<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = يوسف بلال
العنصرية وإشكالية العنف في فرنسا
العدد :2589 - 26/01/2015
الاعتداء على جريدة «شارلي إيبدو» يطرح تساؤلات عدة حول مستوى العنف المادي والرمزي الذي وصل إليه المجتمع الفرنسي. الجواب الوارد عند النخب وفي الوسائل الإعلام الفرنسية بشأن مواجهة العنف هو أنه يجب محاربة الخلايا «الجهادية» في فرنسا وتكثيف الهجومات على «داعش» على المستوى الدولي. صحيح أن رد الفعل الأمني جزء من الجواب، لكن هذه المقاربة تظل جزئية. وإذا ما أرادت فرنسا أن تعالج هذا النوع من العنف، فإنه يجب عليها أن تسائل ذاتها لأن الشبان الذين ارتكبوا العمليات الإرهابية هم أبناؤها أولا، ازدادوا وترعرعوا في فرنسا، ويتكلمون اللغة الفرنسية، وتكوَّنوا في مؤسسات تعليمية فرنسية، وكانت لهم تجارب عدة في عالم الشغل قبل أن يتحولوا إلى إرهابيين.
ولجوء هؤلاء الشبان إلى العنف قد يفسر بحالة التهميش التي يعيشونها والعنصرية التي تستهدف المسلمين المنحدرين من شمال إفريقيا والبلدان التي استعمرتها فرنسا في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث لازالت الدولة والمجتمع الفرنسيان يتعاملان معهم كأنهم رعايا استعماريون أو مواطنون من الدرجة الثانية. وأكدت العديد من البحوث العلمية، بما فيها بحث المرصد الوطني لدراسة الفقر والتهميش الاجتماعي، أن نسبة البطالة تصل إلى أكثر من 45 في المائة داخل الأحياء الهامشية التي يقطن فيها الفرنسيون المسلمون، كما أنها خالية من الكثير من الخدمات العمومية الأساسية.
ومن المعلوم أن الفرنسيين المسلمين، وبالخصوص الشباب منهم، يعيشون التمييز العنصري يوميا في المدارس العمومية، في البحث عن السكن أو عند ولوج سوق الشغل. وإذا كنت شابا فرنسيا اسمك احمد أو مصطفى، فمن المحتمل أنك لن تجد منصب شغل ولا سكنا بسبب هويتك المسلمة العربية. والدولة الفرنسية لم تتطرق إلى هذه العنصرية اليومية المتحدرة في المجتمع الفرنسي، بل ساهمت في تأجيج الأوضاع عندما تبنت العديد من القوانين والإجراءات التي استهدفت حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، مثل حظر الحجاب في المدارس والهيئات العمومية ومنع النقاب في الفضاءات العامة باعتبارهما يمسان بـ»قيم الجمهورية» الفرنسية. والعديد من البحوث الأكاديمية، وبالخصوص الأمريكية منها، مثل كتاب عالمة الاجتماع جوان سكوت المعنون بـ»سياسة الحجاب»، بينت أن العنصرية ضد المسلمين متجذرة في المجتمع والدولة الفرنسيين مرتبطة، بشكل وثيق، بالتاريخ الاستعماري الفرنسي في شمال إفريقيا.
وتدعي فرنسا أنها بلد «المساواة» وأن «الجمهورية» لا تميز بين أبنائها، لكن الحقيقة المرة هي أن «النموذج» الفرنسي فاشل، ذلك أنه غير قادر على أن يتعاملَ مع المسلمين بشكل عادل ويعترفَ بهم ويعتبرَهم جزءا من المجتمع الفرنسي يستحق الاحترام والتقدير. إذن، يجب على فرنسا أن تتبنى مقاربة شمولية تعالج الأوضاع الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للفرنسيين المسلمين من أجل رد الاعتبار إليهم مع إلغاء القوانين التي تستهدف ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين وتكثيف الاستثمارات والخدمات العمومية وخلق فرص الشغل في الأحياء الفرنسية المهمشة لأن سياسة المصالحة الوطنية مع المسلمين هي القادرة على أن تفتح صفحة جديدة في تاريخ فرنسا والمسلمين الفرنسيين.
ساحة النقاش