<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
الرباط.. مدينة متميزة حتى بمُسْلميها!
أبريل 03، 2015 العدد: 2647
الرباط مدينة لا تتغير كثيرا.. إنها تشبه الجبن الفرنسي الذي كلما طال أمد تخزينه، ازدادت رائحته قوة؛ لكن ليس من الضروري أن تكون الرائحة القوية دليلا على لذة استثنائية.
الرباط مدينة غارقة في المتناقضات.. هي عاصمة رتيبة، يجتمع فيها ما يتفرق في غيرها. فيها ربطات عنق بلا حدود، وفيها بؤس بلا سقف؛ فيها آلاف الموظفين الذين يتباهون كل صباح بمعاطفهم ومحافظهم السوداء الأنيقة، وفيها آلاف المحتالين والمتسولين الذين يتنافسون كل صباح في عرض عاهاتهم واحتيالاتهم كأنهم على خشبة مسرح مفتوح 24 ساعة في اليوم.
في الرباط تقف سيارة فارهة عند الضوء الأحمر وخلف المقود سائق متجهم بنظارات سوداء وربطة عنق داكنة، وفي الخلف شخص لا وقت لديه حتى للنظر إلى من حوله لأن مشاغله تمنعه من أن ينتبه إلى وقوف دراجة بثلاث عجلات قرب أنفه وعليها امرأة كئيبة مع حفنة من العيال لا أحد يدري ما إن كانوا أبناءها وهي بصدد توزيعهم على المدارس، أم هم أطفال للكراء ستوزعهم على متسولين في أنحاء الرباط، أم لا هي هذه ولا هي تلك.
في الرباط أحياء جديدة يانعة بالخُضرة والوجه الحسن ويقطنها الناس الذين «ولا بد منهم»، وفي الرباط أحياء البؤس التي يسكنها الناس الذين ظهروا إلى الوجود صدفة فحارت الحياة في ما هي فاعلة بهم؛ في الرباط فيلاتُ وقصورُ الأغنياء الجدد في الرياض وطريق زعير وغيرها، وفي الرباط أحياء مثل «التقدم» و«المعاضيد» و«دوار الحاجة» للفقراء الجدد والقدامى، وفقراء المستقبل أيضا.
في الرباط يوجد «الطرامواي» الذي غير وجه المدينة وجعل كثيرين يقتنعون، بعد طول جهد، بأن هذه المدينة هي العاصمة فعلا، لكن «الطرامواي»، العصري جدا، لايزال يدهس، بين فينة وأخرى، سكارى مستعجلين أو قرويين لا يعرفون أصلا لماذا توجد قطع حديد في صلب الإسمنت، أو يضرب بغلا شاردا في قلب المدينة، أو يصطدم حتى بسيارات يعتقد أصحابها أن السباق مع «الطرامواي» جائز شرعا.
متسولو الرباط.. وآه من متسولي الرباط.. يعتقدون أن الصدقة في حقهم تشبه الضريبة الإجبارية، لذلك فإن عاصمة المغرب توجد ضمن أكبر عواصم العالم من حيث أعداد المتوسلين بها.. جرّبوا أن «تضربوا دورة» في قلب المدينة صباح الجمعة قبيل صلاة الظهر، وسترون.
في الرباط، أيضا، متسولون من نوع خاص يليقون بقيمة هذه المدينة وتليق بهم هذه المدينة.. يرتدون ربطات عنق ويحملون محافظ سوداء ويتظاهرون بأنهم جاؤوا من مدينة بعيدة لقضاء غرض إداري مهم فتقطعت بهم السبل.. إنهم يمارسون مع الناس نظرية «ارحموا عزيز قوم ذل».
الرباط مدينة جريئة في كل شيء، فمـُهرِّب المخدرات، الذي جاء من مدينته البعيدة بعد أن أصبح برلمانيا، يتصرف وكأنه تاجر بخور؛ والطالبة الجميلة، التي تحولت إلى عاهرة محترفة مع كبار القوم، تعتبر نفسها سليلة رابعة العدوية؛ وابن المسؤول الكبير، الذي «يُنفـِّح» الكوكايين ويغتصب القاصرات، يغضب كثيرا حين لا يحييه شرطي المرور؛ والوزير السابق يصر على أن يناديه الجميع بعبارة «معالي الوزير» حتى لو كان تخلى عن وزارته قبل نصف قرن؛ وأبناء «ليسي ديكارت» يتحدثون الفرنسية بمنطق «أنا أتكلم الفرنسية إذن أنا موجود» ويعتقدون أنهم أهم من الطلبة الأمريكيين الذين يتعلمون إرسال الصواريخ إلى الفضاء.
لكن هناك أشياء تغيرت في الرباط، فالرباطيون لم يعودوا يصفون السلاويين بكونهم «يحمقون» بعد العصر. هذه مقولة قديمة اكتشف الناس معناها مؤخرا حين فهموا أن السلاويين كانوا يجرون كالحمقى بعد العصر لأن المدينة كانت تقفل أبوابها قبيل أذان المغرب،والويل لمن بقي خارج أسوار المدينة لأن اللصوص وقطاع الطرق سيفعلون به العجب.مع مرور الوقت، صار اللصوص يتمركزون في الرباط ويركزون على الميزانيات ولا يهمهم ما إن كانت توجد داخل الأسوار أو خارجها.
نهر أبي رقراق لايزال كما كان حاله قبل مئات أو آلاف السنين، كل ما حدث هو أن سمك «الشابْل» انقرض كما انقرضت أشياء كثيرة من حياة المغاربة. في أقصى مصب هذا الوادي توجد إمارة القراصنة، إنها قلعة «الوداية» التي يمر منها كل يوم عشرات الآلاف من الناس دون أن يدروا أن هذا المكان صنع تاريخا فريدا خلال قرون، أيام كان القراصنة الأندلسيون يزرعون الرهبة في البحار والمحيطات. اليوم، من النادر أن تجد الرباطيين والسلاويين يذكرون شيئا عن ماضي أجدادهم الأندلسيين الذين كانوا يسمون «مسلمينْ الرّباط»، والسبب هو أنهم نزحوا من الأندلس شبه نصارى، بلغتهم وأزيائهم وملامحهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعندما جاؤوا إلى الرباط وسلا اعتقد المغاربة أنهم نصارى،لكنهم كانوا رحماء بهم وأطلقوا عليهم اسم«مسلمي الرباط»، تمييزا لهم عن باقي مسلمي العالم.
ساحة النقاش