<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس= رشيد نيني
الأزمنة الرديئة
ما حدث لصحافيي «شارلي إبدو» وضيوفهم ورجل الأمن الفرنسي من أصل مغربي، والذين قتلوا بدم بارد على يد إرهابيين مجهولين، لا يمكن إدخاله في خانة أخرى غير الإرهاب الجبان. ولذلك فهذه الجريمة النكراء لا تستحق شيئا آخر غير الإدانة المطلقة، فلا شيء يبرر إزهاق أرواح الناس لمجرد الاختلاف معهم في الرأي أو العقيدة.
وكم كان مثيرا للغثيان سماع صوت «الله أكبر» مقرونا بإطلاق الرصاص انتقاما للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، على جسد شرطي اسمه أحمد.
كثيرون، حتى بين الفرنسيين أنفسهم، لا يتفقون مع توجهات مجلة «شارلي إبدو»، لكن لا أحد منهم يتفق على أن تصفية الاختلافات تتم بالرصاص أو الخناجر. لذلك فما حدث سيكون له ما بعده، والضريبة ستكون باهظة الثمن وسيؤديها ملايين المسلمين الذين يعيشون في أوربا.
فهذه الجريمة تأتي في وقت حساس ودقيق يعيش فيه مسلمو أوربا والغرب عموما على أعصابهم بسبب كل الأنظار وأصابع الاتهام الموجهة نحوهم.
وفي فرنسا على وجه الخصوص، يعيش المسلمون بين فكين كبيرين، فك المتطرفين الذين يصدرون الفتاوى الغريبة والصادمة ويعطون صورة مرعبة عن الإسلام، وفك اليمين المتطرف الذي يستغل حماقات المسلمين المتطرفين لكي يدعم نظريته القائلة إن المسلمين بجميع أشكالهم مجموعة قنافذ ليس بينها أملس، وبالتالي فالحل الوحيد لخلاص أوربا هو أن يرحل المسلمون عنها، وهذا ما تخيله الكاتب المثير للجدل إيريك زيمور في حوار له مع جريدة إيطالية، وما تخيله أيضا الروائي الفوضوي ميشيل ويلبيك في روايته الصادرة هذا الأسبوع «خضوع»، والتي يعالج فيها رعبا اسمه «أسلمة» المجتمع الفرنسي عبر تخيل وصول مسلم إلى منصب الرئاسة الفرنسية.
أتخيل أن المسلمين في كل أوربا سيجدون صعوبة في الخروج غدا إلى عملهم ومدارسهم وجامعاتهم بعد هذه الجريمة الشنعاء، دون أن يروا في عيون الناس اتهاما مبطنا لهم.
قبل أربع سنوات كتبت في هذا الركن عمودا عنوانه «ستأتي الأزمنة الرديئة»، كان موضوعه حول الصراع الدائر في الغرب بين العلمانية والمسيحية من جهة والإسلام من جهة أخرى.
كان الحدث في تلك الفترة هو إعلان القس الأمريكي تيري جونس، غداة الاحتفال بالذكرى التاسعة لهجمات 11 شتنبر، عن نيته إحراق القرآن قائلا: «الإسلام والشريعة مسؤولان عن 11 شتنبر، سنحرق نسخا من القرآن، لأننا نعتقد أنه آن الأوان للمسيحيين والكنائس والمسؤولين السياسيين للنهوض وقول لا، الإسلام والشريعة غير مرحب بهما في الولايات».
أصبح واضحا أن هناك اليوم حملة عالمية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب. في هولندا، أصبح «فيلدرز»، نجم «حزب من أجل الحرية»، يهاجم الإسلام مباشرة ويصف المغاربة بأقذع النعوت.
وفي ألمانيا، صدر كتاب عنوانه «ألمانيا على طريق الفناء»، يشرح فيه كاتبه »تيلو زراتسين» كيف أن الألمانيين سيأتي عليهم حين من الدهر يشعرون فيه بالغربة داخل بلادهم، بسبب تراجع نسبة مواليدهم وتكاثر مواليد الأتراك والمسلمين الذين يعتبرون، حسب الكاتب، «آلات لإنجاب الفتيات المحجبات». واليوم نرى كيف تخرج حركة «بغيدا»، التي تطالب باستعمال العنف لطرد المسلمين من ألمانيا، إلى الشوارع للتعبير عن كراهيتها لكل ما له علاقة بالإسلام علانية.
أما في إسبانيا، فقد سمعنا قبل سنوات ما قاله رئيس الوزراء السابق خوسي ماريا أزنار في حق الإسلام في الجامعة العبرية، عندما طالب الغرب المسيحي بالوقوف إلى جانب إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية، لأن زوال إسرائيل يعني، حسب أزنار، زوال الغرب المسيحي. كما طالب المسلمين بتقديم اعتذار إلى المسيحيين عن احتلالهم الأندلس لثمانية قرون. إسبانيا اعتذرت إلى إسرائيل عن طردها لليهود من الأندلس ومصادرتها لأملاكهم، فيما يطلب رئيس حكومتها السابق من المسلمين الاعتذار عن احتلالهم للأندلس التي عاش فيها اليهود في كنف المسلمين معززين مكرمين.
في إيطاليا، كما في سويسرا ودول أوربا الإسكندنافية، هناك حملة عداء ضد الإسلام والمسلمين تقودها أطراف يمينية متطرفة، وتختفي وراءها أطراف صهيونية تتحكم في وسائل الإعلام التي تصب الزيت في النار. لذلك، لم يكن خطاب القس الأمريكي «تيري جونس» خطابا معزولا، بل إنه نابع من مناخ الإسلاموفوبيا الذي يسود بهذا البلد منذ مدة.
إن اللعبة الخطيرة والمكشوفة التي تلعبها إسرائيل والصهيونية العالمية اليوم، بفضل تحكمها في وسائل الإعلام ووسائل التأثير في صناعة الرأي العام وتوجيهه، تقوم على إلباس العرب والمسلمين تهمة التسبب في الأزمة الاقتصادية التي تضرب أوربا، تماما مثلما ألبست الآلة الإعلامية النازية اليهود تهمة التسبب في الأزمة الاقتصادية التي ضربت ألمانيا والنمسا سنة 1930، وبدأت حملة واسعة لطردهم وترحيلهم نحو معسكرات الاعتقال.
المشكلة بالنسبة إلى العرب والمسلمين اليوم أن كثيرا من بلدانهم الأصلية تشبه معسكرات الاعتقال، لذلك فروا هاربين من بلدانهم إلى أوربا وأمريكا وتشردوا في سائر بقاع العالم كما تشرد اليهود من قبلهم. ولذلك تريد الدول الغربية إعادتهم إلى بلدانهم حيث يعيشون الاحتقار والظلم والتعسف على أيدي إخوانهم.
واليوم بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تذكر بوادرها بنفس الأزمة التي عاشتها أوربا قبل تغوّل النازية، فقد أصبح المشجب الذي يريد اليمين العنصري النازي المتطرف في الغرب أن يعلق عليه اليوم أزمته ومشاكله هو العرب والمسلمون. فربط الإعلام صورتهم بالإرهاب وربط الإسلام بالتطرف، وأصبحت اللغة العربية مشبوهة، فبدأت المضايقات والاستفزازات والتلميحات إلى أن المشكلة تكمن في الطريقة المتطرفة لتفسير المسلمين للإسلام، إلى أن وصلنا اليوم إلى حد أصبحوا معه يقولون صراحة إن المشكلة ليست في طريقة فهم المسلمين للإسلام فقط بل في الإسلام نفسه كدين.
المثير في الأمر أن أحفاد اليهود المعتنقين للصهيونية، والذين تعرض آباؤهم على يد النازية للاعتقال والإبادة في المعسكرات، هم من يحرضون اليوم الغرب على طرد العرب والمسلمين من بلدانهم عبر الإعلام الذي يتحكمون في دواليبه، وعبر السينما التي يصورون فيها المسلم كمرادف للإرهابي السفاك، وربما قريبا سيجبرونهم في أوربا على تعليق شارة تحمل رسم الهلال على أذرعهم مثلما كانوا يصنعون مع اليهود عندما كانوا يجبرونهم على حمل نجمة داوود لتمييزهم عن المسيحيين.
قبل أربع سنوات كتبت «ستأتي الأزمنة الرديئة»، اليوم بعد إعلان الحرب الذي وقعه بالدم قتلة صحافيي «شارلي إبدو»، أستطيع أن أقول إن الأزمنة الرديئة حلت بمسلمي أوربا.
وما الرسوم المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإحراق المصحف وتدنيس المساجد والاعتداء على مقابر المسلمين والتضييق عليهم في مقرات العمل وأماكن العبادة، سوى حركات تسخينية تسبق النزال الذي سينتهي لا محالة بمطالبة المسلمين بالمغادرة.
يجب في هذا السياق أن نكون منصفين وأن نعترف بأن المسلمين في أوربا سهلوا على أعدائهم المهمة، فهم بإعطائهم عن الإسلام صورة مشوهة بتصرفات أبنائهم الجانحين الذين يملؤون الشوارع والسجون، ساهموا في صناعة الصورة التقريبية للمسلم التي تعني اللص، القاتل، المنحرف جنسيا، الحشاش، المتعصب، إلى غير ذلك من الصور المخيفة التي يستغلها اليمين المتطرف وإعلامه لإرعاب الرأي العام الأوربي.
ستجد مارين لوبين، زعيمة الحزب اليميني المتطرف، في هذه الجريمة الإرهابية النكراء ما تبرر به نظرياتها وتوقعاتها التي ظلت تغذيها حول الإسلام والمسلمين والمهاجرين بشكل عام.
وسيجد اليمين المتطرف في كل أوربا في دماء هؤلاء الصحافيين، مادة صالحة لنصب المشانق للمهاجرين والعرب والمسلمين.
صدق أندري مالرو عندما قال إن القرن الواحد والعشرين سيكون دينيا أو لا يكون.
إن الصراع الحاصل اليوم في العالم ليس اقتصاديا أو سياسيا، بل هو صراع ديني في الأصل، هكذا بدأ منذ الأزل وهكذا سيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ساحة النقاش