<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
20 فبرايـر 2011.. 20 فبرايـر 2015.. ماذا تغير؟
العدد :2604 12-02-2015
أشياء غريبة تجري هذه الأيام، وكأن الزمن عاد سريعا إلى الوراء ووضعنا في مرحلة ما قبل 20 فبراير 2011، مع أننا نعيش اليوم قبيل 20 فبراير 2015.. ويا لها من سخرية عجيبة للأقدار.
قبل سنوات، وعندما كانت حركة 20 فبراير «تسخّن» خطاباتها ضد الفساد، كان المغرب يعج بكثير من الاختلالات والصراعات وتبادل التهم الثقيلة بين شخصيات بارزة في الحكم والمعارضة، إلى درجة أن كثيرين قالوا وقتها إن الزمن المغربي على وشك أن يتغير بالكامل كما تغير زمن عدد من البلدان العربية.
وقتها، كان الصراع شرسا وثنائيا بين المعارضة والموالاة.. المعارضة كانت ممثلة في حزب العدالة والتنمية، والموالاة مثلها حزب جديد يسمى «الأصالة والمعاصرة».
وقتها، كانت هناك، أيضا، صراعات شخصية شرسة، من أبرزها ذلك الصراع العجيب بين «المعارض» عبد الإله بنكيران، وبين «الحاكم» إلياس العماري، الذي كان يبدو وقتها رجلا من رجال العهد الجديد، وهو عهد لم يتوقع أحد أنه سينقلب على قفاه، ولو مؤقتا، بعد أن انقلبت عربة التونسي البوعزيزي.
مرت الأيام سريعا وجاء المعارض بنكيران إلى رئاسة الحكومة «مهزوزا» على عمارية احتجاجات حركة 20 فبراير وموجة الخوف الشديد من الربيع العربي، وصارت أسطورة «البام» مجرد خرافة تحكيها الجدات للأطفال قبل النوم كنموذج للأسد الذي تحول إلى قط.
مرت السنون سريعا، وها نحن، مرة أخرى، على بـُعد بضعة أيام من 20 فبراير 2015، مع أن هذا اليوم لا علاقة له بالماضي.. إنه مجرد يوم من أيام الله، تماما مثل أذان المغرب في يوم عيد الفطر، بالكاد ينتبه إليه الناس.
اليوم، يبدو وكأن كل ما جرى في الماضي مجرد أضغاث أحلام، فها هو رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي منحه الدستور الجديد صلاحيات واسعة وسلطات لم يغنمها أيُّ شبيه له في الماضي، يستعمل نفس اللغة التي كان يستعملها أيام زمان، ويتهم حزب «الأصالة والمعاصرة» بكونه حزبا بأصل تجاري فاسد، وأن رجـُله القوي إلياس العماري هو مجرد مافيوزي صنع ثروته الغامضة من وراء اشتغاله في السياسة، وأنه يقبض الملايير من هنا وهناك.
هذا الخطاب كان شبيها بخطاب الرجل حين كان في المعارضة، وها هو يستعمل العبارات نفسها والأسلوب نفسه وهو رئيس حكومة، رغم أن من صلاحياته أن يجر المافيوزيين نحو المحاكم، وإذا ثبتت التهم في حقهم فيجب أن يدخلوا السجن.
قبل 20 فبراير 2011، كان من الطبيعي أن يتفهم المغاربة التهم التي يوجهها بنكيران إلى خصومه على اعتبار أنه كان مجرد زعيم في المعارضة ولا يملك من أمر نفسه شيئا، لذلك كان يكتفي بإطلاق التهم في انتظار أن تتحرك الجهات الوصية. أما اليوم، فإن بنكيران هو «الجهات الوصية»، ومن الخطير حقا أن يقوم بوصف شخص ما بكونه زعيمَ عصابة بدون أن يتحرك القانون.
في نفس السياق الغريب الذي يسير فيه المغرب هذه الأيام، هاجم بنكيران شخصا اسمه حميد شباط، وهو الأمين العام لحزب الاستقلال، ووصفه بكونه يتلقى العمولات مقابل حماية تجار المخدرات، وهذه لوحدها تهمة لو تم إطلاقها في كولومبيا، معقل المخدرات في العالم، لانقلبت الدنيا ولم تقعد، لكنها مرت في المغرب مرور «الكيران».
لكن بنكيران، الذي يصوب طلقاته القوية تجاه خصومه، هو نفسه يتعرض لنفس الطلقات من جانب هؤلاء الخصوم، فشباط هو من وصف بنكيران بكونه ينتمي إلى «داعش»، وهو من وصفه بكونه جاسوسا، وهو من وصفه بأشياء أخرى ثقيلة، وهي كلها تهمٌ كان يجب أن توجد في ردهات المحاكم، لا على صفحات الجرائد وأشرطة اليوتوب.
اليوم، وقبل بضعة أيام من الذكرى الرابعة لظهور حركة 20 فبراير، يبدو أن الزمن يسخر من الجميع، فها هو حزب «العدالة والتنمية»قد صار جزءا أساسيا من النظام،وها هو حزب«الأصالة والمعاصرة»الذي كان على وشك الذوبان واختفى «مناضلوه» خلال الحراك الشعبي وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم، يعود من جديد إلى الساحة كتمساح مفتوح الشهية، تماما كما كان حاله قبيل 20 فبراير 2011.
نحن اليوم في فبراير 2015، وها هو المغرب لايزال غارقا في الفساد، وها هو بنكيران يعترف بفشله في جبهات كثيرة، وها هي الانتخابات الجماعية قادمة بكثير من مظاهر التخلف،حيث يستعد لها اللصوص وتجار المخدرات وكأن الزمن لم يتحرك قيد أنملة، وها هم السياسيون في أرذل لحظات الضعف والوهن،وها هي الأحزاب،كما كانت دائما،تبيع مبادئها بسعر التراب،وها هو الشعب لايزال ينتظر الرفاهية والديمقراطية والحرية والكرامة التي لم يجدها بين أوراق وسطور الدستور الجديد.
ساحة النقاش