<!--
<!--<!--
فلاش بريس = إيمان ملال
العولمة وقشور التطور
إننا نفتخر بكون العالم قد أصبح قرية صغيرة، فشبكات الاتصالات تغطّي كلّ الأمكنة. أصبح بإمكاننا الآن أن نسعَد لأن زمن الانغلاق و العزلة وانتظار ساعة بث الإذاعة لبعض الأخبار كي نعرف ما الذي يجري في العالم قد أصبح مجرد سيناريو لفيلم كوميدي قصير نمضي به استراحة ما بعد الظهيرة قبل أن نواصل أشغالنا. كما أن الوقوف في طوابير المكاتب العمومية لأجل إرسال برقية عاجلة لشخص بعيد جداً يبدو الآن مجرد كابوس قد استفاقت منه البشرية بعد مخاض عسير.
إن مفهوم القرية الصغيرة هو نتاج العولمة التي تتباهى بكونها قد نجحت في توحيد العالم على مستويات متعددة. مجتمعات متداخلة فيما بينها عن طريق شبكات التواصل التي تلغي الحدود وتنقلها إلى عوالم افتراضية مفتوحة أصبحت تعيش الأنماط ذاتها. كان من أبرز ما سطّرته العولمة لها كأهداف هو دمج القيم والهويات المختلفة في قالب واحد. وهنا تحولت من مُنبّه أيقظ البشرية من كوابيس أزمنة البطء والانغلاق والصّرامة إلى مخدّر أدخلها كابوساً آخر لا يمكنها أن تكتشفه ما دامت تحت تأثير الدهشة التي طالت كثيراً.
الدول الكبرى صنعت قوانين اللعبة، وأجبرت بقية الدول على أن تلعبها معها دون مناقشة. و على طريقة حصان طروادة، كان الاغتيال الاقتصادي لهذه الدول هي الورقة الرابحة التي سمحت بجعل المال مجرد محرّك لأنظمة أخرى تحاول أن تزرع مبادئها في كلّ مكان تستقر فيه تحت مسميات التنمية والمساعدة على تجاوز الأزمات الداخلية والخارجية.
ما يدعو إليه العقل المتعصّب لمواجهة هذا الكابوس الجديد هو المقاومة السّلبية. أي ارتداء جلباب العزلة في مواجهة التطور السريع لشبكات التواصل، ومحاولة العيش في الماضي على ضوء التراث وحده، غير أن هذه الدعوة بالذات ما أدى إلى صناعة حركات متشددة حملت السّلاح في مواجهة الأفكار وعجزت عن المناظرة.
نفقد كلّ يوم جزءاً من هويتنا التي تذوب في وعاء واحد هو الهوية الكونية، وبعد سنوات فقط سنعيش في عالم يصعب فيه أن نحدد من نكون بالضبط. غير أنه يمكن المُسايرة دون فقدان الحبل الأخير الذي يربطنا بهويتنا، وذلك بالتساؤل أمام قيم العولمة وإخضاعها للغربلة، فليس كلّ شيء صالحاً فقط لأن القوى الكبرى تروّج له، ولقد رأينا كيف أن انهياراً اقتصادياً في أمريكا جرّ معه اقتصاديات أوروبية كبرى للهاوية. وهذه مجرد أحداث تاريخية مباغتة تذكّرنا بأن توحيد الأنظمة العالمية ما هو إلا تسهيل لمهمّة الإطاحة بها تماماً كقطع «الدومينو» التي تتساقط تباعاً عندما تقعُ القطعة الأولى.
يجب أن تتوقف مرحلة الدهشة أمام هذا التطور الذي يغزو العالم، كما أن المرور لمرحلة التفكير والنقد قد أصبح ضرورياً. لعلّنا بحاجة لعولمة العمق وليس لعولمة المظاهر، فليست الساعات التي نقضيها أمام الحواسيب ما سيجعلنا نحلّ مشاكلنا، وليست الهواتف الذكية ما سيرفع معدلات ذكائنا.
ساحة النقاش