<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس= رشيد نيني
حزب الله المختار
اتهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الراحل عبد الله باها بأنه كان«عسري»، وأنه لا يتحكم في حركة يده، وأنه أوشك على الموت مرتين على الأقل بسبب ذلك، وأنه لم يكن ناجحا في كل ما كان يقوم به، وأنه كان ثقيلا.
جرت العادة أن يذكر الناس أمواتهم بالخير، لكن رئيس الحكومة، وبسبب رغبته الملحة في محو لقب «الحكيم» الذي سارع مستشارو الحزب الإعلاميون في إطلاقه على الراحل باها، حتى إنهم شرعوا ينشرون سلسلة «وصايا باها» على شاكلة وصايا لقمان لابنه، فإن بنكيران شرع في ذكر مساوئ الفقيد عوض مناقبه.
والحقيقة أنه إذا كان هناك من شخص «عسري» و«خضر» و«سريف» فهو رئيس الحكومة وليس باها. ولعل أول زلة اقترفها بنكيران، والتي لو كان باها رحمه الله حيا لما تركه يقترفها، هي غضبته بسبب تغريدة تافهة كتبها شرطي إماراتي متقاعد تنبأ فيها بسقوط حكومة العدالة والتنمية خلال هذه السنة.
والغريب في هذه القضية التافهة هو أن رئيس الحكومة قال أمام شبيبة حزبه بأنه رفع أمرها إلى الملك، لأنه لا يريد أن يفسد العلاقة الودية بين المغرب ودولة الإمارات.
هكذا أصبحت نبوءة تافهة صادرة عن شرطي متقاعد لا يتحمل أية مسؤولية عمومية في بلاده، قضية سياسية ودبلوماسية كبيرة في نظر رئيس الحكومة تستحق أن ترفع بشأنها شكوى إلى الملك لكي يفصل في ما بين الشرطي الإماراتي والأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
عندما تعلق الأمر بإهدار المال العام وتشويه صورة المغرب في الخارج، بسبب فضيحة «الكراطة» والملعب الغارق، دس رئيس الحكومة رأسه في التراب ودافع عن وزيره في الشباب والرياضة، وقال إن ما حدث ليس فضيحة وطنية. ولم نسمع أنه رفع أمر هذا الملعب الغارق إلى الملك لكي يبت فيه، بل إن الملك هو من بادر وأوقف أوزين عن التدخل في ملف مونديال الأندية إلى حين ظهور نتائج البحث الذي تولاه الدرك الملكي.
أما عندما تعلق الأمر بنبوءة تافهة تستهدف حزبه وتتوقع سقوطه في الانتخابات، فإن بنكيران لم يكتف فقط بالرد على صاحب النبوءة حين وصفه بـ«الشوافة»، بل إنه رفع الأمر مباشرة إلى الملك، وكأن الأمر يتعلق بمس خطير بالوحدة الترابية للمملكة أو تهديد لمصالح الوطن العليا.
وكم من مناسبة تعرض فيها المغرب لهجومات غير دبلوماسية من طرف دول أجنبية، فلزم رئيس الحكومة الصمت، وأقرب مثال إلينا هو ما حدث عندما جاء الأمن الفرنسي لتسليم استدعاء لمسؤول مغربي كبير من إقامة السفير المغربي في باريس، فقامت القيامة واختار رئيس الحكومة إحكام إغلاق فمه.
فالمقدس عند بنكيران هو الحزب، ومصالحه السياسية تعلو ولا يعلى عليها.
والواقع أن كل ما يمس وضعية الحزب الحاكم ومصيره الانتخابي، يشكل بالنسبة لرئيس الحكومة مصدر إزعاج حقيقي. فقد افتتح السنة الجديدة بخطاب انتخابي صرف عندما قال أمام شبيبته في بوزنيقة، إن حزبهم سيفوز بالانتخابات، متناسيا منصبه كرئيس للحكومة مفروض فيه احترام الآجال القانونية للحملات الانتخابية، مذكرا إياهم بأن حزب العدالة والتنمية لا يحكم بل يشارك في الحكومة فقط، وأن السياسة الخارجية لا دخل لرئيس الحكومة فيها بل هي مجال محفوظ للملك.
إذا كان حزب العدالة والتنمية لا يحكم فماذا يصنع وزراؤه في الحكومة؟
وإذا كانت الحكومة لا علاقة لها بالسياسة الخارجية فلماذا يصلح وزير الخارجية؟
يبدو أن غياب باها بدأت تظهر آثاره على خطاب رئيس الحكومة، وقد كنا سباقين إلى الإشارة إلى أن زمن «التشيار» سيبدأ، وها هي بوادره بدأت تظهر للعلن.
فبسبب نكتة سمجة من شرطي سابق أصبح رئيس الحكومة يهدد بنسف العلاقات بين المغرب والإمارات.
الحقيقة أن السبب في تحويل حبة شرطي دبي إلى قبة من طرف بنكيران، هو سعي هذا الأخير إلى إبعاد تهمة تسبب وزراء حزبه في إشعال الحرب الإعلامية بين المغرب ومصر.
وبمجرد ما بدأ الإعلام المصري والخليجي يتهم وزراء العدالة والتنمية المساندين لتنظيم الإخوان المسلمين، بالوقوف وراء إذكاء نار الحرب بين مصر والمغرب، حتى سارع بنكيران إلى «الهروب إلى الأمام»، مدعيا أن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك. وكأنه ضمنيا يقول لهؤلاء الذين يتهمون وزراءه بالتسبب في الأزمة مع مصر، إنه لا هو بوصفه رئيس حكومة ولا وزراؤه يملكون سلطة إشعال حرب مع دولة أجنبية أو سلطة إطفائها، بل الملك من يملك هذه السلطة، لأن حزبهم، حتى وهو يشارك في الحكومة، فإنه لا يحكم. بمعنى بالعربية تاعرابت «شوفو غيرو«.
وسياسة النعامة هذه التي احترفها بنكيران منذ أكثر من ثلاث سنوات، أظهرت فعاليتها، ففي كل مرة تندلع أزمة سياسية أو دبلوماسية يدس رئيس الحكومة رأسه في التراب ويشير بأصبعه في اتجاه الملك. وليس الرميد وزير العدل بأحسن حالا من رئيسه في الحكومة والحزب، فقد فعلها في أزمة «البيدوفيل» الإسباني عندما برأ نفسه ورمى الكرة في ملعب القصر.
عندما وصف بنكيران الراحل باها بـ«العسري»، أو «المفافي»، كما يقول المغاربة، وكما تعنيه عبارة «maladroit» التي نطقها رئيس الحكومة في حق باها بالفرنسية، والتي تعطي حسب المعجم الفرنسي 11 معنى كلها سلبية، فإنه ينسى أن أكبر الأخطاء السياسية والدبلوماسية كان هو شخصيا بطلها.
وآخر هذه «الزبلات» التي ارتكبها بنكيران كانت هي حمله لشرطي بزيه النظامي وسلاحه الوظيفي في الطريق عندما كان يقوم بـ«الأوطوصطوب».
ومن نوادره أنه ارتكب مخالفة البناء العشوائي في بيته واعترف بذلك، كما أنه اخترع طريقة جديدة لم يسبقه إليها أحد من العالمين في البروتوكول، يقضي بالمرور من تحت الشريط الأحمر عوض قصه، كما صنع في مراكش مع السفير الأمريكي.
أما ضحكه وقهقهاته بمناسبة وبدونها خلال اللقاءات الدبلوماسية، فقد أصبحت عقوبة لا يملك إزاءها الضيوف سوى الصبر.
وعندما يطالب بنكيران شبيبته بالكف عن نسج الأساطير حول الراحل باها، فإنه ينسى أن أكبر ناسج للأساطير والخرافات حول حزبه هو بنكيران نفسه.
أليس هو القائل إن حزب العدالة والتنمية هدية من الله إلى المغاربة؟
أليس هو القائل إنهم في الحزب «خدامين مع اللي صوتو علينا»، قبل أن يأتي عزيز العماري، المدير العام للحزب، ويقول «إنهم خدامين مع الله»؟ بقي له فقط أن يخرج لها «نيشان» ويعلن أن حزب العدالة والتنمية هو حزب الله المختار.
أليس هو القائل إن لحم أبناء العدالة والتنمية مر وكل من يأكله يصاب بأشياء غير طيبة؟
أليس في هذا ما يضع حزب رئيس الحكومة ووزراءه ومسؤوليه ضمن مصاف المرسلين المعصومين من الخطأ؟
أليس في هذا تخويفا للناس من انتقاد تجربة العدالة والتنمية في التسيير ومحاسبتهم على تقصيرهم؟
من ينسج الأساطير إذن، الذين يذكرون مناقب الفقيد عبد الله باها، أو بنكيران الذي يذكر مساوئه خالطا إياها بالسخرية على طريقة «المدح بما يشبه الذم»؟
ساحة النقاش