<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]--><!--<!--
المساء = عبد الله الدامون
درس الانتخابات الإسبانية.. متى نستفيد منه؟
مايو 28، 2015، العدد: 2693
يوم الأحد الماضي، جرت في إسبانيا انتخابات بلدية على قدر كبير من الأهمية، لكننا لم ننتبه إليها، فنحن ننتظر حتى تجري الانتخابات في فرنسا لكي نتصرف مثل التلاميذ النجباء، والأغبياء أيضا، الذين يتعلمون من أسيادهم.
الانتخابات في إسبانيا مفيدة جدا للمغاربة، ومنها يمكنهم أن يستقوا الكثير من العبر، لكن بالكاد نجد حولها خبرا هنا أو هناك، مع أن إسبانيا تشبهنا أكثر من فرنسا، ومدريد أقرب إلينا من باريس، وطريفة على مرمى حجر بينما جبال البرانص بعيدة جدا.
انتخابات إسبانيا أعطت دروسا للكثيرين، فالحزب الشعبي الحاكم تلقى صفعة قوية، ومعه أيضا المعارضة الرسمية الممثلة في الحزب الاشتراكي العمالي، أما الذين خرجوا رابحين من هذه الانتخابات فهم الناس الذين يستطيعون، فعلا، أن يفرضوا التغيير لأن أصواتهم لها قيمة حقيقية، وليس مثل انتخاباتنا التي تتحول فيها أصوات الناخبين إلى مجرد حركات بهلوانية أمام كاميرات التصوير أو واجبا يفرضه الخوف أكثر مما يفرضه الوعي.
انتخابات الأحد الماضي في إسبانيا وضعت الحزب الحاكم في المقدمة، لكن بدون أغلبية مطلقة في كل البلديات تقريبا، وخلفه الحزب الاشتراكي المعارض في مناطق معينة، لكن الحدث الأكبر هو أنه خلف الحزبين التقليديين الكبيرين في البلاد يوجد حزب ناشئ لم يمض على تأسيسه الرسمي أكثر من سنتين،وهو اليوم القوة السياسية الثالثة في البلاد، ويتوقع له المراقبون أن يصبح القوة السياسية الأولى أو الثانية في البلاد في غضون سنوات قليلة.
في المرتبة الرابعة حلَّ حزب آخر لم يمض على تأسيسه سوى سنوات قليلة أيضا، والمثير هو أنه لو تحالف الحزبان الثالث والرابع فسوف يسحبون البساط من تحت أرجل أكبر حزبين في البلاد.
الحزب الذي حل في المرتبة الثالثة يحمل اسما بسيطا هو «بوديموس»، ومعناها «نستطيع»، وهو اسم يحمل الكثير من التحدي.
والحزب الرابع في الترتيب الانتخابي يحمل اسم«مواطنون»،وهو أيضا اسم بسيط لكنه يعكس أهم قوة في أي بلد،وهو المواطن، هذا المواطن الذي يتحول في البلدان المتخلفة إلى مجرد رأس من رؤوس الماشية «يُبعْبع» في الانتخابات عوض أن يكون رقما أساسيا من أجل التغيير.
هكذا يصنع المواطن الإسباني مستقبله بنفسه، لأنه تعب من فساد الأحزاب الكبيرة التي تتناوب على الحكم والمعارضة؛ لقد تعب، أيضا، من الأطنان من ملفات الفساد التي تورط فيها الجميع، بدءا من الملك وانتهاء بكبار وصغار المسؤولين والسياسيين.
انتخابات الأحد الماضي في إسبانيا كانت درسا كبيرا للشعوب التي تعبت، لكن يجب أن تكون الشعوب المُتعبة قادرة على التغيير، أما إن كانت شعوبا تتعب ولا تقدر على شيء فإنها تتحول إلى ما يشبه مستودع أموات عامر بالجثث.
لكن الإسبان لم يغيروا وضعهم الأحد الماضي تحديدا،بل بدؤوه منذ عقود،منذ مات الجنرال فرانسيسكو فرانكو الذي جعل الإسبان يمشون على البيض قرابة أربعين عاما، لكنه لم يكن دكتاتورا على الطريقة العربية لأنه حفظ للإسبان حقوقهم الأساسية في السكن والتعليم والصحة والأمن بمختلف أشكاله، وعندما رحل كان عليهم أن يناضلوا للحصول على الديمقراطية.
لكن الدرس الإسباني أكبر بكثير من انتخابات الأحد الماضي؛ فقبل سنة، بالتمام والكمال، تمت تسمية ملك جديد للبلاد بعد أن تنازل الملك السابق خوان كارلوس، وهو لم يستقل طواعية لأن الملوك خلقوا ملتصقين بعروشهم، لكن ما جعل خوان كارلوس يستقيل هو الشعب ففي الوقت الذي يعاني فيه الإسبان من مأزق اقتصادي رهيب، وفي الوقت الذي ينتحر فيه مواطنون بسطاء فقدوا مناصب عملهم ولم يجدوا ما يؤدون به أقساط منازلهم، فإن الملك كان يذهب في رحلات استجمام سرية ومكلفة، ولو أن الملك لم يسقط وينكسر وركه لما اكتشف الإسبان أن عاهلهم المفدى كان يصطاد الفيلة سرا في بوتسوانا مقابل أربعين ألف دولار للفيل الواحد.
هكذا لم يجد الملك خوان كارلوس بُدّا من الوقوف أمام الكاميرا بعيون ذابلة مثل عروس خجولة ومخاطبة للإسبان قائلا: آسف.. لن أكررها مستقبلا.
لكن اعتذار الملك لم يكن كافيا، خصوصا وأن أفرادا آخرين من أسرته تورطوا في ملفات فساد تزكم الأنوف، فما كان منه سوى أن خط استقالته وترك العرش لابنه فليبي، الذي تتراقص أمامه أشباح الفساد التي هوت بوالده إلى الحضيض وكأنها تقول له: أنت، أيضا، لو فعلتها فلن تنجو..
انتخابات الأحد الماضي في إسبانيا فيها الكثير من العبر للمغاربة.. أكثر من انتخابات فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية. إنها تدل على أن الناس الذين يعانون من استفحال الفساد بإمكانهم أن يغيروا واقعهم أو، على الأقل، أن يغيروا المسؤولين الفاسدين بآخرين نزيهين أو أقل فسادا.
هل يمكن أن نحلم في المغرب بانتخابات تستطيع التغيير فعلا؟ وهل يمكن أن نحلم بأحزاب حقيقية نزيهة بزعماء شرفاء وشعب له الكلمة العليا؟ ربما بعد بضعة قرون.. قد يكون ذلك ممكنا.
ساحة النقاش