<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = سامي السلامي
الملف النووي الإيراني.. رؤية سياسية
لطالما شكل السلاح النووي محط جدل قانوني، سياسي، فلسفي وأخلاقي، مصحوب بتخوف كبير من إمكانية استعماله، حيث تشكل تياران، يؤكد أولهما على أن الطاقة النووية عامل أساسي في تطوير المستقبل البشري في خضم البرامج النووية السلميةّ، فيما شدد ثانيهما على ما تشكله من تدمير للمستقبل البشري سواء استخدمت في جانبها السلبي أو الإيجابي (البرامج السلمية) على اعتبار قوتها التدميرية الهائلة وكم الإشعاعات النووية الخطيرة المنبعثة.
وعليه أثر السلاح النووي على تدبير العديد من الأزمات الدولية خلال فترة الحرب الباردة وعلى العقائد العسكرية لكل من القوتين العظميين، ولازال تأثيره ملموسا إلى يومنا هذا.
ومن ثم، فإن السلاح النووي مرتبط كذلك بالعامل الجغرافي وكذا بطبيعة الحرب النووية المحتملة افتراضيا، حيث يمكننا من التمييز بين ثلاث أزمات:
ـ أزمة دولية في مناطق التماس، حيث شكل الشرق الأوسط أهم تلك المناطق خلال فترة الحرب الباردة، والتي تم فيها تغليب الحل السلمي على الحل العسكري لتجنب أي تصاعد يزج بالعظميين في ما لا يحمد عقباه.
ـ أزمة دولية في أماكن احتراب، والتي عرفت صداما عسكريا بين العظميين باستخدام أطراف ثالثة عن طريق حروب الوكالة (الحرب الكورية والحرب الفيتنامية)، حيث غلب الحل العسكري التقليدي على الحلول السلمية.
ـ أزمة دولية في العمق الاستراتيجي، حيث شكلت محكا حقيقيا للسلم والأمن الدوليين كأزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962، والتي دفعت بالولايات المتحدة إلى التهديد المباشر بحرب نووية بعد خطأ سيكولوجي ناتج عن سوء في التقدير من الزعيم السوفياتي خروتشوف، وهي أزمة مثيلة نوعا ما بالأزمة الأوكرانية الحالية.
إن توطئتنا هذه لم تكن سوى مدخل ضروري قبل التحول للحديث عن الملف النووي الإيراني الذي يشغل الساحة الدولية خلال الآونة الأخيرة، حيث تم الاتفاق على تمديد المفاوضات إلى غاية يوليوز 2015.
وهنا وجب التأكيد على أن جذور هذه الأزمة سياسية بحثة يجعل منها السلاح النووي لعبة غير كاملة يسيطر فيها الشك وانعدام الثقة بين أطرافها، ما يجعل تدبيرها لا يخلو من احتمالات ربح وخسارة.
التدبير الإيراني: يرتكز الجانب الإيراني في تدبيره للأزمة إضافة على الاستعداد الاستراتيجي والعسكري إلى تبني أسلوب المناورة السياسية دون التخفيض من مطالبه، مرتكزا على النقاط الثلاث الآتية:
ـ التأكيد على سلمية البرنامج النووي الإيراني، والسعي لتمديد المفاوضات لربح المزيد من الوقت وهامش للتحرك والمناورة.
ـ تدبير الملف عن طريق الإدارة بالأزمات، وذلك بتحريك أوراق للضغط على كل من أمريكا وإسرائيل والسعودية، مستغلة امتدادها في سوريا، لبنان (حزب الله)، فلسطين (حركة الجهاد الإسلامي)، اليمن (الحراك الجنوبي)، البحرين وأفغانستان، مع التصعيد دون تجاوز الخطوط الحمراء والوصول لحافة الهاوية دون السقوط فيها.
ـ تحديد سقف لمعادلة الربح والخسارة، حيث يتم وضع إمكانية تقديم تنازلات بتحجيم تخصيب اليورانيوم وحصره في الجانب السلمي دون الوصول لصنع قنبلة نووية، بشرط عدم خلخلة النظام السياسي القائم في طهران والرفع الكلي للعقوبات الاقتصادية.
التدبير الأمريكي: تختلف أساليب تدبير الولايات المتحدة للملف النووي الإيراني باختلاف الحزب السياسي المتحكم في دواليب الحكم، فإدارة الجمهوريين للأزمة خلال ولايتي الرئيس «بوش الابن» اتسمت بغلبة الحل العسكري على الحلول السلمية، وهو ما ترجمه التمركز العسكري الأمريكي المتقدم في الخليج العربي، والتهديد المستمر باستخدام القوة في حق إيران مع فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، وعموما هذه التدابير نفهمها جيدا بفعل تأثير الجيل الثاني من تيار المحافظين الجدد (بول وولفويتز، جون بولتون) على الحزب الجمهوري، حيث اهتم هؤلاء بالاستراتيجية النووية أكثر من اهتمامهم بالصراع الإيديولوجي مع الماركسية اللينينية.
أما تدبير الديموقراطيين لهذا الملف خلال ولايتي «أوباما»، فاختلف عن سابقه من ناحية تغليب الحلول السلمية على الحل العسكري، مركزين على النقاط الهامة الآتية:
ـ حل الملف في أسرع وقت ممكن دون إغفال التهديد باللجوء للقوة كوسيلة للضغط والتصعيد.
ـ إتمام مسلسل العقوبات الاقتصادية وربط رفعها جزئيا بمدى تطور الأداء الإيراني بعد اتفاق مسقط السري.
ـ الذهاب نحو حل نهائي للملف النووي الإيراني وربح ورقة لصالح الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية القادمة.
عموما يمكننا القول أن الجمهوريين والديموقراطيين وإن اختلفوا في وسائل تدبير الأزمة، إلا أنهم اتفقوا على أن طريقة التعامل مع إيران حسب وجهة نظر كل طرف هي من ستحدد إمكانية استمرار الولايات المتحدة كوحيد للقرن الواحد والعشرين من عدمها، فإدارة بوش كانت ذاهبة وراء التوجه اللاعقلاني لتيار المحافظين الجدد للتدخل عسكريا قصد حفظ ماء وجهها بعد هزيمتها في كل من أفغانستان والعراق، أما السيد أوباما فتعامل بعقلانية فرضتها المتغيرات في البيئة الدولية، لتجنب أي حرب يهدد تصعيدها عالمية الوجود بالنسبة لواشنطن.
التدبير الروسي: لا يخفى على أحد حجم العلاقات السياسية بين كل من روسيا وإيران والتنسيق التام بين الدولتين في العديد من الأزمات الدولية (سوريا)، وعليه تركز موسكو في تدبيرها للملف على النقاط التالية:
ـ التأكيد على ضرورة حل الملف بالطرق السلمية واحترام تعدد الأطراف في حل القضايا الدولية.
ـ دعم إيران داخل مجلس الأمن والتماهي مع جميع القرارات التي تذهب لحل الملف سلميا.
ـ إطالة تدبير الملف ودفع الجانب الأمريكي للتركيز على إيران وتخفيف الضغط على موسكو في الملفين الأوكراني والسوري لربح حيز هام للحركة.
التدبير الإسرائيلي: تسعى إسرائيل قدر المستطاع إلى فرض رؤيتها على الجانب الأمريكي وجره للتدخل عسكريا في إيران بالتركيز على النقاط التالية:
ـ التأكيد على عدم سلمية البرنامج النووي الإيراني ومدى تهديده للأمن والسلم الدوليين ووصف النظام السياسي في طهران بالنظام الإرهابي.
ـ الدعوة إلى التدخل عسكريا في إطار تحالف دولي لضرب المفاعلات النووية الإيرانية.
ـ التهديد بالتدخل العسكري بشكل انفرادي ومحاولة جر واشنطن لحرب ستغير معالم النظام الدولي لا محالة.
ـ الانفتاح على محور الاعتدال العربي والتطبيع المباشر معه والتنسيق لإفشال الطموح الايراني في المنطقة.
التدبير السعودي: يسيطر التناقض الايديولوجي على كل التحركات التي تقوم بها السعودية التي تعتبر أن أي تصاعد لقوة إيران في المنطقة بمثابة التهديد المباشر لأمنها القومي، وعليه تتبع السعودية الخطوات التالية:
ـ الضغط على الجانب الأمريكي ودفعه للتدخل العسكري وتذكيره بمدى محورية النفط الخليجي في الاستراتيجية الأمريكية.
ـ الانفتاح على إسرائيل والتحرك داخل محور الاعتدال بعد ما اعتبرته الرياض خيانة من الحليف الأمريكي وخوضه جولات مفاوضات سرية في مسقط تمخض عنها اتفاق مبدئي.
ـ استخدام سلاح النفط عن طريق الرفع من حجم الإنتاج اليومي لقصم ظهر الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد على العائدات النفطية بدرجة أولى، وبالتالي خلق حالة من التوتر الداخلي ناتجة عن تدهور الحالة المعيشية للمواطن الإيراني.
الملف النووي الإيراني دخل مرحلة خطيرة في نونبر 2014 عقب سيطرة الجمهوريين على الكونغرس الأمريكي وهو ما تأكد بعد فشل التوصل لاتفاق نهائي خلال جولة جنيف الأخيرة في 17 دجنبر، ما يعني أن تيار المحافظين سيكون له تأثير على مخرجات السياسة الخارجية الأمريكية وبالضبط في أساليب ووسائل تدبير الملف النووي الإيراني، لكن يجب التنويه بالمرونة الإيرانية والتعامل الثابت للمفاوض الإيراني الذي أتقن الوقوف في وجه الغرب وجره للاعتراف ضمنيا بإيران كقوة إقليمية دون إعطائه مبررات التدخل العسكري.
ساحة النقاش