص الفصل 122 منه بشكل صريح على أنه يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة.
اليوم بإمكان كل من ثبت، عبر حكم نهائي، أنه كان ضحية خطأ قضائي أن يلجأ إلى مسطرة التقاضي للحصول على تعويض يجبر الضرر، خاصة عندما يتعلق الأمر بأخطاء يقضي بسببها المتهم عقوبات حبسية لمدد مختلفة، قبل أن تظهر الحقيقة وينطق القاضي ببراءته.
شهادة الزور، الخبرة القضائية، الأبحاث التمهيدية من طرف الضابطة القضائية، عمل كتاب ضبط أو وقوع تعسف في استعمال الاعتقال الاحتياطي…عوامل من بين أخرى يمكن أن تفضي إلى أخطاء، يفترض في وقوعها حسن نية القاضي، لكنها تحول الأبرياء إلى مجرمين يقضون مددا مختلفة خلف القضبان، فيما يبقى الجناة أحرارا دون أن تطالهم يد العدالة.
شهادة الزور كانت كافية لتنسج حكاية أحد أكثر الملفات إثارة ومأساة، وهو ملف «المولي والنوري». كل ما في القصة أن مواطنين من مدينة الجديدة، توبعا من أجل جناية القتل العمد، وحكم عليهما بالسجن المؤبد، قبل أن يعترف الجاني الحقيقي الذي اقترف سلسلة من الجرائم البشعة في حق النساء الجديديات بأفعاله، ويصدر في حقه حكم بالإعدام.
بيد أن إشكالية إقرار مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي ترتبط بتوجهين أساسيين، أحدهما يرى أن الاعتراف بالخطأ من شأنه أن يعزز حقوق المتقاضين في إمكانية التدارك والتعويض، فيما يرى طرف آخر أن من شأن اللجوء إلى تحميل الدولة والمرفق القضائي المسؤولية أن يضرب في مبادئ استقلالية القضاء والسير العادي لهذا المرفق، فضلا عن المساس باستقرار الأحكام القضائية.
المشرع المغربي، وقبل صدور دستور 2011، نظم مسؤولية الخطأ القضائي في حالتين. إذ أن الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية يحدد حالات «مخاصمة القضاة» ومنها إذا ادعى ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاضي الحكم أثناء تهيئ القضية أو الحكم فيها، أو من طرف قاضي من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه.
ويشمل التعويض حالة مراجعة الأحكام المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، الذي يؤكد في الفصل 573 منه على أنه «يمكن استنادا إلى المقرر الجديد المترتبة عنه براءة المحكوم عليه، وبناء على طلبه الحكم له بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الإدانة». هذا التعويض تتحمله الدولة، على أنه يحق لها الرجوع على الطرف المدني أو الواشي أو شاهد الزور الذين تسببوا بخطئهم في صدور العقوبة».
القضاء الإداري أصدر عددا من الأحكام التي انتصرت لمن تضرروا من هذه الأخطاء، ففي أحد القرارات الصادرة بشأن الاعتقال الاحتياطي «التعسفي»، اعتبرت إدارية الرباط أن السلطة القضائية ليست فوق المحاسبة أو المساءلة، طالما أن الشرعية أو المشروعية هي عماد المؤسسات وحصنها الأساسي لخضوع الجميع لمقتضياتها، حاكمين ومحكومين.
في هذا الملف، نتوقف عند أشهر الأخطاء القضائية التي ذاق أصحابها مرارة السجن.. نتعقب آثارها القانونية والاجتماعية، ونرصد رأي الخبراء حول آليات التدارك والتعويض. في الملف أيضا أشهر الأخطاء التي حررت الجناة وسجنت الأبرياء.
الأخطاء القضائية.. أبرياء قضوا سنوات ظلما في سجون المملكة منهم من أدين بالسجن المؤبد وتعويضات بـ150 مليون سنتيم تنتظر التنفيذ
في سنة 2011، وفي خضم النقاش المحتدم حول تعديل النص الدستوري، ضرب المشروع المغربي عصفورين بحجر واحد، من خلال الاعتراف بالخطأ القضائي والتأكيد على حق المتضررين في الحصول على تعويض تمنحه الدولة. بيد أن الأحكام الصادرة عقب اعتماد«دستور الحقوق والحريات»لم تجد بعد طريقها نحو التنفيذ، رغم أنها أنصفت عددا من الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم خلف القضبان في ملفات مختلفة. «المساء» تعيد نسج خيوط ملفات مثيرة أدين أصحابها بعقوبات ثقيلة، قبل أن يصدح صوت الحقيقة وتثبت براءتهم من التهم المنسوبة إليهم.
800 شاهد زور توبعوا أمام القضاء بين سنتي 2012 و2013. رقم صادم أعلن عنه وزير العدل والحريات تحت قبة البرلمان، وهو يكشف أمام المغاربة خطورة فعل جرمي يضلل العدالة ويتسبب في الزج بالأبرياء في السجون، خاصة عندما يتعلق الأمر بالملفات الجنائية التي يمكن أن تكون فيها شهادة شاهد الدليل الوحيد لإصدار أحكام ثقيلة، فيتحول حكم العدالة إلى «خطأ قاتل».
لن ينسى الأمريكيون قضية كوامي أجامو الذي قضى زهاء أربعين سنة خلف القضبان، قبل أن تظهر الحقيقة بعد تراجع الشاهد الرئيسي في الملف عن تصريحاته، بعدما صرح بأنه كان حينها مجرد طفل صغير أراد مساعدة الشرطة رغم أنه لم يكن شاهدا على الجريمة التي وقعت سنة 1975. انهار جامو باكيا أمام هيأة الحكم التي قضت ببراءته. صمت لبرهة ثم صرخ قائلا: «غيروا القوانين التي تسببت في اعتقالي وظلمي».
بيد أن قضية شهادة الزور ليست المصدر الوحيد لتضليل العدالة وجعل بعض قراراتها تتسم بالخطأ، بل يمكن أن يكون الخطأ ناتجا عن الخبرة القضائية أو خلل في الأبحاث التمهيدية، أو حتى بسبب الضغط الذي يمكن أن يقع فيه القاضي أمام العدد الكبير من الملفات التي يتوجب مناقشتها في الجلسة الواحدة.
جريمة بشعة
في ندوة نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2013 حول موضوع الخبرة الطبية، عرض عبد الكافي ورياشي، وهو محامي عام بمحكمة النقض، قصة غريبة أوقعت القضاء المغربي في حيرة من أمره، بسبب التناقضات التي جاءت في تقارير خبرة أجراها أطباء نفسانيون في مراحل مختلفة.
الحكاية تبدأ، كما رواها ورياشي، باكتشاف رجال الدرك الملكي في إحدى المناطق القروية، لجثة شاب يبدو أنه توفي قبل ساعات، حيث تبرز على مختلف أنحاء رأسه حروق عميقة. البحث في مسرح الجريمة، من خلال تفتيش ملابس الضحية، قاد عناصر الدرك الملكي إلى اكتشاف أول المعطيات التي سينطلق منها البحث، وهي عبارة عن ورقة تحمل عنوانا سكنيا.
تحركت فرقة الدرك الملكي بسرعة للبحث عن العنوان المكتشف، والذي لم يكن إلا عنوان المتهمة في جريمة القتل. رجال الدرك سيكتشفون أن المنزل تقطنه سيدة ثرية لها أبناء، حيث سيقود البحث إلى معطيات مفادها أن هذه السيدة كانت ترتبط بعلاقة جنسية غير شرعية مع الضحية الذي وُجدت جثته في حالة تشوه بشعة.
تعميق الاستماع إلى المتهمة في جريمة القتل هذه أبان أن الضحية كان يعمل في منزلها، حيث دخلت معه في علاقة جنسية غير شرعية، لأسباب ربما لها ارتباط بإغراءات مالية أو غيرها. بيد أن الإحساس بالذنب من الارتباط بهذا الشاب دفع المتهمة إلى مراجعة نفسها ومحاولة التخلص من هذه الورطة التي أضحت تأخذ أبعادا معقدة، حيث أصبح الشاب الأجير يضغط عليها للاستمرار في ممارسة الجنس معها رغم رفضها، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بكشف المستور والتشهير بها.
تهديد ولد ارتباكا وخوفا شديدين لدى هذه السيدة الميسورة، التي قررت في لحظة خوف من انكشاف أمرها التخلص من هذه العلاقة عن طريق وضع حد لحياة خليلها، بعدما أصبحت غير قادرة على إنهاء الممارسات التي أدمن عليها الشاب الأجير.
خططت المتهمة جيدا لتنفيذ جريمتها، حيث دعته إلى منزلها لإقامة ليلة ساهرة. جلس إلى جانبها، بعدما اطمأن إلى أنها ستلبي مختلف رغباته. وبعدما اختلى بها في غرفة النوم، أخذت المتهمة قضيبا حديديا وهوت على رأسه بقوة إلى أن سقط مغشيا عليه.
قوة الضربة التي تلقاها الضحية لم تؤت الهدف الذي سطرته، حيث توجهت إلى المطبخ وقامت بغلي إيناء من الزيت استعدادا لإكمال خطتها. عادت إلى المكان الذي سقط فيه الشاب، فأفرغت إيناء الزيت المغلى على وجهه ملحقة به حروقا بليغة. «لكنه لم يمت»، يعلق المحامي الورياشي الذي زاد موضحا أن القاتلة انغمست في لحظة تفكير انتهت بقرار حمل خيط كهربائي وربطه بعنق الضحية إلى أن فارق الحياة.
حيرة القضاء
انطلقت أولى جلسات البحث لدى قاضي التحقيق. جلست أمامه هذه السيدة فطرح عليها السؤال الأول، لكنها لم تتفوه بأي كلمة رغم التصريحات التي قدمتها أمام عناصر الضابطة القضائية للدرك الملكي. لم يجد القاضي من حل غير إصدار تعليماته بإعادتها إلى السجن، في انتظار موعد آخر لعلها تتجاوب مع الأسئلة المطروحة عليها.
لكن شيئا غير متوقع سيفاجئ قاضي التحقيق، حيث سيدفع محامي المتهمة، لأول مرة منذ انطلاق عملية استنطاقها، بأنها تعاني من خلل عقلي، وهو ما يستوجب عرضها على الخبرة العقلية من طرف طبيب شرعي مختص. دفاع المتهمة استند في دفعه هذا على دواء كان يمنح لها داخل السجن، وهو الدواء الذي يدخل ضمن الصنف المخصص لمعالجة الأمراض النفسية.
قوبل هذا الطلب بالرفض في مختلف مراحل الاستنطاق، على اعتبار أن هذه السيدة،التي يدعي دفاعها أنها تعاني من خلل عقلي، لم تشر إلى هذا المعطى إلا أمام قاضي التحقيق،في حين أنها تجاوبت بشكل عادي وطبيعي مع باقي مراحل التحقيق، وهو ما دفع هيئة الحكم إلى إحالة الملف على المداولة.
صدر الحكم الجنائي في حق المتهمة، والقاضي بـ25 سنة سجنا نافذا، من أجل ما نسب إليها من ارتكاب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار. لكن الملف لم ينته هنا، فقد قرر الدفاع أن ينقض قرار المحكمة، ويأتي رأي النقض مخالفا لما ذهبت إليه، حيث اعتبرت محكمة النقض أن القاضي ليس له من القدرات العلمية ما يمكنه من تقدير الحالة العقلية لأي شخص، لأن هذه الأمور فنية محضة وكان على هيأة المحكمة أن تستجيب للطلب الذي تقدم بها الدفاع لعرض المتهمة على الخبرة.
خبرات متناقضة
أعيد الملف إلى المحكمة حيث صدر الحكم لتنطلق فصول جديدة من الخبرة النفسية التي سيتم الاستناد إليها في القرار. الخبرة الجديدة التي خضعت إليها هذه السيدة كشفت أنها تعاني فعلا من خلل عقلي ونفسي فقدت معه الإدراك، مما تسبب في جريمة القتل المروعة.
لم تقتنع المحكمة بنتائج هذه الخبرة، فصدر قرار بإجراء خبرة ثانية ستزيد الملف غموضا وإثارة. النتيجة هي أن المتهمة في جريمة القتل هذه لم تعاني في يوم من الأيام من أي مرض عقلي أو اختلال نفسي من شأنه أن يؤثر على إدراكها، وانتهى الخبير إلى أن المتهمة تتمتع بالمسؤولية الجنائية الكاملة.
وقعت المحكمة في حيرة من أمرها. خبرتان متناقضتان، الأولى تسقط مسؤوليتها الجنائية والثانية تؤكد أنها مسؤولة عن فعلها الجرمي. لم تجد المحكمة من إجراء أخير غير إسناد الخبرة العقلية إلى ثلاثة خبراء في الطب النفسي من خارج الدائرة الاستئنافية التي تروج فيها هذه القضية.
بعد إخضاع المتهمة للخبرة خرج التقرير الذي جاء فيه أن المتهمة مختلة عقليا وإدراكها مفقود، فما كان من هيئة الحكم إلا أن تتخذ قرار إيداع هذه السيدة مستشفى للأمراض العقلية، لأنها حسب نتائج الخبرة الطبية تعاني من خلل عقلي.
أغلق الملف على مستوى المحكمة، بعد قرار الإيداع في مؤسسة للأمراض العقلية، لكن الملف لن يتوقف هنا. فالمحامي العام عبد الكافي ورياشي، الذي سرد هذه القصة المثيرة، سيكشف أنه التقى بعد سنة من صدور الحكم بمدير المؤسسة الاستشفائية الذي طلب إصدار قرار بخروج هذه السيدة من المؤسسة لأنها تعافت ولم يعد هناك داع للإبقاء عليها. يقول الورياشي وعلامات الاندهاش ترتسم على محياه: «سألت مدير المؤسسة الصحية عن حال هذه السيدة، فكان الجواب الصادم هو أنها لم تكن تعاني في يوم من الأيام من أي مرض عقلي».
الزور والمؤبد
إشكالية الخبرة القضائية ليست وحدها النقطة التي يمكن أن تضلل العدالة. ظاهرة شهود الزور لازالت تطرح نفسها بقوة، بالنظر إلى عدد المتابعات التي تطلقها النيابة العامة في حق المتورطين، والتي تطرح خطورتها بقوة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الجنائية، حيث يمكن أن يصدر القضاء حكما بالمؤبد اعتمادا على شهادة كاذبة.
الشهادة الكاذبة كانت كافية لتوريط امحمد النوري وعبد الواحد المولي في تهمة ارتكاب جريمة قتل بشعة. في سنة 1993 ألقي القبض على المتهمين النوري والمولي، بعدما اهتزت مدينة الجديدة على وقع جريمة قتل راحت ضحيتها سيدة تقطن في أحد الأحياء الشعبية.ورغم عدم توفر عنصر التلبس أو الدليل المادي الذي يدين المتهمين،إلا أن القضاء اعتمد شهادة إحدى السيدات التي ادعت كون الرجلين قد ترددا على منزل الضحية قبيل وفاتها.
دخل الملف مختلف مراحل البحث والتقصي، إلى أن أصدرت غرفت الجنايات حكمها القاضي بإدانة المتهمين، ومعاقبة كل واحد منهما بالسجن المؤبد. نزل القرار كالصاعقة على المولي والنوري وعائلتيهما، لتنطلق المعاناة داخل السجن إلى أن جاء الفرج بعد ثماني سنوات خلف القضبان.
بتاريخ 5 يونيو 2001، وفي الوقت الذي كان المتهمان يقضيان عقوبتهما السجنية، تم إلقاء القبض على «سفاح الجديدة» الذي نفذ سلسلة من عمليات القتل التي استهدفت النساء، حيث اعترف أمام عناصر الضابطة القضائية بأنه هو من نفذ جريمة القتل التي أدين من أجلها النوري والمولي «خطأ».
انفرج الملف وتقدم دفاع الرجلين بطلب عاجل إلى وزير العدل قصد الإفراج عنهما، وهو القرار الذي صدر عقب حكم الإعدام في حق الجاني الحقيقي، لتبدأ فصول رحلة سيزيفية من أجل رد الاعتبار وجبر الضرر الذي طال المتهمين ظلما. توفي المولي سنة 2006، فيما لا يزال النوري يناضل من أجل صرف تعويض عما ألحقه الخطأ القضائي من ضرر جسيم.
150 مليون كتعويض
رفع النوري دعوى للمطالبة بالتعويض أمام المحكمة الإدارية بالدار البيضاء عن الضرر الناتج له عن الخطأ القضائي الفادح الذي كان السبب في تدمير حياته وحياة أسرته، فضلا عن الضرر المادي الذي تعرض له، والذي أدى إلى تشريد عائلته وتحطيم نفسيته، حيث التمس لأجل ذلك الحكم لفائدته بتعويض لا يقل عن ثمانية ملايين درهم.
وبعد إتمام الإجراءات، صدر الحكم بتاريخ 15 دجنبر 2006 القاضي بأداء المدعى عليها، الدولة المغربية، لفائدة المدعي مبلغ 150 مليون سنتيم كتعويض، وهو القرار الذي استأنفه الوكيل القضائي للمملكة فصدر القرار بتاريخ 27 يونيو 2007 القاضي بإلغاء الحكم المستأنف والتصريح باختصاص الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى نوعيا للبت في الطلب وبإحالة الملف عليها.
النوري تقدم بطلب للطعن في القرار، وهو الطلب الذي قضت محكمة النقض بقبول إعادة النظر فيه وبالرجوع في القرار المطعون فيه وبإرجاع مبلغ الوديعة إلى الطاعن. بيد أن النوري لم يتوصل منذ هذا التاريخ بسنتيم واحد، وظل «يناضل» من أجل تنفيذ الحكم الذي قضى بأداء الدولة لتعويض يغطي ولو جزءا بسيطا من معاناته بعد الخروج من السجن.
ويرى محمد فجار، نقيب سابق في هيئة الجديدة، أن الإشكال يكمن في المسطرة المعقدة والبطيئة لصرف هذا التعويض لمن يستحقونه من قبل الدولة المغربية بواسطة الخزينة العامة للمملكة، والذي قد لا تتحقق غايته في جبر الضرر للمعني بالأمر، الذي قد يتوفى قبل التوصل به.
ويضيف فجار: «ربما يموت حتى ذوو حقوقه قبل الظفر به، وقد يكون مرجع هذا التعقيد والبطء في مسطرة صرف التعويض إلا أن الخزينة العامة للمملكة قد لا تكون متوفرة على اعتماد مرصود لهذه الغاية لكون مساطر المراجعة بسبب الخطأ القضائي نادرة، وغالبا ما لا يحالف أصحابها التوفيق بسبب طولها وصعوبة توافر الشروط المتطلبة لقبولها والاستجابة لها».
سقوط حكم الإدانة
ملف المولي والنوري ليس إلا واحدا من الملفات التي ثبت فيما بعد أن المتابعين فيها أبرياء. الملف الذي بين أيدينا يحيل على قضية صدر فيها حكم الإدانة في اتهامات بالاتجار في المخدرات، قبل أن يتم نقض الحكم وتبرئة المتهم بعدما قضى أكثر من سنتين في السجن، ليتقدم بدوره بطلب للتعويض.
تفاصيل الملف تشير إلى أن المعني تم اعتقاله من طرف الضابطة القضائية بعد اتهامه بالاتجار في المخدرات، حيث أحيل على المحاكمة في حالة اعتقال وحكم عليه ابتدائيا بالحبس النافذ لمدة أربع سنوات وغرامة نافذة قدرها 20 ألف درهم.
هذا الحكم تم الطعن فيه بالاستئناف وتم تأييده، غير أنه تم نقضه أمام المجلس الأعلى الذي قضى بإبطال وإلغاء القرار الاستئنافي، وأحال القضية على المحكمة نفسها لتبت فيها من جديد. وبعد عرض الملف من جديد أمام محكمة الاستئناف أصدرت قرارا بعدم مؤاخذته من أجل المنسوب إليه والحكم تبعا لذلك ببراءته مع تحميل الخزينة العامة الصائر، ورفع الحجز عن السيارة المحجوزة وإرجاعها لصاحبها، وكل ذلك بعد أن قضى مدة سنتين وأربعة أشهر وراء القضبان دون أن يرتكب أي فعل جرمي.
رفض التعويض
دفاع المتهم الذي تمت تبرئته اعتبر أن الدولة المغربية في شخص الوزير الأول تكون مسؤولة عن ضياع المدة التي قضاها من حياته في السجن. وبالنظر إلى ثبوت الضرر فإنه التمس الحكم على الجهة المدعى عليها بأدائها ثلاثة ملايين درهم كتعويض عن الضرر المادي والمعنوي اللاحق به مع النفاذ المعجل وتحميلها الصائر.
بيد أن الوكيل القضائي للمملكة، نيابة عن الأطراف المدعى عليها، تقدم بمذكرة دفع من خلالها بعدم اختصاص المحكمة الإدارية نوعيا للبت في الطلب لكون اختصاص هذه المحكمة هو اختصاص محدود، وأنه في حالة خروج الدعوى عن الإطار القانوني المحدد لهذا الاختصاص أو وجود نص قانوني يجعل النظر في دعوى معينة من اختصاص جهة أخرى، فإن ذلك يعني عدم اختصاص المحكمة الإدارية للنظر فيها. وتبعا للإجراءات القانونية، أصدرت المحكمة الإدارية حكمها القاضي بعدم اختصاصها النوعي للبت في الطلب مع الاحتفاظ بالبت في الصائر.
دخل الملف في مختلف مراحل التقاضي إلى أن وصل إلى محكمة النقض التي اعتبرت أن الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية هو اختصاص محدد يجد سنده القانوني في مقتضيات المادة 8 من القانون المحدث بموجبه محاكم إدارية، وأنه لا يوجد ضمن هذا الإطار القانوني ما يفيد اختصاص تلك المحاكم للبت في طلبات التعويض عن الأعمال والقرارات القضائية.
وأضافت أن المشرع المغربي نظم حالات خارج هذا الإطار بمقتضى نصوص قانونية تسند الاختصاص لجهات قضائية أخرى، والمحكمة الإدارية لما قضت بعدم اختصاصها النوعي للبت في الطلب، تكون قد صادفت الصواب بهذه العلة، ويكون بالتالي حكمها واجب التأييد.
الجهات المسؤولة عن مالية الدولة تعرقل تنفيذ قرارات التعويض
محمد الخضراوي* محام بهيأة القنيطرة ونائب رئيس المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية*
– كيف تم التعامل مع الخطأ القضائي عبر المراحل التاريخية للتشريع المغربي إلى غاية دستور 2011؟
< لابد من التذكير أنه إلى حدود 2011 ظلت مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء في المغرب استثناء من قاعدة عامة مفادها أن الدولة غير مسؤولة في هذا الشق، باستثناء حالتي المخاصمة والمراجعة اللتين تقران المسؤولية بشكل ضيق وضمن شروط مرهقة، إذ أن حالات المخاصمة من الصعب إثباتها علاوة على تعقد إجراءاتها. كما أن المشرع المغربي ضيق عكس تشريعات أخرى من دائرة المسؤولية المدنية للقضاة ومما كان يعقد الأمور أكثر في نظرنا هو جهل الغالبية لوجود هذه المساطر وبإمكانية مقاضاة الدولة، حيث يكتفون بتوجيه شكايات إدارية ضد القضاة المسؤولين في نظرهم عن أخطاء في الأحكام أو التظلم ضدهم من أجل شبهة فساد أو رشوة. لهذا يبقى في نظري ورش التوعية القانونية من أهم الأوراش الحقوقية التي يجب الاشتغال عليها في دولة القانون والمؤسسات. ويبدو أن المشرع الدستوري الحالي تأثر بالتوجه الحديث الذي تنهجه كل دول العالم اليوم على اختلاف درجات تقدمها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والهادف إلى ضمان توافق تشريعاتها مع حقوق الإنسان الأساسية. فقد كان لزاما عليه مواكبة حركة التحديث التشريعي في مجال حقوق الإنسان، التي قطعت فيها بعض الدول أشواطا مهمة، حيث تجسدت تلك الإرادة في نص المادة 122 من الدستور التي تعتبر أول أساس تشريعي صريح يقر مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية.
– ما أهمية هذا المقتضى الدستوري؟
< هذا النص بالإضافة لكونه قفزة نوعية في مجال حقوق الإنسان، فإنه يشكل ترجمة لما التزم به المغرب – توقيعا وتصديقا – على الاتفاقيات والصكوك الدولية المقررة لحقوق الإنسان والتي نصت جميعها على الحق في التعويض عن الخطأ القضائي. فهذا الالتزام يجعله ملتزما سياسيا وقانونيا وحضاريا بإجراء أكبر قدر من التوافق والاتساق بين السقف الذي تتضمنه هذه الاتفاقيات والصكوك من ناحية، وبين ما تقرره التشريعات الوطنية من ناحية أخرى، سيما وأن الأمر أصبح أكثر إلحاحا نظرا لاهتمام العالم بالمؤسسة القضائية وصيرورتها لأنها أحد أهم مؤشرات الديمقراطية والتقدم، وذلك من خلال آلية التقارير الوطنية التي تقدمها الدول وتخضع للمراجعة والتقييم وتهتم بها وسائل الإعلام العالمية أكثر من أي وقت مضى. بيد أن غياب أي نص تنظيمي لهذا الفصل الحاسم يجعلنا في حاجة لوضع تصورات حول كيفية تطبيقه.
– وكيف يمكن تعريف الخطأ القضائي على ضوء المستجدات الدستورية؟
< إن عمومية النص الدستوري وتضمنه لمصطلح «قضائي» دون تضييق تسمح لنا بالقول إن المشرع أراد تبني المفهوم الواسع للاصطلاح من حيث صفة القائم بالعمل، بحيث ينصرف الخطأ إلى كل الأعمال القضائية سواء أصدرت عن قضاة الحكم في صورة أحكام أو إجراءات قضائية، أو صدرت عن قضاة النيابة العامة في إطار اختصاصهم القضائي، أو تلك الصادرة عن مساعدي القضاء والتي تنطبع بالسمة القضائية أو أعمال الضابطة القضائية. ويبدو أن المشرع تبنى المفهوم الضيق المتشدد للمعنى من حيث طبيعة العمل، إذ يلاحظ في هذا الشأن أن المشرع المغربي لم يأخذ باصطلاح «مرفق القضاء» الذي اعتمده المشرع الفرنسي، وهو مصطلح فضفاض يشمل كل الأعمال الصادرة عن مرفق القضاء بغض النظر عن كونها أعمالا قضائية صرفة أم لا، خلافا للمشرع الدستوري المغربي الذي ركز على الصفة القضائية للخطأ لإثارة المسؤولية في نطاق الفصل 122، وهو أمر محمود من شأنه عدم التوسع في الأخطاء التي قد تصدر عن مرفق القضاء.
– هل تم التفريق بين خطأ المرفق والخطأ الشخصي للقاضي؟
< ما يلاحظ على الفصل 122 أنه لم يتضمن ما يفيد التفرقة بين الخطأ المرفقي الذي تسأل عنه الدولة، والخطأ الشخصي الذي يتحمل القاضي العبء النهائي للتعويض عنه. كما لم يتضمن أي إشارة إلى درجة الخطأ المتطلبة لإثارة مسؤولية الدولة ومدى تطلبه للخطأ الجسيم. ولا شك أن حصر الخطأ في الخطأ الجسيم هو الأكثر تناسقا مع خصوصية مرفق القضاء، نظرا للصعوبة البالغة التي تمثلها ممارسة الوظيفة القضائية ومخاطر الخطأ المرتبط بها. وفي غياب أي نص تنظيمي لهذا الفصل، فقد دعا بعض الفقهاء والقضاة المشرع المغربي إلى الاحتذاء بنظيره الفرنسي وتحميل الدولة المسؤولية رأسا عن كل خطأ ذي طبيعة قضائية، دونما الأخذ بالتفرقة المعمول بها في مجال مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها من تصنيف الخطأ إلى شخصي يتحمل الموظف مسؤولية مباشرة عنه وخطأ مرفقي تتحمله الدولة. فخصوصية المؤسسة القضائية التي تنبني على الثقة لا تستوعب هذه التفرقة ما دام أن اختيار القضاة وتعيينهم وتكوينهم يفترض أن يتم ضمن ضوابط ومعايير دقيقة تضعها الدولة وتتحرى فيها ما ينزه هؤلاء عن أخطاء وهفوات باقي الموظفين، ومن تم كان لزاما عليها أن تتحمل مسؤولية اختيارها وتبعة الأخطاء الشخصية لهؤلاء. بيد أنه لا يجب فتح الباب على مصراعيه لأي خطأ مهما كانت درجته حتى نضمن للمؤسسة القضائية هبتها، إذ نرى أن الخطأ الموجب للمسؤولية يجب أن يكون على قدر كبير من الجسامة وأن يحدث ضررا خاصا ومعتبرا لطالب التعويض، وأن يكون الحكم المشوب بالخطأ نهائيا حتى لا تفقد طرق الطعن نجاعتها وغايتها.
– ما مدى مسؤولية باقي مكونات القضاء ومساعديه عن الخطأ القضائي؟
< الأكيد أن إنتاج حكم قضائي طبقا للقانون داخل أجل معقول وفق شروط محاكمة عادلة يقتضي مساهمة فعالة وتدخلا إيجابيا لكافة الفاعلين من أسرة العدالة من ضابطة قضائية وكتابة ضبط ومحامين وقضاة وموثقين وعدول ومفوضين وغيرهم، فضلا عن المتقاضي نفسه الذي يجب أن يتقاضى بحسن نية. وبالتالي إذا أخل أحد مكونات سلسلة إنتاج العدالة بواجباته فإنه سيؤدي حتما إلى نتائج غير محمودة تزعزع الثقة في مؤسسة العدالة بصفة عامة وترتب في حق من ارتكبها المسؤولية المهنية والتأديبية والمدنية وحتى الجنائية في بعض الحالات. لكن ما يؤسف له هو أن الجميع يوجه الاتهام للقضاة عن كل الإخلالات والأخطاء التي يعرفها واقع العدالة ببلادنا بعيدا عن الموضوعية الواجبة، والحال أن الخطأ قد يكون بسبب نص قانوني غير دقيق أو أخطاء ناتجة عن أحد مهنيي العدالة أو بسبب نقص في الإمكانات المادية أو اللوجستيكية. لكن الأكيد بالنسبة لنا بعد رصدنا للمعطيات الإحصائية أن هناك أزمة حقيقية على مستوى المهن القضائية تقتضي منا الإسراع بفتح ورشتي التخليق والتكوين والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية لهذه الفئات التي تقدم خدمات عامة لها انعكاس على الأوراش الإصلاحية الكبرى التي تعرفها بلادنا.
– بعض الملفات صدرت فيها أحكام بالتعويض دون أن يتسلم أصحابها سنتيما واحدا، أليس ذلك ضربا لثقة المتقاضين في إمكانية التدارك وجبر الضرر؟
< الأكيد أن القضاء المغربي يتفاعل إيجابيا حتى قبل دستور 2011 مع حق المتضرر من مرفق القضاء في استحقاق التعويض، ولدينا أحكام وقرارات هامة ذات حمولات حقوقية كبرى. لكن يبدو أن الجهات المسؤولة عن مالية الدولة مازالت تتذرع بحجج تجاوزها مغرب ما بعد دستور 2011 وتعرقل عملية التنفيذ لأسباب تقنية أو إدارية أو تنظيمية تزيد من إحساس المتضرر بالظلم والحيف وعدم الإنصاف وعدم الثقة، حيث يبقى سنوات طويلة في انتظار قاتل لمبلغ تعويض يكون في أغلب الأحيان غير ملائم مبدئيا. لهذا لابد من التفكير في إحداث جهة مستقلة مكلفة بمهمة أداء التعويضات لمستحقيها وفق مسطرة ميسرة سريعة، وإلا فإننا سنفرغ هذا المقتضى الدستوري من محتواه وسنجعل كل هذا التراكم من العمل القضائي المتقدم الجريء الحقوقي مجرد حبر على ورق.
الرميد: لا يمكن مواجهة وزارة العدل بالتنفيذ في حالات الخطأ القضائي
قال إن الدستور لم يشر إلى إصدار قانون ينظم التعويض عن الأخطاء
الأخطاء القضائية، وما يرتبط بها من إشكاليات تحديد مفهوم الخطأ وحالاته، والجهة التي ستبت في دعوى التعويض، طرحناها على المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، الذي قدم لـ«المساء» تحليلا للإشكاليات التي يطرحها هذا الموضوع، ومسؤولية الوزارة عن تنفيذ أحكام التعويض.
وتوقف الرميد عند مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن الأعمال القضائية في حالة مخاصمة القضاة وحالة مراجعة الأحكام. وأوضح في هذا الإطار، أنه يمكن رفع دعوى مخاصمة القضاة أمام محكمة النقض في حال ما إذا ادعى ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاضي الحكم أثناء تهييء القضية أو الحكم فيها أو من طرف قاض من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه، أو إذا قضى نص تشريعي صراحة بجوازها، أو إذا قضى نص تشريعي بمسؤولية القضاة يستحق عنها تعويض، أو عند وجود إنكار العدالة.
أما دعاوى مراجعة الأحكام فيمكن التقدم بها إذا صدرت عقوبة في دعوى القتل، وأدلي بعد ذلك بمستندات أو حجج ثبت منها قيام قرائن أو علامات كافية تدل على وجود المجني عليه المزعوم قتله، أو إذا صدرت عقوبة على متهم، وصدر بعد ذلك مقرر ثان يعاقب متهما آخر من أجل الفعل نفسه ولم يتم التوفيق بين المقررين لما بينهما من تناقض يستخلص منه الدليل على براءة أحد المحكوم عليهما.
كما يمكن التقدم بدعوى المراجعة إذا جرت بعد صدور الحكم بالإدانة متابعة شاهد سبق الاستماع إليه وحكم عليه من أجل شهادة الزور ضد المتهم، ولا يمكن أثناء المناقشات الجديدة الاستماع إلى الشاهد المحكوم عليه بهذه الصفة، أو إذا طرأت واقعة بعد صدور الحكم بالإدانة أو تم الكشف عنها أو إذا تم تقديم مستندات كانت مجهولة أثناء المناقشات ومن شأنها أن تثبت براءة المحكوم عليه.
ويمكن حسب الفصل 573 من قانون المسطرة الجنائية استنادا إلى المقرر الجديد القاضي ببراءة المحكوم عليه، وبناء على طلبه، الحكم له بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الإدانة. وإذا كان ضحية الخطأ القضائي قد توفي، انتقل الحق في رفع طلب التعويض حسب الشروط، نفسها إلى زوجه وأصوله وفروعه، ولا يمكن أن يؤول هذا الحق لأقارب آخرين أبعد صلة إلا إذا أدلوا بما يبرر أن ضررا ماديا لحقهم من العقوبة المحكوم بها. ويقبل طلب التعويض في سائر مراحل مسطرة المراجعة.
وإذا ترتب عن المراجعة قرار أو حكم ببراءة المحكوم عليه، فإن القرار أو الحكم يعلق على جدران المدينة التي صدر فيها الحكم بالإدانة سابقا، والمدينة التي بها مقر المحكمة التي بتت في المراجعة، والجماعة التي ارتكبت فيها الجناية أو الجنحة، في الجماعة التي يوجد فيها موطن طالب المراجعة، وفي التي كان فيها آخر موطن للشخص الذي وقع في حقه الخطأ القضائي.
وإذا كان هذا الشخص قد توفي ينشر القرار أو الحكم تلقائيا وبدون طلب في الجريدة الرسمية، ويؤمر بنشره زيادة على ذلك في خمس جرائد يختارها طالب المراجعة إن طلب ذلك، وتتحمل الخزينة مصاريف النشر المشار إليها.
الوزير اعتبر أن التكريس الدستوري لمبدأ التعويض عن الخطأ القضائي يعد تطورا كبيرا في نظام مسؤولية الدولة عن الأعمال القضائية، غير أن هذا التكريس يطرح إشكالات عديدة على مستوى تحديد مفهوم الخطأ القضائي، وحالات الخطأ القضائي، وأساس مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي، والجهة القضائية المختصة بالبت في دعوى التعويض عنه.
فيما يخص الإشكال المرتبط بتحديد مفهوم الخطأ القضائي، أكد الرميد أن المشرع لم يعرف هذا المفهوم، تاركا بذلك الباب مفتوحا للفقه ولاجتهادات القضاء، علما أنه في حالة غياب تعريف محدد لمفهوم قانوني يتم الرجوع للقواعد العامة.
ويضيف أن الخطأ حسب التعريف العام هو «فعل ما لا ينبغي القيام به أو الامتناع عن فعل ما كان يجب القيام به». ويأخذ الخطأ صورتين أولهما الخطأ الإيجابي، ويتمثل في الإخلال بالالتزامات والواجبات القانونية عن طريق ارتكاب أو إتيان أفعال مخالفة للقانون، أو منافية لقواعد الأخلاق والأمان. أما الخطأ السلبي فلا يتحقق إلا في الحالات التي يدل فيها الامتناع أو الترك على عدم التبصر وأخذ الحيطة الكافية من طرف المكلف قانونا لدفع الضرر الذي حصل.
وعلى ضوء التعريف العام للخطأ، يوضح وزير العدل والحريات، بأنه يمكن القول بأن الخطأ القضائي هو قيام من له سلطة قضائية بفعل ما لا ينبغي القيام به، أو الامتناع عن فعل ما كان يجب القيام به. وقد حدد المشرع الجهة القضائية المختصة بالبت في طلبات مراجعة الأحكام في «الغرفة الجنائية بمحكمة النقض»، وتبعا لذلك فهي الجهة المخول لها قانونا الحكم بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن مراجعة الحكم.
وسجل الرميد أن العمل القضائي المغربي عرف تضاربا في هذا الصدد، إذ ذهبت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في اتجاه أول إلى اعتبار أن دعوى التعويض عن الخطأ القضائي بعد سلوك مسطرة المراجعة تخرج عن اختصاص القضاء الإداري وتدخل في الاختصاص النوعي المنعقد للغرفة الجنائية بمحكمة النقض تطبيقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية المنظمة لمراجعة الأحكام.
وفي اتجاه ثاني ذهبت محكمة النقض في قرار صدر بغرفتين- الغرفة الإدارية والغرفة المدنية- إلى أنه لئن كان طلب تعويض المتضرر من الحكم الجنائي المراجع يجد سنده القانوني في مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، فارتباطه بنشاط من أنشطة أشخاص القانون العام يجعله مندرجا ضمن الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية طبقا للمادة 8 من القانون المحدث لها.
وفي غير حالات المخاصمة أو المراجعة، كرس المشرع الدستوري مبدأ التعويض عن الخطأ القضائي دون أي تحديد للجهة القضائية المختصة بالبت في دعاوى التعويض في غير حالات المخاصمة أو المراجعة، وتدخل القضاء الإداري لملء هذا الفراغ التشريعي.
وأبرز أن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض ذهبت في أحد قراراتها، إلى أن النزاع الناشئ عن طلب التعويض عن الأضرار الناتجة جراء اعتقال المدعي لمدة تفوق ست سنوات قبل تبرئته يندرج ضمن اختصاص المحاكم الإدارية طبقا للمادة 8 من القانون المحدث لها، مؤيدة بذلك الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الإدارية بفاس.
كما أن المحكمة الإدارية بالرباط، يوضح الرميد، قضت بانعقاد اختصاصها النوعي للبت في طلب التعويض عن الأضرار الناتجة جراء اعتقال المدعي لمدة 5 أشهر و3 أيام، في حين قضت المحكمة نفسها بعدم اختصاصها النوعي للبت في طلب التعويض عن الأضرار الناتجة جراء اعتقال المدعي لمدة ناهزت السنتين. كما أن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء استجابت لطلب التعويض عن الأضرار الناتجة جراء اعتقال المدعي لمدة شهرين و19 يوما.
وذكر الوزير في هذا السياق بأن الجهة القضائية المختصة بالبت في دعاوى التعويض عن الخطأ القضائي المرتبط بالاعتقالات في فرنسا، هي مؤسسة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التي صدر في دائرة نفوذها الترابي قرار براءة أو عدم متابعة المتهم، وقرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف قابل للطعن أمام لجنة وطنية للتعويض عن الاعتقالات المعتمدة لدى محكمة النقض وتكون قراراتها نهائية.
وتتشكل اللجنة المذكورة من الرئيس الأول لمحكمة النقض أو من يمثله بصفته رئيسا، وقاضيين للحكم بدرجة رئيس غرفة ومستشار مكلف بمحكمة النقض والنيابة العامة لدى محكمة النقض. كما أن الجهة القضائية المختصة بالبت في دعاوى التعويض عن الخطأ القضائي في الجزائر هي لجنة التعويض المنشأة لدى المحكمة العليا بسبب الحبس المؤقت غير المبرر والخطأ القضائي.
وعلى مستوى تنفيذ الأحكام، أكد المتحدث ذاته أن الجهة المختصة بتنفيذ دعاوى التعويض عن الخطأ القضائي هي الدولة في شخص السيد رئيس الحكومة، ويجد هذا الرأي سنده القانوني في الفصل 122 من الدستور الذي نص على أن الدولة تتحمل التعويض لكل من تضرر من خطأ قضائي، كما يجد سنده في الفقرة الأخيرة من المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على تحمل الدولة للتعويضات المحكوم بها.
وتبعا لذلك، فتنفيذ الأحكام الصادرة في دعاوى التعويض عن الخطأ القضائي ينبغي أن يباشر على حساب التحملات المشتركة بوزارة الاقتصاد والمالية. «صحيح أنه تم إقرار سطر في الميزانيات الفرعية لكل وزارة خاص بتنفيذ الأحكام المالية الصادرة في مواجهتها؛ وأضحى تنفيذ الأحكام القضائية ذات الأثر المالي تباشر ضد ميزانية الوزارات المعنية بالنزاعات، لكن لا يمكن مواجهة وزارة العدل بالتنفيذ في حالات الخطأ القضائي لعدم إمكانية نسبته إليها نظرا لاستقلال القضاء من جهة، ولطبيعة الخطأ القضائي الذي يختلف عن الخطأ الإداري المرفقي من جهة أخرى»، يضيف الوزير.
هل هناك حاجة لمشروع قانون لتنزيل النص الدستوري المتعلق بمبدأ التعويض عن الخطأ القضائي؟ سؤال أجاب عليه الرميد بالتأكيد على أنه لم تتم الإشارة في صلب الفصل 122 من الدستور إلى أنه سيصدر قانون سينظم موضوع التعويض عن الخطأ القضائي. وأكد أن عدم وجود نص قانوني منظم يطرح إشكالا على مستوى تحديد الجهة القضائية المختصة بالبت في طلبات التعويض عن الخطأ القضائي خارج حالات مخاصمة القضاة وحالات مراجعة الأحكام، وعلى مستوى الإجراءات المسطرية المتبعة.
الاعتقال الاحتياطي.. هكذا أنصفت إدارية الرباط متهما قضى سنة بدون محاكمة
المحكمة اعتبرت أن تأجيل الجلسات مس بقرينة البراءة وصورة المرفق القضائي
43 في المائة هي نسبة المعتقلين الاحتياطيين في سجون المملكة، لكن المعطى الأكثر إثارة في هذه الظاهرة التي تعمق إشكالية الاكتظاظ هو أن فئة من هؤلاء المعتقلين تصدر في حقهم أحكام بالبراءة، أو السراح المؤقت أو أحكام موقوفة التنفيذ، أو عدم المتابعة، أو سقوط الدعوى والإعفاء من المسؤولية أو الحكم بالغرامة فقط.
وزارة العدل والحريات جاءت، عبر مسودة مشروع القانون الجنائي المطروحة للنقاش، بعقوبات بديلة عن الاعتقال الاحتياطي، ومنها العمل للمنفعة العامة والغرامة اليومية وتقييد بعض الحقوق أو فرض بعض التدابير الحقوقية أو العلاجية بالنسبة للجنح التي لا تتجاوز عقوبتها سنتين.
البدائل التي جاء بها
ساحة النقاش