<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = جمال بدومة
»سبّاط الدستور«
العدد :2604 12-02-2015
في بداية الثمانينات، كنا نعتقد أن «الدستور» نوع من أنواع الأحذية، لأن «السباط» الأكثر رواجا في مدينتنا كان يطلق عليه «سبّاط الدستور»، وهو عبارة عن حذاء مطاطي، بلون أسود في غالب الأحيان، مع نقوش صغيرة على مقدمته المثلثة، يباع في السوق الأسبوعي والمحلات التجارية وعند بعض بائعي «الزريعة» والخضار، يلبسه الصغار والكبار، النساء والرجال، كل الفقراء وبعض الأغنياء. عندما كبرنا، أصبحنا نفرق بين «الدستور» الذي يمشي به الفقراء و«الدستور» الذي تمشي عليه البلاد، لكننا لم نفهم يوما سبب تسمية أرخص حذاء في السوق بأسمى قانون في البلاد !
يبدو أن للأمر علاقة بالأزمة الاقتصادية التي كان المغرب يتخبط فيها نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، بعد أن أصبحت البلاد تحت رحمة ما كان يعرف ب«سياسية التقويم الهيكلي» وما رافقها من «خطط تقشفية»، لم نكن نفهم معناها هي أيضا، رغم أنني شخصيا كنت متأكدا أنها ترتبط ب«الأكل»، من اليوم الذي شاهدت فيه حشودا غفيرة وسط المدينة تحمل لافتات وتهتف في فاتح ماي: «سياسة التقشف... شي يأكل وشي يشوف». أكل أرزاق الفقراء، على وجه التحديد ! منذ سمعت ذلك الشعار المهيب، ظلت كلمة «التقشف» تذكرني بالفقيه الذي درّسنا في الكتّاب. كان فقيها متعدد الاختصاصات: يدرس الصغار ويصلي بالناس وبين المسجد والكتّاب يملك دكانا يبيع فيه المواد الغذائية. كل جمعة، كان الجيران يرسلون للأطفال قصعة كسكس، ما إن يتسلمها الفقيه حتى ينادي على معاونه في الدكان كي يأتي ل«يعاونه» على الوليمة الدسمة، أمام أطفال يسيل لعابهم. كان الفقيه ورفيقه «يضربان كسكسو» ونحن ننظر. هذه هي سياسة التقشف... «شي يأكل وشي يشوف» !
الأطفال يعطون للكلمات معان مضحكة أحيانا، ترتبط بخيالهم الصغير وحالتهم النفسية. مرة وجدت ابن الجيران عائدا من المدرسة وسألته «آش قريتو ليوم؟» رد عليّ باستظهار سورة «لإيلاف قريش»، وحين سألته ماذا تعني «قريش؟»، فكر قليلا وأجاب بعفوية مدهشة: هي القريشلة... كان المسكين يفكر بأمعائه، بعد أن قضى نهاره جائعا في المدرسة.
الحذاء المطاطي كان بندا من بنود سياسة التقشف. تعويض الجلد بالمطاط يساعد في توفير ملايين الدراهم، التي كانت تصرف على صناعة أحذية تريح أقدام الشعب وتتعب ميزانية الدولة. ارتداء الحذاء المطاطي غير المكلف «واجب وطني»، حفاظا على ميزانية المملكة، لذلك استحق أن يسمى «سباط الدستور». المشكلة أن المطاط رخيص لكن الرائحة مكلفة. كانت العطور التي تخرج من الأرجل تصيب بالدوار، لأن الحذاء «الدستوري» يمنع القدم من التنفس. في المدرسة، تعودنا على هذه الرائحة حتى بات من الصعب علينا التركيز في غيابها. عطور فتاكة. كان معظم الأطفال يخرجون أرجلهم من الحذاء كي «تتنفس» استعدادا لجولات طويلة من «لاماراي» في الاستراحة. إحدى خصائص «سباط الدستور» أن من يلبسه يصبح بارعا في لعبة «لاماراي»، أو «الشريطة»، لأنه يستطيع دفع الحجر بمقدمة الحذاء المثلثة، مهما كان الحيز ضيقا بينها وبين الخط الذي لا ينبغي مسه، كما تقضي قواعد اللعبة. في تلك السنوات الساذجة، كان يخيل إلينا أن «سباط الدستور» صنع خصيصا للعبة «لاماراي»، التي كنا نتطفل عليها من حين لآخر، قبل أن نفهم أن «الرجولة» تقتضي التضحية ببعض الأشياء المسلية، وفي مقدمتها هذه اللعبة المخصصة للبنات.
فيما بعد، صارت المصانع «الدستورية» تتفنن في إبداع أصناف الأحذية المطاطية الرخيصة. أشكال وألوان مختلفة، رغم أن الأسود بقي مهيمنا على السوق، و PUMA» » ظلت أكثر «الماركات» رواجا. هكذا ظهر الحذاء الرياضي الشهير: «خوينزة» أو «مخينيزة»... تختلف التسميات والرائحة واحدة. بخلاف «سباط الدستور» العادي، الذي لا يصلح إلا للمشي و«لاماراي»، كات «مخينيزة» عبارة عن تقليد وفيّ للحذاء الرياضي الذي يلبسه لاعبو كرة القدم، بأشرطة و»ديزاين» محترمين، تجعل صاحبها يتبختر وسط الملعب، كأيّ رياضي محترف، لكن عليك أن تبتعد مسافة محترمة عنه عندما يخلع الحذاء في نهاية المباراة... وإلا سقطت مغشيا عليك!
ساحة النقاش