<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = حسناء زوان
»الخبــز المحْـروق«
العدد :2597 04-02-2015
في محل للبقالة كنت أبتاع منه بعض الحاجيات، استمعت إلى هذا الحوار بين اثنين:
الأول: هل مازلت تشتغل مع «الحاج»؟
الثاني رد بإيجاز: لا.
وأضاف مبررا: لأنه «كايكل عرق الفقراء»، وأنا أرفض أن «يُؤكل مجهودي»، فلا أتلقى عنه مقابلا.
الأول: واش ما كايخلصش الخدامة ديالو؟.. هاداك راه خانز فلوس.
الثاني لم يجب عن السؤال. فقط، أخذ نفسا عميقا مما تبقى من سيجارته قبل أن يرميها أرضا ويدوس عقبها بقدمه، ثم قال:
أنا لا أقبل أن يؤكل حقي مادمت حيا. لو كل «البوفرية» وقفوا في وجه من يمتص دماءهم ويأكل عرق جبينهم لتغيرت الكثير من الأمور في هذا البلد، ولما صرنا إلى ما نحن فيه الآن.
واستطرد بعد أن وجد بعض الآذان تصغي إليه: لكن، للأسف، خنوعنا هو من يفتح شهية أصحاب المال.. هو من يجعلهم يطمعون فينا أكثر وأكثر. والمقابل ماذا؟ «خبز محروق» لا أكثر...
لم أستطع الاستماع إلى بقية حديث ذاك الرجل،وغادرت المكان. لكن كلماته الأخيرة ظلت ترن في أذني دون أن أعرف، بالتحديد، سبب ذلك.هل لأن إحساسه بالقهر كان صارخا ولا تخطئه العين؟ أم لأنني وجدت فيه جرأة لم أعهدها في الكثيرين ممن يشبهونه، لكنهم يفضلون أن يعانوا في صمت وأن يموتوا في صمت؟
وجوه عديدة أصادفها يوميا في المقهى،في الشارع، في«الأوتوبيس»..في أي مكان أذهب إليه،أرى خدوش البؤس تملأ قسماتها.
كلهم يرهقون، يتعبون،يكدون من أجل ذاك «الخبز المحروق»،الذي تكلم عنه ذاك الشخص؛ لكنْ، قليلون منهم فقط من يجرؤون على الجأر بألمهم.
فقط يكتمون صوتهم، حقدهم، وغضبهم، لأنهم، بكل بساطة، لا يستطيعون أن يقولوا لمن يمتص دمهم إنك تمتص دماءنا.
في المغرب 80 في المائة من السكان تقتسم 20 في المائة فحسب من ثروات البلاد أو أقل من ذلك، فيما الـ20 في المائة المتبقية من المغاربة تستولي على 80 في المائة من تلك الثروات.
وطبعا، حينما نقول خبزا أقل، فإننا نقول بالتبعية مواطنة أقل وحقوقا أقل وإحساسا بالحكرة أكبر.
ما قاله ذاك الشخص ليس سوى جزء من المشكل. هذا الجشع الذي تعلن عنه الباطرونا باستمرار يمكن فهمه، ولو على مضض. لكن، ما لا يمكن استيعابه هو هذا الإحساس بالذل والخنوع الذي صار يتملك المغاربة. عديدون منهم يعتقدون أنهم خلقوا ليكونوا عبيدا عند الأقلية من الأغنياء.. عبيدا في أراضيهم، عبيدا في شركاتهم ومعاملهم. كثيرون تحس أنهم عبيد حتى في أفكارهم وآرائهم، إلى درجة أن منهم من يؤمن بأنه خلق فقط ليداس بالأقدام.
وإذن،فالمشكل في بلدي كامن في التوزيع غير العادل للثروات بين المغاربة.توزيع يزيد الغنيَّ غنًى بينما يزيد الفقير فقرا وهلاكا.
ذلك ما تناولته بالنقاش ذات سفر مع «خميس»، أحد أبناء زاوية سيدي عبد السلام، أثناء جولة بين مزارع التفاح وحب الملوك الممتدة على آلاف الهكتارات الموجودة بين مدينتي مكناس وإفران والمملوكة لقلةٍ فقط، بينما الباقون إما فلاحون صغار أو متسولون..
هل بمثل هذه «القسمة الضيزى» يمكن أن نتحدث عن مغرب المواطنة والحقوق والحريات وغير ذلك من الكلمات الرنانة التي نستهلكها داخليا وخارجيا؟ لا أعتقد أن بلدا يمكن أن يفتخر بنفسه إذا كان من يسكنونه لا يخالجهم أدنى إحساس بالمواطنة، وأقصى أحلامهم ألا ينتهي يومهم الشاق إلا وقد تحصَّلوا على ذاك «الخبز المحروق» ولا شيء آخر.
ساحة النقاش