<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]--><!--<!--
»الفن ليه مّاليه«
المساء = حسناء زوان
يونيو 10، 2015، العدد: 2704
في جلسة جمعتني بها، حدثتني الفنانة القديرة خديجة جمال عن موقف سخيفٍ جمعها بإحدى الفنانات الشابات اللواتي «قطر بهن السقف».
قالت لي خديجة جمال: «سألتني: شكون انت؟». لم تستسغ خديجة مثل هذا السؤال من ممثلة ماتزال، بالنسبة إليها، في بداية المشوار مادامت تجهل كل شيء عن تاريخ السينما والتمثيل بالمغرب.
قالت لي وهي تضرب فخذيها بيديها بغضب: «تصوري… تسألني أنا من أكون؟ أنا التي وقفت منذ ريعان شبابي أمام الكاميرا إلى جانب فنانين عمالقة أمثال: أحمد الطيب العلج والطيب الصديقي والبشير العلج والعربي الدغمي في الفيلم القصير «البير» (1954) للمخرج جان فليشي، وشاركت في سنة 1962 إلى جانب الراحلين حسن الصقلي ومحمد سعيد عفيفي في فيلم «الرجوع إلى الأصل» للمخرج عبد العزيز الرمضاني، الذي كتب له السيناريو رفقة زوجي الجزائري الراحل محمد فراح.
لا أعرف ما إن كانت تلك الممثلة تجهل حقيقة خديجة جمال، لكن هذا الجهل، على أي حال، لا يمكنه أن يمحو قامة فنية من طينة خديجة،وإن كانت غابت قسرا عن الساحة الفنية بعد زواجها وهجرتها إلى الجزائر، قبل أن تكتب لها العودة سنة 1988 بعد طلاقها.
في تلك الجلسة التي جمعتني بها، شربنا سوية شايا صنعته بيديها. وكانت لا تتوقف عن الحديث عن الأيام الخوالي وعن الذكريات التي حرصت على تخليدها عبر صور أثثت بها جل غرف بيتها.
في حديثها عن تلك الأشياء البعيدة، والتي صارت لها اليوم رائحة الذكريات، كنت أشعر من خلال كلماتها بحرقة الحنين وعذاباته، لكنها مع ذلك لا تستطيع نسيان كل تلك الأشياء، لأنها بكل بساطة تذكرها بما كان عليه الفن والفنان في ذاك الوقت، قبل أن تتغير الأمور ويصير الفن إلى ما صار إليه اليوم.
قالت لي خديجة بكامل الأسف: «كل تلك الأشياء الجميلة والنبيلة التي كان يحفل بها الفنان أيام زمان لم يعد لها وجود الآن.
الممثلات من بنات اليوم صار عددٌ منهن يعتبر «المسخ وقلة الحيا فنا». الفن في أيامنا كان نضالا من أجل قيم مجتمع وحرية وطن، إلى درجة أني اعتقلت في ما عرف بأحداث الشغب سنة 1955. لقد كنا نتنفس عشقا وغيرة على وطننا، وكان الفن آنذاك وسيلتنا لقول كلمة «لا» للمستعمر الفرنسي. لكن اليوم، صرنا نطبّع مع من يريد بنا هلاكا، ثم نقول: حرية الإبداع والتعبير! عن أية حرية يتحدثون؟
هل الحرية هي الفتك بقيم مجتمع ناضل الآباء والأجداد من أجل تحرير ترابه، وفي سبيل ذلك صدوا آلة القمع الاستعمارية بأجسادهم التي تعرضت للتعذيب والإهانة، لأنهم كانوا يعرفون كيف يحبون وطنهم وكيف يقولون «لا» للمستعمر؟».
في لحظة، أحنت خديجة جمال رأسها وكأنها لم تعد تحتمل ما يختزنه من ذكريات جميلة تصطدم في كل مرة بقبح صار متجذرا في حياتنا اليومية التي فقدت «تمغربيت ديالها» كليا. حتى الوصلات الإشهارية، تقول خديجة، افتقدت روح «تمغربيت» هاته، وصارت مجرد مسخ لا علاقة له بالشخصية المغربية.
في نهاية جلستنا، قالت لي خديجة جمال إن الذاكرة المغربية لن يستطيع أحد أي يمحوها مهما فعلوا بها، و»الفن المغربي الأصيل ليه ماليه».
ابتسمتُ بحزن وقلت لنفسي: لكن لا أحد يعترف بهم.
ساحة النقاش