<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
تحْيا جينيفر.. تحْيا شاكيرا.. الموت لنا!
مايو 21، 2015، العدد: 2687
لنقم بعملية جرد بسيطة لبضعة أخبار صدرت في الصحف في بضعة أيام. هناك ستة آلاف مدرسة في المغرب بدون مراحيض، وامرأة تغرق هي ورضيعها في واد بعد أن انهارت بهما قنطرة خشبية مهترئة، ومنظمة دولية تحذر المغرب من حرب بيولوجية تنشر الطاعون، وآلاف المرضى المغاربة مهددون بالموت بسبب نفاد مخزون أدوية القلب، ومغربي يوافق على بيع كلْيته في إسبانيا بـ6 ملايين سنتيم، والأسر المغربية متشائمة حول قدرتها على الادخار مستقبلا، و38 في المائة من هذه الأسر تلجأ إلى الديون لتغطية مصاريفها، وفضيحة عقارية بمراكش تروح ضحيتها 160 أسرة، وضيعات فلاحية كبرى تستعمل مضادات حيوية محظورة دوليا لتسمين الدجاج، ونصف الأسماك المعروضة بالأسواق المغربية غير صالحة للاستهلاك، وتقرير دولي يقول إن الأمهات في المغرب يعانين بشدة لتربية أبنائهن، وهيئة حقوقية تحذر من وضع خطير تعيشه الأسر المغربية، وتقرير يصنف مدارس المغرب ضمن الأسوإ في العالم، وغياب كلي للجامعات المغربية على مستوى الترتيب العالمي لأفضل الجامعات في العالم، وولادة قيصرية على ضوء الهواتف في تارودانت… و… و…
إنه جرد بسيط ومحدود لصحف قليلة في يومين أو ثلاثة، ولو أنه تم جرد أخبار مثل هذه للصحف المغربية في أسبوع لأصيب الرأس بالصداع ولارتفعت درجة الحرارة المصحوبة بالتقيؤ، وقد تكتمل القضية في مصلحة المستعجلات أو في »بُويا عْمر«.
هل تصدقون أن بلدا حصل على استقلاله منذ قرابة ستين عاما لاتزال توجد به مثل هذه الأخبار، علما بأنها أخبار تتعلق فقط بالشق الاجتماعي وجزء من الحياة اليومية للناس؛ ولو أنه تم جرد كل الأخبار في مجال السياسة والاقتصاد والاختلاسات وغيرها فإنه سيكون من حق المواطن المغربي أن يطالب الأمم المتحدة بحق الحجْر على مسؤوليه، لأن المسؤولين الذين يوصلون بلادهم إلى هذه الوضعية يجب أن يُحجر عليهم اليوم قبل الغد.
لكن عباقرة الحكمة يقولون إنه في نهاية النفق المظلم يوجد بصيص نور، وبصيص النور موجود بالتأكيد، وهو غير بعيد بالمرة، بل قريب جدا، وهذا البصيص هو مهرجان «موازين» نهاية هذا الشهر في الرباط، وأكبر «نور» فيه هو جينيفر لوبيز، ومن لا يعرف من هي لوبيز.. إنها المرأة التي إذا صعدت إلى الخشبة وحركت قطعة من جسدها يهتز العالم.
أرأيتم أنه بعد كل عسر يوجد يسر، وأن كل الأخبار السيئة في هذه البلاد لا تساوي جناح بعوضة إذا قارناها بمجيء لوبيز إلى مملكتنا السعيدة؟ لهذا السبب، فإن مسؤولي مهرجان «موازين» وضعوا تعريفة واضحة لمن يريد أن يرى هذه المرأة عن قرب، حيث إن كل من يريد أن يجلس في الصفوف الأمامية لحفل هذه المغنية المتغنجة عليه أن يؤدي مبلغ 1200 درهم، فقط لا غير، وكلما كانت المقاعد أقرب ارتفع الثمن.
هذه هي حلاوة هذه البلاد، تخرج فورا من «السّخونْ» إلى «البارْد»، ومن «البارْد» إلى «السّخُونْ»، لذلك فإنه في عز برودة العناوين المخيفة للصحف حول الأوضاع الاجتماعية يفاجئنا مهرجان «موازين» باستضافة هذه المغنية الأمريكية التي غالبا ما تنسى ارتداء ملابسها خلال حفلاتها، وفي كثير من الأحيان تأتي مرفوقة براقصات وراقصين يعانون من آفة النسيان ذاتها، فينسون كل ملابسهم في دواليب غرف نومهم ويأتون إلى الحفلات كما يأتي الخلق للحساب والعقاب يوم القيامة.
لا يهم، إذن، أن تكون 36 ألف مدرسة مغربية بدون مراحيض، لأننا إذا قارنا ذلك بجسد جينيفر لوبيز وهو يهتز على الخشبة مثل كرة مطاطية طرية، فإننا سنقول تبا لكل مراحيض العالم، وتبا لكل هؤلاء الأطفال المغاربة الذين يقضون ساعات الدراسة يتلوّوْن في أجسادهم، وأحيانا يقضون حاجاتهم في ملابسهم وداخل أقسامهم.
الوضع، إذن، ليس كارثيا، والتيئيسيون الجهلة، وهم في نفس الوقت أعداء الوطن وأعداء الحداثة، هم الذين يرفعون عقيرتهم بالصراخ مثل غربان سوداء مقيتة، حين يستضيف المغرب حدثا جللا أو هرما من أهرام الطرب والرقص مثل جينيفر لوبيز. العدميون المرضى هم الذين يعتبرون أن وجود 36 ألف مدرسة في المغرب بدون مراحيض هو شيء مشين، مع أن هؤلاء الأغبياء لو قارنوا لوبيز بالمراحيض لوجدوا الفارق كبيرا بينهما.
في مهرجان سابق لموازين قامت الدنيا ولم تقعد لأن شاكيرا قبضت مليارا ومائتي مليون مقابل الغناء لساعتين، وهؤلاء الناعقون لم يروا الوجه الآخر لذلك، حيث أصبح المغرب على كل لسان. وها هو المغرب نفسه سيصبح، مرة أخرى، على كل لسان قبل وخلال وبعد حفل المغنية الفاضلة جينيفر لوبيز. بعد حفل شاكيرا، هل مات المغاربة جوعا؟ أبدا، بل ارتفع اسم المغرب في الأعالي، تماما كما كانت تفعل مؤخرة تلك المغنية المكسيكية، وهذا ما سيحدث بالضبط مع الوقورة الأمريكية جينيفر.
تحْيا جينيفر.. تحْيا شاكيرا.. الموت لنا!
ساحة النقاش