<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = محمد الأشهب
متاعب الغاز الصخري
لا تغيير في الموقف الروسي من قضية الصحراء. تلك أهم خلاصة يمكن استنتاجها من تصريح السفير المغربي في موسكو الذي أعاد التأكيد بأن روسيا تدعم الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة. غير أن أهمية الاستخلاص هاته تأتي من كون التصريح جاء في أعقاب تحركات كثيفة لقادة جبهة بوليساريو الانفصالية في اتجاه روسيا.
فقد توجه وفد الانفصاليين إلى موسكو، مباشرة بعد زيارة الموفد الدولي كريستوفر روس إلى المنطقة، وكان طبيعيا أن يتوقف في الجزائر لأخذ التعليمات، ومحاولة نقل الموقف الجزائري الذي يواجه مأزقا حقيقيا على صعيد العلاقة مع روسيا. ليس أبعدها أن الجزائر انحازت إلى أطراف غربية في أزمة أوكرانيا، وحاولت مقايضة المواقف، لناحية التستر على الأزمة الخانقة التي تجتازها البلاد، بوعود سخية حول استبدال أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا بأخرى جزائرية، في إطار حرب العقوبات الاقتصادية المفتوحة.
تراجع حماس بوليساريو إزاء زيارة وفد الانفصاليين إلى موسكو، لأن مستويات استقباله كانت متدنية جدا، لا تزيد عن رفع الحرج، ولم يصدر عن مراكز القرار الروسي ما يفيد بحدوث أي تغيير مبدئي. خصوصا وأن مسؤوليات موسكو كقطب دائم العضوية في مجلس الأمن دأبت في السنوات الأخيرة على التزام مواقف داعمة لتوجهات المجتمع الدولي إزاء ملف الصحراء. لكن الغريب أن في الوقت الذي اقتنعت فيه موسكو وحلفاؤها بنهاية الحرب الباردة، إلا في نطاق ضيق جدا لن يعود بالعالم إلى الوراء، لا تزال الجزائر تبني سياساتها على منطق تلك الحرب المنتهية، خصوصا في قضية الصحراء.
في ذروة صراع الصحراء القائم بين الوحدة والتجزئة، وبين السيادة والانفصال، وبين الشرعية والأضاليل، احتفظت الرباط وموسكو بعلاقات تقدير، تطورت من المجال الاقتصادي إلى قطاعات تتكامل مع بعضها، ثم توجت باتفاق شراكة استراتيجية، أثناء أول زيارة قام بها الملك محمد السادس إلى روسيا. وأدرك الروس أن المغرب شريك يعتد بصداقاته، يتحدث بصراحة ويختار طريقه، وفق ما تمليه اختياراته المبدئية، وكذلك شرع الأصدقاء الروس في ترصيع وترسيم صفحات جديدة في العلاقة مع المغرب.
لا تغير الدول الكبرى درجات التزاماتها بنسبة المائة وثمانين درجة، فهذه ليست سياسة، بل بهلوانيات سياسية. وقد تعودت الجزائر على هذا النوع من تلوينات المواقف التي تباع وتشترى في بورصة الأرصدة والحسابات المدفوعة.
ولأنها تفكر بمنطق «الدولة الكبرى» فقد اهتمت بشراء المواقف والبيانات من رأسمال الشعب الجزائري، كي تبدو دولة مؤثرة لها بعض النفوذ. وتمكنت منها هذه العقدة إلى درجة التناقض. فهي من جهة تقول أنها ليست طرفا في النزاع الإقليمي حول الصحراء، لكنها من جهة ثانية، تكون أول من يصدر المواقف ويعارض توجهات المجتمع الدولي. علما أن من ليس طرفا ليس مطلوبا منه كل هذا الحماس الزائد، إلا أن يكون التسرع في إصدار المواقف فاضحا لتناقضات الموقف الجزائري.
روسيا لها خلافات مع الدول الغربية، هذه مسألة تحصيل حاصل، بالنظر إلى رؤيتها للتوازنات الدولية والاستراتيجية. لكن هذه قضية الموقف من التوتر الإقليمي في منطقة الشمال الإفريقي شيء آخر، وثمة سوابق موحية في هذا الاتجاه. من قبيل أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن لم تحد عن المسار المتفق عليه حول الحل السياسي. فالأمريكيون لا يخفون دعمهم لخيار الحكم الذاتي، والفرنسيون عبروا مرارا وتكرارا عن الانحياز التام للطرح المغربي المستند إلى أوفاق الشرعية الدولية وعدالة القضية الوطنية، فيما البريطانيون يميلون دائما إلى مساندة جهود الأمم المتحدة، أما الموقف الصيني فلم يخف تمسكه بالسيادة المغربية، منذ اليوم الأول لاندلاع النزاع. وبالتالي، فإن موسكو، من موقعها القوي والمؤثر اختارت بدورها مسايرة الشرعية الدولية التي يعتبر خيار الحكم الذاتي أفضل تجسيد لقوانينها وآلياتها في الجانب الذي يطال تقرير المصير.
لا تريد الجزائر وصنيعتها الإذعان لسيرورة التحولات الدولية، كما ترفض الامتثال لالتزاماتها أمام الأمم المتحدة، كدولة تأوي حركة انفصالية مسلحة، تعمل بكل الوسائل من أجل تقويض السلم والأمن والاستقرار في المنطقة. ولعل الضربة القوية التي تلقتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من الحليف الروسي، ما قد يجعلها تعاود الحساب في رهانات خاسرة. فقد جلب عليها الغاز الصخري ما لم تكن تتصوره من المتاعب الداخلية والخارجية، لأنها لا تريد الإقرار بحجمها الطبيعي كدولة لم تقدر بعد على الاندماج في سياق التحولات العصرية التي تنبذ التجزئة والتقسيم.
ساحة النقاش