<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس= رشيد نيني
حسابات وحسابات (2/1)
عندما نحاول فهم الأشياء خارج السياقات التي تقع فيها غالبا ننتهي بالخروج بتفسيرات واستنتاجات خاطئة،وفي أحسن الأحوال ناقصة ومبتورة.
مناسبة هذا الكلام هو استضافة صحافيين فرنسيين في برنامج بكنال بلوس لعلي بادو، ابن أخت ياسمينة بادو، لتسويق تحقيق صحافي يقومان به حول حسابات بنكية في الخارج للملك محمد السادس.
وعند سؤال علي بادو الصحفيين حول الأسئلة التي أرسلاها للسكرتير الخاص للملك، وهي الأسئلة المستفزة الشبيهة باستنطاق بوليسي لمتهم وليس استجوابا صحافيا للحصول على معلومات، أجاب أحدهما أنهما إلى حدود اليوم لم يكتبا التحقيق الذي سينشرانه في جريدة لوموند، لكنهما استكملا جميع عناصره.
سؤال بسيط: لماذا كل هذه الضوضاء الإعلامية المسبقة حول تحقيق لازال لم يحرر بعد؟ ألم يكن من المنطقي أن يؤجل هذا النقاش إلى ما بعد نشر التحقيق حتى يستطيع الصحافيون الاتكاء على المعلومات الواردة فيه لتوجيه أسئلتهم إلى الصحافيين اللذين حرراه؟
نحن إذن اليوم بصدد تحقيق صحافي ينتظر أن ينشر في «لوموند» الجريدة الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، يهدف إلى تأكيد فرضية توفر الملك على حسابات بنكية في الخارج، والحال أن لا أحد، سواء في القصر أو محيطه، ينفي ذلك. فالملك، لديه حسابات بنكية في الخارج يتم تحويل أموال إليها عن طريق مكتب الصرف في واضحة النهار، إذ لا يتعلق الأمر بعمليات سرية مشبوهة كما أرادت أسئلة الصحافيين أن تعكسه.
ولو لم يكن الملك يريد أن يعرف الناس أنه يتوفر على حساب بنكي في بنك «باري با» الفرنسي لما كان وقع شيكا باسمه كهبة لبناء مسجد بفرنسا يحمل اسم هذا البنك الذي لديه بالمناسبة فرع في المغرب، وهي الهبة التي أراد البعض استغلالها للحديث عن تهريب الأموال.
ومنذ الاستقلال وإلى اليوم يعرف الجميع أن المؤسسة الملكية لديها استثمارات خاصة في الخارج، وطبيعي أن يرافق هذه الاستثمارات فتح حسابات بنكية لأفراد العائلة الملكية في الخارج.
لماذا إذن التركيز على حسابات الملك البنكية في الخارج في هذا التوقيت بالذات؟
للجواب على هذا السؤال يجب إعادة شريط الأحداث التي تؤرخ للتشنج الحاصل في العلاقات المغربية الفرنسية منذ سنة تقريبا من توقف التعاون القضائي بين الرباط وباريس قبل استئناف ذلك مؤخرا.
وفي ظرف سنة تم استهداف رموز الدولة المغربية، بدءا من وزير الخارجية الذي تم نزع ملابسه من أجل تفتيشه بالمطار والجنرال بناني الذي تم اقتحام غرفته من طرف الضابط السابق أديب لإعطائه باقة ورود ميتة، ومرورا بالمدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني الذي أرسلت المحكمة في أثره فيلقا من رجال الأمن لتسليمه استدعاء للمثول أمام القضاء بسب شكاية حول التعذيب، ووصولا اليوم إلى اتهام أعلى سلطة في البلد ضمنيا بفتح حسابات بنكية في الخارج دون احترام لقوانين مكتب الصرف وإدارة الضرائب.
لنتذكر بهذا الصدد أن وزير الخارجية صلاح الدين مزوار قال قبل شهرين تقريبا، في معرض حديثه على تسريبات حساب «كريس كولمان» أنه علينا توقع هجومات أكثر شراسة من طرف الجهات التي تقود هذا التوتر مع المغرب، وها قد صدقت نبوءته، إذ تخطت الاتهامات حدود موظفي الدولة الكبار وأعوان الملك لكي تصل إلى الملك نفسه، وهذا هو الهدف الحقيقي المنشود من وراء كل هذه التسريبات والاتهامات، فالهدف كان استهداف المحيط الملكي لإحداث الفراغ حول الملك، قبل مهاجمة الملك شخصيا بهدف زعزعة الاستقرار السياسي الذي تضمنه المؤسسة الملكية.
ولذلك نسمع الأمير مولاي هشام يقول في مدريد إن الملكية «داخلة بديها وبرجليها» فالاقتصاد الوطني، متناسيا أن هناك أيضا رجال أعمال وأثرياء كبار في المغرب، من بينهم الأمير نفسه الذي يستثمر أموال المغرب في الخارج.
الواقفون خلف هذه الحرب الضروس ضد رموز المملكة ليسوا على قلب رجل واحد، فلكل واحد منهم حساباته الخاصة، فمنهم من يوجد داخل الجهاز القضائي الفرنسي ذي الحنين السياسي الاشتراكي الرافض لأي تقارب مع المغرب، ومنهم من تحركه نوازع انتقامية صرفة مغلفة بخطاب سياسي على سبيل التمويه، كما هو حال الأمير مولاي هشام، الذي ينتظر موعد حلول ثورة الكامون التي تنبأ بها قبل سنة واعتقد واهما أن مذكراته التي صدرت ترجمتها الإسبانية قبل أيام في مدريد، ستكون الشرارة التي ستضرم النار في شوارع المملكة.
والغريب في تصريحات أمير الكامون قوله في معرض تقديم ترجمة كتابه بمدريد أنه لا يفهم كيف يتعارك المغرب مع إسبانيا من أجل صخرة،في جهل تام لمفهوم السيادة، فالأمير الأحمر يعتقد أن التفريط في صخرة ليس شيئا مهما،والحمد لله أن أمير الكامون لا يتحمل أية مسؤولية في الدولة وإلا لكان «سمح» في صخور كثيرة وليس فقط صخرة جزيرة المعدنوس.
والمصيبة أنه يدعي بأنه يطالب بسبتة ومليلية عكس الملك محمد السادس،والحال أن أمير الكامون لا يستطيع أن يثبت أنه طالب ، ولو مرة واحدة، باسترجاع المدينتين. وكل ما نعرفه عن مواقفه بخصوص السيادة الوطنية هو أنه يطالب بنفس ما تطالب به جبهة البوليساريو والجزائر بخصوص الصحراء، أي الاستفتاء.
ولكل واحد من هذه الجهات أدواته التي يستعملها في هذه الحرب، فاللوبي الاشتراكي الفرنسي يستعمل القضاء الذي لديه فيه، بفضل رابطة الأخوة الماسونية، قضاة حلفاء ليس لديهم عقدة من إدخال السياسة إلى قاعة المحكمة حتى ولو خرجت منها العدالة، أما مولاي هشام فلديه جيش كامل من الصحافيين الذين استطاعوا أن يضمنوا مقاعدهم في تحالف الصحافيين المتخصصين في التحقيقات، وهي هيئة تخرق السر البنكي وتحصل على حسابات رؤساء الدول والموظفين الكبار من أجل مراسلتهم بشكل أشبه ما يكون بالابتزاز، وفي حالة الرفض يكون النشر آخر الدواء.
علينا أن نتفق أولا حول أمر مهم، وهو أن فرنسا تعيش مفارقة في علاقتها المتشنجة مع المملكة المغربية، فليست الدولة الفرنسية هي التي لديها مشكل مع المغرب بل بعض غلاة الاشتراكية الذين استطاعوا أن يفرضوا نظرتهم الخاصة لما يجب أن تكون عليه العلاقة مع المغرب.
وعليه نستطيع أن نقول إن العلاقات بين الدولتين تسير وفق الوتيرة العادية، ما لا يسير بشكل عادي هو علاقة الحكومة الفرنسية، وبعض وزرائها تحديدا، بالدولة المغربية.
ولسبب ما لم ينتبه أحد إلى الهدية المسمومة التي قدمتها كريستين توبيرا وزرة العدل الفرنسية لمصطفى الرميد وزير العدل المغربي يوم حلوله في باريس من أجل توقيع استئناف التعاون القضائي. ففي اليوم الذي جاء فيه الرميد إلى فرنسا أجازت محكمة النقض بباريس زواج مغربي يبلغ من العمر 22 عاما من فرنسي عمره 56 سنة، في تنكر واضح للمرسوم الذي كانت وزارة العدل الفرنسية قد أصدرته سابقا والذي منعت بموجبه الشواذ الذي ينتمون إلى 11 دولة منها المغرب من الزواج المثلي تبعا لاتفاقيات قضائية تربط هذه الدول مع فرنسا.
وعندما قال وزير الخارجية صلاح الدين مزوار في حوار مع جريدة «لوموند» إن الجزائر تشوش على العلاقة بين المغرب وفرنسا، لم يرد وزير الخارجية الفرنسي بل كلف سفير فرنسا في الجزائر العاصمة لكي يرد عل مزوار ويقول إن العلاقة بين المغرب وفرنسا لا تشوش عليها الجزائر وأن علاقة فرنسا بالجزائر لها منطقها الخاص الذي ليس هو المنطق نفسه الذي يحكم علاقة فرنسا بالمغرب.
وللتخفيف من حدة هذا الرد صدر بلاغ عن الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية يقول إن تصريحات السفير الفرنسي في الجزائر نقلتها وسائل الإعلام بشكل غير دقيق.
وطبعا فالتوضيح يندرج ضمن لعبة «هز ليا نسماتشي ليك» التي تحسنها الدبلوماسية الفرنسية على عهد «فابيوس»، وقد سمعنا التوضيح نفسه عندما انفجرت فضيحة نشر جريدة «لوموند» لخبر تشبيه السفير الفرنسي بالولايات المتحدة الأمريكية للمملكة المغربية بالعشيقة التي تنام معها فرنسا كل ليلة رغم أنها غير مغرمة بها لكنها مع ذلك ملزمة بالدفاع عنها، فسارعت الخارجية الفرنسية لنفي هذا الكلام.
وفي الدبلوماسية فهذه «اللعبة» تسمح لوزارة الخارجية أن تعبر عن مواقفها دون أن تتحمل التبعات السياسية لذلك، فهي توحي لموظفيها بالتعبير عن المواقف المحرجة للحكومة قبل أن تصدر بلاغا توضح فيه أن الصحافة نقلت التصريحات بشكل غير دقيق.
وما قاله السفير الفرنسي بأمريكا قبل سنة بخصوص العشيقة المغربية والسفير الفرنسي بالجزائر قبل يومين بخصوص «التشويش» الجزائري، وتكذيب الخارجية لما قالاه، يعتبر مثالا ساطعا لدبلوماسية «هز ليا نسماتشي ليك».
ويمكن اعتبار وزير الخارجية الفرنسي «فابيوس» الاشتراكي المتشدد ضد المغرب، أحد العناصر الأساسية المغذية للتوتر مع المغرب. فيبدو أن الرجل لم يستطع أن يهضم بسهولة الفضيحة التي تورط فيها ابنه في أحد كازينوهات مراكش والتي نشرتها مجلة «ليكسبريس» سنة 2013 عندما تحدثت عن وضع كازينو بمراكش لشكاية في باريس ضد طوماس فابيوس ابن وزير الخارجية الفرنسي بتهمة النصب والاحتيال سنة 2011 عندما ترك ابن فابيوس ساعة يدوية لدى إدارة الكازينو كضمانة على أساس أنها ساعة من الذهب والماس، قبل أن يتضح أنها ساعة عادية وأن ابن فابيوس نصب عليهم.
سنوات قليلة بعد هذه الفضيحة التي هزت الوسط السياسي الفرنسي، سينتقم فابيوس من الجهاز الأمني المغربي الذي يتهمه بتسريب الخبر إلى الصحافة الفرنسية، فانهالت الشكايات التي تتهم مدير مديرية حماية التراب الوطني بالتعذيب، كما سينتقم فابيوس من الخارجية المغربية عبر تسريب وثيقة طلب مزوار التدخل لتسهيل تشغيل ابنة وزير الخارجية المغربي في مكتب الدراسات «ماكنزي» بباريس وتسهيل حصولها على تصريح العمل.
غير أن التوتر بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، والذي وصل اليوم إلى قمة هرم السلطة في المغرب، ليس وليد أحقاد وعقد شخصية، بل لديه دوافع وأسباب اقتصادية بالأساس.
ولفهم هذه الأسباب الاقتصادية يجب العودة إلى الخطاب الذي تلاه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند داخل قبة البرلمان المغربي، وخصوصا عنما قال إن فرنسا فقدت مكانتها الاقتصادية الرائدة لصالح إسبانيا، وأن فرنسا عازمة على استرجاع هذه المكانة.
منذ ذلك اليوم بدأت طبول المعركة تدق، غدا نشرح كيف تحولت الدبلوماسية الفرنسية والإعلام التابع لها إلى أدوات لممارسة الابتزاز الاقتصادي من أجل استعادة الهيمنة الفرنسية على الصفقات والاستثمارات المغربية.
ساحة النقاش