<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = إدريس الكنبوري
القاعدة وداعش… تحول الباراديغم
أبريل 17، 2015، العدد: 2659
تحول الاهتمام المتزايد بتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلى حجاب سميك يخفي تنظيم القاعدة، فكلما زاد التركيز على تنظيم «داعش» خفت الاهتمام الذي يُولـَى إلى التنظيم الذي شغل الناس والعالم لمدة تزيد على عشر سنوات، إلى حد أن بعض الأبحاث الأمريكية بدأت تطرح مثل هذا السؤال: هل مايزال ممكنا الحديث عن تنظيم القاعدة باعتباره «تنظيما»؟
تنطلق تلك الأبحاث من مجريات الصراع بين التنظيمين على التموقع الاستراتيجي فوق هرم الفكر الجهادي العالمي، والزحف المضطرد لتنظيم «داعش» في العراق وسوريا، ونجاحه في استقطاب الآلاف من المقاتلين الفرادى أو المنضوين تحت تنظيمات جهادية، من خلال بيعة الأمراء المحليين لأبي بكر البغدادي الذي بات الجهاديون ينظرون إليه كخليفة، انطلاقا من المنظومة الفكرية التي تجمعهم، وفي إطار التصور العام الذي يملكونه لمفهوم الخلافة.
الكثير من الدراسات في الفكر الجهادي تنظر إلى التنظيمين من منطلق القطيعة بينهما، لكن مكمن الخلط يوجد في عدم التمييز بين القطيعة التنظيمية والقطيعة التنظيرية؛ بينما واقع الحال أن القطيعة بين التنظيمين هي قطيعة على المستوى التنظيمي لا على المستوى التنظيري، ذلك أن تنظيم «داعش» يعتبر نفسه امتدادا لمشروعية تنظيم القاعدة على الصعيد الفكري والعقدي، وتجربة تنطلق مما أنجزه التنظيم في مرحلة مؤسسه أسامة بن لادن لكي يبني عليه مشروعه الجديد، ومن هنا فهو استمرار للأسس النظرية التي أرساها التنظيم السابق. أما على المستوى التنظيمي، فهو يعتبر أن تنظيم القاعدة لم يعد هناك ما يبرر وجوده، بعد إعلان «الخلافة»، وأن عليه، إذا أراد البقاء ضمن المشروع الجهادي العالمي، أن يلتحق بركب المبايعين للبغدادي، وإلا فعليه حل نفسه.
يعكس الاختلاف بين التنظيمين اختلافا في الباراديغم -أي الإطار النظري- الذي ظل يحرك الفكر الجهادي العالمي خلال الثلاثين سنة الأخيرة. ويمكن تقسيم هذا الإطار النظري إلى قسمين: الأول هو الذي سيطر على الفكر الجهادي منذ نهاية حرب أفغانستان، مرورا بتفجيرات الحادي عشر من شتنبر 2001، إلى مرحلة الربيع العربي؛ والقسم الثاني هو الذي بدأ مع هذا الأخير ومايزال مستمرا إلى اليوم، وهو مرشح للتطور التلقائي في حال ما إذا لم يتم التصدي له بكل العدة الفكرية والدينية والعسكرية.
وقد مثـَّل تنظيم القاعدة الشكل التنظيمي الأنسب للمرحلة الأولى، فقد تكون فكر التنظيم في سياق الحرب مع الاتحاد السوفياتي، أي مع العدو البعيد بالمفهوم السائد في الأدبيات الجهادية، ومن ثم تطور ونما في ظل فكرة القتال ضد الأجنبي، ومن هنا تركيزه على اختطاف الأجانب واستهداف النصارى وتنفيذ هجمات ضد الدول الأوربية في عمقها الترابي. وبالموازاة مع ذلك، لم يكن التنظيم يشغل نفسه بإنشاء دولة أو إعلان خلافة أو احتلال مواقع والمكوث فيها، بل كان يتسم بطابع متحرك، ويتبع استراتيجيات متباينة وفق ساحات العمليات التي ينفذها.
مع اندلاع أحداث الربيع العربي في سنة 2011، تغير الباراديغم الذي يسند النزعة الجهادية العالمية، إذ لم يعد تنظيم القاعدة الشكل التنظيمي الأنسب للمرحلة الجديدة، بالنظر إلى أن تلك الأحداث شهدت رواج مطالب سياسية مختلفة عن تلك التي كان يحاول التنظيم الإجابة عنها في السابق؛ فهتافات الشوارع العربية لم تكن تطالب بطرد المحتل، مثلا، أو قتال الأوربيين أو حتى تحرير فلسطين، بل ببناء الديمقراطية وإرساء العدالة الاجتماعية والمساواة، أي أن الهدف أصبح يتمثل في بناء أنظمة سياسية جديدة.
تلقف الفكر الجهادي هذه النقطة وبنى عليها استراتيجية جديدة، تتمثل في التسلل عبر حالة الفوضى في العالم العربي وطرح نفسه كبديل. وقد سعى عدد من الجماعات السلفية المتطرفة إلى الركوب على تلك الأحداث، لكنه اصطدم بحالة الرفض من لدن الشارع، وبالأخص من الجماعات الإسلامية المنتمية إلى التيار الإخواني، التي كانت تريد قطف ثمار الأحداث وتحييد السلفيين الجهاديين. وكان طموح الفكر الجهادي الجديد بناء دولة على النمط الحديث، بعد مراجعة إرث تنظيم القاعدة من ناحية، وإعادة زيارة الفكر الوهابي الذي انطلق في القرن الثامن عشر بهدف بناء دولة في شبه الجزيرة العربية، من جهة ثانية؛ وقد تمثل هذا النموذج الجديد في تنظيم «داعش»، الذي يطرح نفسه وريثا لتركة القاعدة وتراث محمد بن عبد الوهاب في ذات الوقت.
بيد أنه ربما كان محض مصادفة أن يتزامن مقتل أسامة بن لادن،في ماي 2011،مع اندلاع شرارة الربيع العربي في نفس الفترة، فكأن مقتله كان بمثابة إغلاق قوس تنظيم القاعدة وفتح قوس جديد في الفكر الجهادي التكفيري العالمي، هو الذي حصل مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ولكن التاريخ في جملته غالبا ما يسير بالمصادفات التي تبدو في ظاهرها نوعا من العبث، إلا أنها تؤسس لتحولات جذرية تصبح وقائع تنسي المصادفة.
ساحة النقاش