<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = حسناء زوان
كعكة « المزاليط»
مايو 06، 2015، العدد 2674
أذكر حين كنت في السابعة من عمري، وكانت جدتي، يرحمها الله، قد عادت لتوها من الحج، أننا كنا نتسابق على ماء زمزم ونفتش «الباليزة» لنفوز بـ«الكادو» الذي أحضرته من المقام الشريف. حتى العود القماري لم يسلم من شغبنا، إذ كنا نتسابق لشم رائحته. أذكر أيضا لهفتي للحصول على حصتي من التمر فقط لأنه «دْيال الحج».
قبل أن تذهب جدتي إلى الحج كنا قد ودعناها بـ«المسمعين والمتمنيات بالعودة بالسلامة» والزغاريد. وبعد عودتها استقبلناها بالزغاريد أيضا.
كانت النسوة يقبلن جبينها ويديها البيضاوين، فيما كانت عوانس العائلة متلهفات لمعرفة ما إن كانت تذكرتهن بالدعاء لهن لإزاحة النحس عنهن والفوز برجل من شباب الجيرة والعائلة.
لم يكن يهمني وقتها من أمر الحضور غير السماح لي بالاستمتاع بحضن جدتي، الذي كنت افتقدته كثيرا، إذ كنت حفيدتها المدللة.
كنت صغيرة، وكانت أذناي أشبه بلاقط هوائي، ولا تنفكان عن التقاط كل التفاصيل الصغيرة، التي كانت الأمهات يرددنها على مسامعنا بكون الحج «يحيد الذنوب»، ويطهر الحاج مما اقترف في السابق من معاص في حق نفسه وفي حق ربه وفي حق العباد، لدرجة أنه يعود من زيارة «بيت النبي» كما ولدته أمه، صفحة بيضاء بدون بقعة.
أذكر حينها أني كنت أنظر إلى جدتي التي كانت تلبس البياض وكأنها ملاك نزل لتوه من السماء.
كان الحج وقتها امتيازا لا يحظى به إلا ذو مال، بينما كان الفقراء عاجزين عن التمتع بـ«صك الغفران». كانت جدتي تردد بأن فريضة الحج لا يستطيعها سوى «المرفحين».
لا أدري لما كان هذا الإحساس مستوليا على جدتي. حين كنت أسمع كلامها هذا كنت أتأسف داخلي على «السرّاح» الذي كان يرعى الغنم لجدي، وكذا «امي فاطنة» التي كانت «تحلب لأمي البقر»، لأنهما لن يكون بمقدورهما أداء فريضة الحج.
كنت أشفق عليهما لأنهما سيموتان دون أن يستطيعا الذهاب إلى الحج لينالا المغفرة كما فعلت جدتي. آنذاك كنت أعتقد أن المغفرة أشبه بنقطة الامتحان التي كان المعلم يسلمها لنا.
في ذاك الوقت الأشبه بالحلم كانوا يرددون على مسامعنا أيضا بأن السياسة لا يمارسها سوى «فاسة» لأنهم «مرفحين»، وأن «الشلوح» يحسنون التجارة لأنهم غير مبذرين، وأن «البغلي» وبيع «الهندي» من اختصاص «العروبية» لأنهم لا يصلحون سوى للأعمال الشاقة. لا أعرف إن كان السيد كارل ماركس يوافق على هذا الرأي أم لا.
حين كبرنا وبدأت العديد من الأمور تتضح في عقولنا، كما بدأت العديد من الأحلام تتساقط وتذوي، بدأت ألاحظ أن أشياء كثيرة مما كنت أسمعها لم تتغير كثيرا، وكان أكثر صدمة بالنسبة إلي أن أشباه «السرّاح» و«امي فاطنة» وبقية«المزاليط» لا يزالون خارج دائرة «الوزيعة»، رغم أكثريتهم في هذا البلد، فلا هم يستطيعون الذهاب إلى الحج طمعا في الثواب والمغفرة، كما كانت تقول جدتي، ولا هم يستطيعون استغلال خيرات هذه المملكة السعيدة، التي لا «يتذوق» سعادتها إلا أصحاب «البيزنيس» والمناصب العليا، وما يدور في فلكهم .
إنهم لا يحسنون سوى التفرج على كعكة الوطن وهي تقتطع بين الأثرياء وذوي المصالح والسياسيين، ويحلمون، فقط يحلمون، بأن أيديهم ستمتد هي الأخرى، يوما ما، إلى هذه الكعكة، هذا إن ترك لهم «المرفحين» شيئا.
ساحة النقاش