<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
نحتاج إلى مسؤولين شجعان بمواقف رجولية ثابتة
العدد :2587 - 23/01/2015
المغاربة الذين يمرون هذه الأيام أمام مقر التلفزيون المغربي، في منطقة حسان بالرباط، يشعرون بأن رائحة حشيش تنبعث من المكان. الشيء نفسه يحدث مع القناة الثانية بعين السبع في الدار البيضاء، حيث يشعر كثيرون بأن روائح حشيش ومخدرات تنبعث من داخلها، والأمر يزداد سوءا بالنسبة إلى المارين من أمام مقر وزارة الخارجية بالعاصمة، التي تختلط فيها روائح الحشيش والشيشة، وربما أشياء أخرى.
طبعا، روائح الحشيش والشيشة في هذه الأمكنة مجرد وهم، لأن الناس، بعد ما رأوه من حمق التلفزيون هذه الأيام، صاروا يعتقدون أن هذا الحمق لا يمكن أن يكون عاديا، وأن مفعول نبتة كتامة وصل إلى أدمغة القائمين على التلفزيون ووزارة الخارجية، فالمحشش وحده من يمكنه أن «يدخل ويخرج» في الكلام بهذه الطريقة الغريبة التي مارسها التلفزيون قبل بضعة أيام، والتي دفعت المغاربة إلى الجزم بأن هذه البلاد تحتاج إلى بركة الأولياء الصالحين أكثر مما تحتاج إلى السياسيين.
التلفزيون المغربي كان قد فاجأ المغاربة، وحتى غير المغاربة، حين خرج بتقرير ناري، قبل بضعة أسابيع، يصف فيه عبد الفتاح السيسي بأنه زعيم الانقلاب الدموي في مصر، وأنه يقود البلاد إلى مصير مجهول.
وبعد بضعة أيام على ذلك، استقبل وزير الخارجية المغربية نظيره المصري وصدر بيان يقول إن المغرب يدعم التحول الديمقراطي في مصر. هكذا تحول السيسي، في بضعة أيام، من مجرد انقلابي دموي يقود البلاد نحو مصير مجهول إلى رجل يقود مصر نحو الديمقراطية، وتحولت مصر من مجرد بلاد تسير نحو المجهول إلى بلاد تشق طريقها بثبات نحو التقدم والازدهار؛ ثم تعانق وزير الخارجية المغربي ونظيره المصري وتبادلا كلمات تقترب من شعر الغزل.
إذا كان أحدٌ يذكر أن شيئا مشابها حدث في تلفزيون ما في بلاد ما، فليرفع يده؛ لأن هذه الأشياء لا يمكن أن تحدث سوى في بلاد توجد فيها «كْتامة»، والانقلاب في المواقف بين عشية وضحاها لا يمكن أن يحدث سوى لشخص مجنون أو مدمن مخدرات، أما أن يحدث ذلك في بلد يقول مسؤولوه إنهم يتمتعون بكامل قواهم العقلية فهذا ما يحتاج إلى تأمل فلسفي عميق.
عندما بث التلفزيون المغربي تقلباته السياسية وحماقاته المزاجية، فإن المغاربة فهموا بسرعة أن الأمر لا يتعلق بأخطاء أو بتقلب مزاج الصحفيين أو شيء من هذا القبيل. الناس يعرفون أن لا شيء يتحرك في التلفزيون بدون أوامر تشبه الأوامر العسكرية، وأن هناك رقابة صارمة على كل شيء، وأن تحول السيسي من رئيس إلى انقلابي، ثم تحوله من انقلابي إلى ديمقراطي، هو غيض من فيض، إذ هناك أمثلة كثيرة على تقلبات المواقف، أو غياب الموقف بالمرة، في هذه البلاد التي يعجبنا أن نسميها «البلاد السعيدة» حتى نزيد في التنكيل بأنفسنا.
ما حدث مع مصر حدث من قبل مع فرنسا وإسبانيا، فعندما يغضب المغرب من فرنسا يهيم حبا بإسبانيا، وعندما يغضب من إسبانيا تزداد جرعة عشقه لفرنسا، وعندما ينزعج منهما معا ينام في حضن ماما أمريكا.
المسؤولون المغاربة يصلهم، بالتأكيد، ما يقوله المغاربة حول هذه التقلبات المحزنة للمسؤولين، فالناس صاروا متأكدين من أننا لا نملك مسؤولين لهم مواقف ثابتة، ولا نملك دبلوماسية وازنة، ولا نملك الشجاعة لكي نسمي الأسد أسدا والحمار حمارا، فما يفعله المسؤولون المغاربة هو أنهم يسمون الأشياء، ليس بمسمياتها، بل بما تقتضيه الظروف، بحيث يمكن أن يسموا الأسد حمارا والحمار أسدا، ثم تتغير التسميات في رمشة عين.
خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها فرنسا بعد الهجوم على «شارلي إيبدو»، ذهب وزير الخارجية المغربي إلى باريس وقدم التعازي إلى الرئيس الفرنسي، لكنه لم يشارك في تلك المظاهرة التي مشى في مقدمتها أكبر إرهابي في العالم، اسمه بنيامين نتنياهو. يومها، قال مزوار إنه لم يمش في المسيرة بسبب رفع متظاهرين رسومات مسيئة إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم. ورغم ما يكتنف هذا الكلام من غموض، ورغم أن المغاربة يعرفون أن هناك أسبابا ظاهرة وأخرى خفية للموقف المغربي، فإنهم أحسوا بأن بلادهم لها موقف، وأنها يمكن أن تتجرأ على «أمنا فرنسا»، التي تعتبر نفسها تتحكم في كل شيء بالمغرب. كان إحساس الناس بالفخر واضحا، رغم أنهم يعرفون، أيضا، أن مواقف مسؤوليهم لا تصمد طويلا، وسرعان ما تتحول المواقف الرجولية النادرة إلى مواقف متقلبة مخزية، وهذا ما حدث بالضبط، حيث توجه وزير الخارجية المغربي سريعا نحو باريس لنظم قصيدة غزل جديدة مع فرانسوا هولاند، كما فعل قبل ذلك مع عبد الفتاح السيسي.
وفي انتظار أن يظهر مسؤولون مغاربة لهم مواقف رجولية قوية وثابتة، يمكن للمغاربة الآن أن يُيمّموا إعجابهم نحو أشخاص مثل التركي أردوغان أو الروسي بوتين، أو حتى الكوبي كاسترو، وأكيد أنه سيأتي زمن نرى فيه، أو يرى فيه أحفادنا، مسؤولين مغاربة لهم مواقف رجولية ثابتة.
ساحة النقاش