<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
ستظل مصر العسكرية ترقص.. سواء بصافيناز أو بدونها
أبريل 23، 2015، العدد: 2664
أحلى مهنة في مصر هي الرقص،فالراقصة تستمتع وتـُمتع؛ وفوق هذا وذاك، فإنها لا تؤدي الضرائب لأنها ثروة وطنية، كما أنها تعتبر قوة كبيرة في المجتمع المصري،إلى حد أن الراقصات هناك ينافسن السياسيين والجنرالات في السلطة والنفوذ، واسألوا فيفي عبده، مثلا، كيف يمكنها أن تقلب المطر إلى صحو بمجرد مكالمة هاتفية.
ظاهريا، فإن الرقص في مصر لا علاقة له بالسياسة، لكن الحقيقة أنه يوجد في عمق السياسة لأنه يلعب دورا محوريا في الحفاظ على ثوابت الأمة وصيانة مكتسباتها وتاريخها لأن الأمة التي لا ترقص أمة تافهة، لذلك فإن القاهرة، التي تسمى بـ«مدينة الألف مئذنة»،تسمى أيضا مدينة المائة ألف راقصة. صحيح أن الفرق شاسع بين الرقمين، لكن يجب أن تفهموا الدور الضئيل الذي يمكنه أن تلعبه مئذنة مسجد مقارنة بالدور الرهيب لأرداف راقصة. كونوا واقعيين وستفهمون بالتأكيد.
لكن الرقص في مصر عانى من أزمة خطيرة بعد ثورة 25 يونيو وسقوط مبارك، حيث بدا أن الراقصات يفكرن فعلا في الرحيل أو الاعتزال، خصوصا وأن «أم الدنيا» تحتضن آلاف الراقصات من كل الجنسيات، وبعضهن جئن من فرنسا وروسيا والولايات المتحد ة الأمريكية وإسرائيل وغيرها، لهذا كان لا بد من القيام بثورة مضادة، فتم القيام بثورة 30 يونيو التي يُعتقد، والله أعلم، أن الراقصات لعبن فيها دورا محوريا، حيث نزلن مجددا إلى ساحة التحرير وطالبن بوأد ثورة الشعب وقيام ثورة العسكر، فجاء الجنرال السيسي إلى الحكم وخرجت راقصات البلاد إلى الشوارع يزغردن فرحا بثورة استعادة زمن مبارك، وتم إطلاق سراح كل السياسيين القدامى الذين يسجل لهم التاريخ بمداد من ذهب أنهم لم يتركوا راقصة كبيرة ولا صغيرة إلا واستضافوها في غرف نومهم.
لكن الأشياء الرومانسية تخفي،أحيانا، مفاجآت غير متوقعة؛ففي الأيام القليلة الماضية ارتجـَّت مصر بعد أن تم الحكم على الراقصة الشهيرة«صافيناز» بستة أشهر حبسا بتهمة إهانة العلم الوطني بعد أن أدت رقصة مثيرة بلباس شفاف جدا يحمل ألوان علم مصر؛لكن القضاء المصري الشهم فتح لها باب الإفلات من الحبس إذا أدت إلى صندوق المحكمة غرامة تقدر بأقل من خمسة ملايين سنتيم، وهذا لعمري أرخص علم وطني في الكون مادام ثمن الخروج من تهمة إهانة الوطن أقل من ثمن سيارة مستعملة. لكن ربما شعر قضاة مصر الأشاوس بأن صافيناز لم تأت جرما كبيرا وأن كل ما أرادته هو إثارة الغرائز أو الأحاسيس الوطنية النبيلة، تماما كما يفعل عشرات المذيعين والمذيعات في القنوات الفضائية المصرية من شروق الشمس إلى طلوع الفجر.
الراقصة صافيناز أدركت أن المواطنة الحقيقية هي الشعور بشيئين في وقت واحد، حب الوطن والإثارة الجنسية، لذلك توشحت بالعلم المصري وجعلته شفافا جدا حتى يستنهض كل «القوى الحية» في المحروسة مصر، ورقصت به في حفل خاص بمنتجع سياحي بشرم الشيخ، لكن المشكلة أنها وجدت نفسها في المحكمة.
مسكينة صافيناز.. لقد رأت الكل يرقص في مصر باسم الوطنية فقررت أن ترقص هي أيضا بعلم شفاف جدا. سمعت، أيضا، أناسا يقولون إن السيسي أفضل من محمد رسول الله، فاعتقدت أن تحويل علم مصر إلى ملابس داخلية سيكون قمة الوطنية.
لكن ما تعانيه الرائعة صافيناز سببه العسكر أساسا؛ فهؤلاء، وبعد قيامهم بالانقلاب الثوري على الشعب، حرصوا على أن يعيدوا إلى الرقص معنوياته التي انهارت بعد انتفاضة 25 يناير، لذلك حرّضوا الراقصات والمغنين والمغنيات على الهتاف باسم العسكر في اللقاءات والحفلات،وهو ما حدث في المغرب أيضا عندما جاءت إلى المغرب المغنية المصرية شيرين،وأقامت حفلا في تطوان وهتفت بعبارة«يحيا السيسي»،فـ«تقربل»الحفل وهتف الجمهور«يحيا مُرسي»،فاتهمت الفضائيات المصرية الإخوان في المغرب بمحاولة قتل شيرين، وهو شيء طبيعي لأن الفضائيات نفسها اتهمت الإخوان من قبل بالمسؤولية عن انقراض الديناصورات وغياب الحياة على كوكب المريخ وانتحار هتلر نهاية الحرب العالمية الثانية وأشياء أخرى كثيرة.
قبل قرون طويلة، أبدع شاعر فذ وحكيم ورائع اسمه أبو الطيب المتنبي. قال هذا الشاعر يوما:
كم ذا بمصر من المضحكات // ولكنه ضحك كالبُكا..
واليوم، لا شيء يدل على أن مصر خرجت من زمن المضحكات المبكيات في مثل هذا الجو من تمجيد الانقلاب، لذلك اعتقدت الراقصة صافيناز أن الرقص بعلم مصري شفاف شيء طبيعي في وقت يرقص فيه الجميع باسم الوطنية، لأنه من أجل إخفاء أنهار الدماء التي أريقت في الانقلاب، لا بد من الكثير من الرقص… وستظل مصر العسكرية ترقص ما شاء الله لها أن ترقص.. سواء بصافيناز أو بدونها.
ساحة النقاش