<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس= رشيد نيني
رجل السنة (2/1)
أسبوعا واحدا بعد دعوة مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، جميع الأحزاب السياسية إلى ضرورة الذهاب إلى الحمام للاغتسال وإزالة الأوساخ التي علقت بها، اختارته مجلة مغربية رجل السنة لعام 2014، وهو اختيار متملق وغير موفق لاعتبارات عدة، ليس أقلها فشل الرميد كوزير في تنزيل مشروع إصلاح القضاء وإخراج المراسيم التطبيقية للسلطة القضائية.
عندما يتهم وزير العدل الأحزاب السياسية بالفساد فهو لا يخبرنا جديدا، فهذا من باب السماء فوقنا والأرض تحتنا. ففي السابق كان المناضلون يفرون ويعتقلون بسبب قضايا الرأي، أما اليوم فالجميع يرى كيف أصبحت الأحزاب السياسية تفرخ اللصوص المبحوث عنهم والنصابين الفارين من العدالة والمعتقلين على ذمة قضايا الفساد المالي والأخلاقي.
زد على هذا أن وظيفة وزير العدل ليست هي أن يأتي إلى البرلمان ويقول لنا إن هناك فسادا وفاسدين في الأحزاب السياسية، فهذا يعرفه الجميع، فضلا عن أن هذه الملاحظة تدخل ضمن وظيفة الصحافي وكاتب الرأي والمتتبع والمواطن العادي الذي لا يملك بيده سلطة أخرى غير سلطة النقد. أما وظيفة وزير العدل الذي يملك في يده السلطة التنفيذية، فهي تحريك البحث والمتابعة وليس التشكي والإطناب في الوصف البلاغي والإنشائي لمظاهر الفساد، واستعمال الاستعارة والكناية وباقي المحسنات البلاغية، لكي «يقلز» لخصومه السياسيين من تحت«الجلابة» المذهبة التي أصبح يحلو له ارتداؤها.
عندما يأتي وزير العدل إلى البرلمان ويقول أمام الجميع إن هناك فسادا في الأحزاب السياسية، فإنه يبلغ عن جريمة يعلم بحدوثها، وهو عندما يصنع ذلك ولا يقوم باستعمال سلطته كرئيس للنيابة العامة في تحريك مسطرة البحث مع هؤلاء الفاسدين، فإنه بذلك يضع نفسه في خانة من يتستر على جريمة. أما إذا كان الهدف من تلويحه بهذا الاتهام ممارسة الابتزاز السياسي، فهذه جريمة سياسية أخرى أخطر وأنكى.
ولعل وزير العدل أحسن من ينطبق عليه المثل المغربي الذي يقول «خلاتو ممدود ومشات تعزي فمحمود»، أو في صيغة أخرى «خلات تشطب باب دارها ومشات تشطب باب الجامع».
فالفساد الأخطر والأكبر في المغرب، يا سعادة وزير العدل، ليس هو فساد الأحزاب السياسية بل فساد العدل. ويمكن أن تفسد جميع الأجهزة والإدارات والدواوين، إلا جهاز العدل، فإذا فسد العدل ليس ينفع أن تكون كل الأجهزة الأخرى صالحة، وإذا صلح العدل لا يضر أن تفسد الأجهزة جميعها، فسيف العدالة القاطع قادر عندما يخرج من غمده على تطويع الفاسدين وردهم إلى جادة الصواب. أما إذا فل سيف العدل وأصابه الصدأ فلا منفعة ترجى من صلاح بقية الأجهزة، لأن فسادها قائم لا محالة وإن تأخر.
ولعل آخر ما يضع وزير العدل في وضع لا يحسد عليه، هو ملف قاضي العيون الذي قدم استقالته للوزير بعدما تعرض لمضايقات من مسؤولين قضائيين في المدينة بسبب أحكام أصدرها. فقد طالب القاضي وزير العدل بإرسال مفتشية من وزارته للوقوف على حقيقة الخروقات التي يقول إنها تحدث بمحكمة العيون، وإنه اتصل بوزير العدل وطلب منه ذلك فأجابه الوزير «سامحك الله»، فكتب القاضي في صفحته بـ«الفيسبوك» يجيب الوزير قائلا له «لا سامحك الله»، مذكرا إياه بقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كبر مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»، متحديا الوزير بكونه طالبه بإبراء ذمته المالية مقابل الاستقالة، غير أن الوزير رفض قبول استقالته بدعوى أنه لا يريد التفريط في قاض نزيه مثله، وأنه يمنحه اختيار المحكمة التي يريد للذهاب إليها.
قاضي العيون يطرح بجرأة قضية مسكوتا عنها في سلك القضاء، فهو يطالب زملاءه القضاة الذين حاولوا التوسط بينه وبين الوزير، أن يلزموا حدهم وأن يحتفظوا بمساعيهم الحميدة لأنفسهم، فهو لا يطلب حظوة وإنما يطالب بإحقاق العدالة ولو كلفه ذلك الحكم بالإعدام، «فإذا كان أغلب القضاة جبناء، فأنا لست كذلك، وإذا كان الدفاع عن الحق يعتبره البعض اندفاعا وجنونا فأنا أكبر مندفع وأكبر مجنون، وإذا كانت نصرة الضعيف والضرب على يد القوي لإحقاق الحق رعونة وإسفافا فأنا أكبر أرعن»، يقول القاضي الغاضب.
وعوض أن يفصح الوزير عن تقرير لجنة التفتيش التي أرسلها إلى محكمة العيون، للتقصي حول الاتهامات الخطيرة التي كالها القاضي لمسؤولين قضائيين بالمدينة، بسبب رفض القاضي المذكور الحكم لفائدة مقاول متنفذ بمدينة العيون سبق لعدد من الجهات أن دافعت من أجل استصدار حكم لصالحه متعلق بنزاع عقاري يعود لبنك المغرب، اكتفى الوزير بمحاولة تهدئة القاضي الغاضب بمنحه حق اختيار المحكمة التي تروق له حتى ينقله إليها، مضيفا أن عليه أن يتعلم كيف يكون مرنا في التعاطي مع المشاكل، وأنه قبل أن يصبح وزيرا للعدل كان يغضب مثله، غير أن الوزارة رطبت من تصلبه إلى أن أصبح طيعا لين العريكة، مثل حرير جلابته المذهبة.
لكن يبدو أن «رجل السنة» مشغول بالأوساخ التي تعلو سحنات السياسيين من خصومه، عوض تلك التي تعلو بذل بعض القضاة الذين حولوا المحاكم إلى بورصة لتداول «القيم» الفاسدة.
والسبب وراء انشغال سعادة وزير العدل بفساد الأحزاب السياسية مرده دواع انتخابية بحتة، خصوصا إذا عرفنا سبب حرص وإصرار الوزير على التماطل في استصدار المراسيم التطبيقية المنظمة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي جاء لكي يعوض اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء، وتأجيل ذلك إلى ما بعد الانتخابات الجماعية لسنة 2015.
فالسيد الوزير لا يريد أن يحرم نفسه من سلطته على النيابة العامة، خصوصا امتياز تحريك الدعوى العمومية متى وأينما شاء، علاوة على حرصه على الاستمرار في التمتع بسلطته داخل المجلس الأعلى للقضاء، انطلاقا من كونه نائبا للملك، الرئيس الفعلي للمجلس.
والأهم من كل ذلك، أن السيد الوزير يتماطل في استصدار المراسيم التطبيقية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لكي يستمر في الاستفادة من سلطة الانتداب القضائي الذي تحول على عهد الرميد إلى سيف فوق رقاب رؤساء المحاكم، لكون هذه السلطة تخول لوزير العدل، وخارج الدورات، تنقيل رؤساء المحاكم بين المحاكم حسب ما يراه سعادة الوزير مناسبا من الأسباب.
ولكم يحلو لوزير العدل ترديد لازمة لا تكاد تفارقه هذه الأيام حول مراقبة ثروات القضاة، واغتناء بعضهم وظهور ذلك عليهم. فقد توعد سعادة وزير العدل القضاة الذين يراكمون ثروات مشبوهة، في كلمة ألقاها أمام أعضاء لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، بأن القانون منح للمجلس صلاحيات تتبع ثروة القضاة، وتقديرها بواسطة التفتيش، مهددا بالمتابعة التأديبية لكل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته خلال فترة ممارسة مهامه، زيادة ملحوظة لا يستطيع تبريرها بصورة معقولة.
سعادة الوزير يريد إيهام الرأي العام بأنه لا يستطيع، بالقوانين الحالية، مساءلة القضاة حول مصدر ثرواتهم، والحال أن القوانين المتوفرة، سواء الفصل 29 من قانون الضرائب الذي يخول لمفتشي الضرائب مساءلة أي مواطن حول مصدر أمواله، أو قوانين المجلس الأعلى للقضاء، كلها تعطي لوزير العدل الصلاحية في محاسبة القضاة على ثرواتهم.
وزير العدل الذي يهدد القضاة الأثرياء بمساءلتهم حول مصدر ثرواتهم هو نفسه الوزير الذي نزل ضيفا على عرس أسطوري يدخل ضمن أعراس ألف ليلة وليلة، نظمه قاضيان بمناسبة اقتران ابن أحدهما بكريمة الثاني.
والأمر يتعلق بابن الرياحي، المحامي العام للمملكة الذي اقترن بابنة القاضي مداح، الوكيل العام لمحكمة النقض. وقد شاهد وزير العدل بأم عينه كيف أن العرس الذي كلف حوالي مليار سنتيم، كان باذخا ويليق برجلي أعمال من أثرياء البلد وليس بقاضيين.
لقد أكل الوزير ما لذ وطاب وشرب هنيئا مريئا، وسقى عينيه بمشهد العروس وهي ترفل في كيلوات من الذهب ومشهد العريس الذي تسلم من والده سيارة «فيراري» هدية.
أفلم يتساءل وزير العدل، المنشغل بتتبع ثروات القضاة، من أين لقاضيين لا يتعدى راتب كل واحد منهما 30 ألف درهم بكل هذا النعيم والثراء؟
يبدو أن سعادة وزير العدل يؤمن بالمثل الشعبي القائل «العروسة للعريس والجري للمتاعيس»، فهو لا يريد أن «يعكر» فرحة القاضيين بفتح تحقيق حول ثروة كل واحد منهما، وهي الثروات التي سارت بذكرها الركبان، حتى لا يحسبه هؤلاء ضمن «المتاعيس» الذين يحترفون رياضة «الجري» وراء السراب، خصوصا أن سعادته اكتشف بعد الاستوزار مزايا «السباحة» في نادي القضاء، وهي رياضة «تغنيه» عن رياضة الجري التي لم تورثه سوى التشنجات العضلية التي لا ينفع معها «الماصاج».
ساحة النقاش