<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس= رشيد نيني
الحزب الغريق
من يستمع إلى ما يقوله شباط هذه الأيام يوشك أن يخلط حزب الاستقلال بالنهج القاعدي، فالرجل الذي يقود حزبا يمينيا تقليديا محافظا أصبح يطالب بتعديل الدستور.
فما الذي حدث لحزب الاستقلال منذ ما بات يعرف في التاريخ السياسي المغربي بـ«مسيرة الحمير» إلى اليوم، حتى يتحول خطاب الأمين العام للحزب إلى ما يشبه إعلان حرب؟
أولا يجب أن نتفق حول أن التفسير الأكثر قربا من الواقعية السياسية للخطاب الراديكالي الشباطي الحالي، هو أنه نتيجة طبيعية لإفلاس عميق أصاب الحزب على عهد شباط، أعقبه شعور لدى شباط نفسه بأنه فقد الحظوة التي كان يعتقد أن نفوذه المالي يوفرها له.
وهكذا أصبح الحزب العريق حزبا غريقا يتخبط في بركة السياسة الآسنة، في محاولة للوصول سالما إلى المحطات الانتخابية المرتقبة.
ولذلك فالتسمية المثلى التي أصبحت تليق بنهج شباط السياسي الحالي هي «النهج الشباطي القاعدي»، وهو «النهج» الذي أعطى شباط لحوارييه الأمر باتباعه، طالبا منهم الضرب في المناطق الأكثر إيلاما بالنسبة للدولة عقابا لها على تهميشه لصالح حلفاء آخرين.
وهكذا كلف شباط بنحمزة الذي دخل البرلمان بواسطة ريع لائحة الشباب، بملف الأمازيغية، نظرا لانحداره من منطقة الخميسات، فطرح في البرلمان سؤالا حول اعتماد فاتح السنة الأمازيغية عيدا وطنيا. ولم يكتف شباط بطرح السؤال بل إنه غادر مقاعد البرلمان رفقة برلمانييه وذهب إلى أجدير لكي يلقي خطابا مرتديا سلهاما شبيها بسلهام عبد الكريم الخطابي، تاركا لرئيس الحكومة المجال فارغا لكي يخاطب مقاعد المعارضة نصف الفارغة، متوعدا بالفوز عليها حتى ولو خاض الحملة ضدها نائما.
أما النائبة الاستقلالية عن لائحة الشباب، مونية غلام، فقد تطوعت للمطالبة بالملكية البرلمانية، هي التي لم تضع يوما رجلها في نقابة الطلبة الاستقلاليين واشتغلت إلى جانب عبد الله البقالي وتم توظيفها على عهد عبد الحميد عواد في وزارة التخطيط، قبل أن تلتحق بديوان نزار بركة الذي أعطاها منصب مستشار لدى الوزير الأول عباس الفاسي براتب ثلاثين ألف درهم زائد التعويضات، وبعد ذلك ألحقت بلائحة الشباب، وعندما ستنتهي ولايتها لا أحد يدري هل ستجد مقعدها في وزارة الشؤون العامة بانتظارها أم لا.
وفي خضم هذه المعركة اللفظية، سمعنا شباط يوصي شبيبته خيرا بالعدل والإحسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة التي استعملها شباط لمقاطعة منتدى مراكش العالمي حول حقوق الإنسان.
ولبعث رسالة إلى الدولة مفادها أنه قادر على وضع يده في يد كل المزعجين الذين يقضون مضجعها، بادر شباط إلى دعوة الساسي عبر شبيبته الاستقلالية، ولم يفته في الطريق أن يطالب الدولة بحوار بين الإسلاميين والعلمانيين.
وطيلة كل هذه المدة ظهر أن شباط يدير معركته مع الدولة بالوكالة، وتحديدا عبر شبيبته، وهكذا قرأنا باندهاش بيان فرع الشبيبة الاستقلالية بوجدة يطالب فيه كاتبوه بمحاكمة الدولة المغربية بسبب ما أسموها مجزرة وجدة، في إشارة إلى المواجهات الدامية التي عرفتها جامعة محمد الأول بوجدة بعد تدخل فرقة التدخل السريع.
وإذا كانت مونية غلام تشهر مطلب الملكية البرلمانية، فإن الكيحل، الذراع اليمنى لشباط، طالب بتعديل الدستور بالشكل الذي سيمكن الشعب من الحكم.
ولكي يحرك شباط السكين في الجرح بدأ يعمل بقاعدة «إنا عكسنا» في كل شيء، فبينما أخذت الحكومة موقفا هجوميا ضد النظام المصري بسبب استفزازاته المتكررة للسيادة المغربية، فضل شباط أن يذهب في الاتجاه المعاكس، وأن يعتبر التوجه الإعلامي المغربي المضاد عملا غير لائق، مفضلا الاصطفاف مع السيسي ضد المغرب.
ولكي يحرج الدولة انتقد تجاهل نشرة الطقس في تلفزيون العرايشي لسبتة ومليلية والجزر الجعفرية، معيدا إلى الواجهة مطلب تحرير المستعمرات المغربية التي بيد الإسبان.
هجومات شباط تعدت الحدود، فقد طالت فرنسا التي اتهمها في افتتاحية بجريدة» العلم» بعنوان «الهجمة الفرنسية والانبطاح الحكومي»، نشر بجريدة «العلم« وأيضا بموقع «قريش»، الجريدة التي تصدر في لندن بالموازاة مع مقال «في رثاء أخي وشقيقي حارس «شارلي إيبدو» «أحمد المرابط» لكاتبه صلاح الوديع.
وبعده بأيام صوب سلاحه الثقيل صوب أمريكا متهما إياها بعدوة العرب والمسلمين عبر العالم.
وهي افتتاحيات نارية تعوزها اللياقة والدبلوماسية، خصوصا وأن مصدرها حزب ظل طوال تواجده في الحكومات المتعاقبة، يقدم الولاء لهذه الدول، بل إن «السفيرة الأمريكية» السابقة بالمغرب، زوجة كابلان، كانت تمنح قبلاتها الحارة لشباط في كل مرة تلتقيه. وهي القبلات ذاتها التي ذاق منها بنكيران أيضا دون أن يصدر عنه ما يفيد أنه منزعج منها.
وبما أن الحملة الشباطية استهدفت جميع الأجهزة فقد كان ضروريا أن تنال الأجهزة الأمنية نصيبها.
وهكذا كتب عبد الله البقالي في عدد من أعداد «العلم» افتتاحية شكك فيها في عمل ونجاعة الأجهزة الأمنية، معتبرا أننا تعودنا أن تمطرنا وزارة الداخلية بالبلاغات الكثيرة التي تعلن فيها مرارا عن تفكيك مجموعات إرهابية يجري التحقيق مع أفرادها وتحال ملفاتهم على القضاء، «ولا أحد منا يقدر أن يجزم الآن بسلامة الإجراءات التي تتخذها المصالح الأمنية ولا التعليق على الأحكام الصادرة ضد المتهمين، وقد يأتي يوم يقول فيه أحدهم إن حكومة بنكيران اقترفت أخطاء وارتكبت تجاوزات في حق هؤلاء».
وهو اتهام واضح باللجوء إلى التعذيب في حق المعتقلين على ذمة قضايا الإرهاب، مما سيجعل الدولة في المستقبل مجبرة على إنشاء هيئة للإنصاف والمصالحة لتعويض هؤلاء الضحايا.
الحملة الشباطية على الأجهزة الأمنية لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن شباط أعلن صراحة تضامنه مع والي الأمن الموقوف بفاس بأمر ملكي.
وعندما تعرض البرلماني الاستقلالي العزابي للتعنيف من طرف شرطي عندما حاول البرلماني استعمال نفوذه من أجل تسهيل وتسريع إجراءات تحرير مخالفة لأحد معارفه، هدد شباط في حال عدم معاقبة الشرطي بنهج سياسة جديدة.
وهو تهديد يعيد إلى الأذهان ما وقع في فاس خلال أحداث الشغب وعمليات الحرق خلال إضراب يناير الشهير، الذي قاده شباط قبل أن يخفيه في الحي الجامعي، وهي الأحداث التي حوكم بسببها شباط ونال حكم البراءة منها، لكنه لسبب غريب ظل يتحدث عن قيادته للأحداث، في الوقت الذي يتغاضى فيه عن الحديث عن براءته منها بحكم قضائي.
ومن غرائب الصدف أن الوالي السابق الذي استقبله شباط في حزبه ومنحه البطاقة، كان هو المسؤول الأمني الذي أخفاه في الحي الجامعي إلى أن هدأت الأمور في فاس.
وإذا كان شباط قد صب غضبه على الدستور والحكومة والنظام وحلفاء المغرب التقليديين، ونفخ في جمر القضايا الحساسة، واتهم الأجهزة الأمنية بالتقصير وممارسة التعذيب، فإنه كان من الضروري أن يوجه رسالة من تحت الماء للجيش هذه المرة.
ففي ملف نشرته إحدى الأسبوعيات التابعة لإمبراطورية شباط الورقية، قال جملة ذات دلالة بخصوص الفترة التي كان يشتغل فيها بمصنع «سيميف».
فقد قدمته الجريدة بوصفه اشتغل تقنيا في مصنع لصنع الأسلحة، وقال إنه كان صعبا عليهم تأسيس نقابة في مصنع يديره عسكريون لكنهم فعلوا ذلك.
غير أنه حسب السيرة الذاتية لشباط، كما كتبها بنفسه على موقع الاتحاد العام للشغالين، فقد التحق بمعمل «سيميف» سنة 1974 بعد تحويله من معمل لصنع السلاح والعتاد إلى مؤسسة الصناعات الحديثة، يعني أن شباط يكذب نفسه بنفسه.
لكن ما الجدوى من هذه الكذبة والادعاء بأنه صنع السلاح وتحدى العسكر الذين كانوا يديرون المصنع وأسس النقابة رغم أنفهم؟
الرسالة واضحة، ومؤداها أن شباط لا يخيفه العسكر، ولديه سوابق في صنع السلاح.
في هذه الأثناء، وبينما شباط يخبط ذات اليمين وذات الشمال، تعرض ابنه لمحاولة ذبح من رقبته في أحد فنادق فاس، ولولا تدخل حراس الفندق لكان مهاجمو ابن شباط قد فصلوا رأسه عن بقية جسده.
والغريب في هذه الحادثة أن الطرف المتضرر أحجم عن متابعة الجناة، ربما حتى لا يفقد احتياطي الأصوات التي يضمنها المتحكمون في عائدات مقاهي القمار بمنطقة «الرصيف» بفاس.
هكذا تحول حزب الاستقلال على يد شباط وحوارييه إلى ما يشبه نقابة عمالية ثورية يهدد زعيمها بإحراق المعبد ودكه على رؤوس أصحابه في حال ما إذا رفضوا الاستمرار في تحقيق مطالبه.
فيبدو أن لائحة الاستقلاليين المتابعين أو المعتقلين أو الفارين من العدالة، بسبب تورطهم في الفساد، سوف تتسع لأسماء جديدة ستنضاف إلى تلك التي تتصدر صفحات الجرائد يوميا.
وهكذا فمن المحتمل أن يصل شباط بالحزب إلى المحطات الانتخابية عاريا بعد نتف كل ريشه.
فقد فهم أنه لن يستطيع، لا هو ولا شبيهه لشكر، قائد الاتحاد الاشتراكي نحو الهاوية، التعويل على تحالفهم مع الأصالة والمعاصرة الذي أخذ مسافة مع الحزبين «الوطنيين»، ربما لنسج تحالف استراتيجي مع العدالة والتنمية يشمل توزيع المدن والمقاعد البرلمانية والجهوية.
وتلك حكاية أخرى.
ساحة النقاش