المساء = عبد الله الدامون
بين المسجد.. والسينما
العدد :2565 - 27/12/2014
مرة، اشتكى لي صديق من الإغلاق المتواتر للمساجد من أجل الإصلاح، خصوصا وأن مدة الإصلاح تطول أشهرا، وأحيانا سنوات. سألته عما إن كان لا يجد مكانا للصلاة، مع أن الأرض كلها طهور للمصلين، وأينما وليت وجهك فثم وجه الله؛ لكن الصديق قال إن إغلاق المساجد يؤدي إلى ازدحام كبير في صلاة الجمعة، وهو ما يحرم الكثيرين من أداء الصلاة، كما يضعهم، أيضا، في خانة الذين يطبع الله على قلوبهم إذا ما تركوا صلاة الجمعة لأربع مرات.
قلت له إني أعرف أشخاصا طبع الله على قلوبهم مع أنهم لم يفلتوا في حياتهم أية صلاة جمعة، وهم في كثير من الأحيان يقصدون الصفوف الأمامية في كل صلاة، لكنهم خارج المسجد وحوش كاسرة.. يأكلون حق اليتامى وينهرون السائل والمحروم وينافسون الذئاب في الخنق والذبح.. فأين هي صلاتهم وأين هو صيامهم وأين هو حجهم وأين هي أشياؤهم الباقية؟
قلت لصديقي إن أغلبية المساجد في البلاد لا ينبغي أن تـُصلح فقط، بل يجب أن تُعاد هندستها من الألف إلى الياء ويتم بناء المراحيض في قبو أسفل المسجد وليس عند الأبواب الرئيسية للمساجد، أما السبب فنراه كل يوم ونتحسر ألما بسببه.. تدخل مسجدا للقاء وجه الله فتكون أول ما تفعله هو أن تقفل أنفك بأصابعك حتى لا تـُدوّخك رائحة المراحيض، والمثير أن الرائحة تدخل، في كثير من الأحيان، إلى داخل المساجد فلا يعرف المصلي ما إن كان في بيت الله أم في مكان آخر مقزز.
هناك مصلون يدخلون مرحاض المسجد ويفعلون كل شيء وينسون أن النظافة أساس الإيمان، وأن المسلمين تفوقوا على غيرهم من الأمم ليس لأنهم كانوا يصلون كثيرا، بل لأنهم كانوا أيضا ينظفون أنفسهم كثيرا جدا، لأنه في الوقت الذي كان فيه ملك فرنسا يخرج في موكب رسمي وأينما فاجأته حاجته يقضيها في أي مكان ثم يرفع لباسه ويمشي، فإن المسلمين في الأندلس صنعوا أبهى تقنيات الصرف الصحي، وكانت مراحيضهم مثالا في النظافة واحترام الكائن البشري. والغريب أنه عندما سقطت الأندلس وبدأت محاكم التفتيش الرهيبة، كان القساوسة يطاردون المسلمين ويكتشفونهم بسهوله لأنهم أنظف من الآخرين.
المسلمون صنعوا تقدمهم في الأيام الخوالي ليس لأنهم كانوا أقوياء في الحروب فحسب، بل أيضا لأنهم كانوا يغتسلون باستمرار ويعتنون بنظافتهم إلى درجة التقديس، بينما كان الأوربيون يغتسلون مرة في العام بمناسبة أعياد الميلاد، وكانت الفكرة الشائعة عند الأوربيين وقتها هي أن استعمال الماء بكثرة يؤدي إلى ترهّل الجسد.
اليوم، صرنا نموذجا للقذارة حتى في مساجدنا، إلى درجة أن أبشع المراحيض التي يمكن أن يلجها كائن بشري هي مرحاض مسجد. لكن هناك ما هو أغرب من هذا، وهو أن مراحيض المساجد عندنا تكاد تشبه ملاعب الكرة، فعندما يدخل أحد إلى بهو المراحيض يكون أول ما يقوم به هو التصفيق، كمحاولة لإخبار من يوجد في الداخل بأن عليه الإسراع لكي يفسح المجال للآخرين، وأحيانا تعلو التصفيقات حتى يعتقد البعض أن «ميسي» أو «رونالدو» سجل هدفا.
في عدد من بلدان العالم، أُصاب بالذهول من فرط نظافة مساجدها، ومراحيض مساجدها.. أتذكر مساجد إسطنبول وكيف أنها قمة في النظافة إلى درجة أن المصلين يضعون أحذيتهم في أكياس بلاستيكية مجانية عند الأبواب حتى لا تسقط ذرة تراب على أرضية المسجد، أما عندنا فإننا نضع جباهنا، أحيانا، على زرابي يبدو أنها قُصفت بأسلحة كيماوية، وعند نهاية صلاة الجمعة يتسابق الناس نحو أبواب الخروج كأنهم يخافون البقاء في بيت الله لوقت أطول، وكل «مؤمن» يضع حذاءه فوق رأس «مؤمن» آخر، حتى يبدو الداخل إلى المسجد مفقودا والخارج منه مولودا.
اليوم، وفي الأفلام السينمائية التي يصور فيها الغرب المسلمين، يظهر هؤلاء قوما همجيين ومتخلفين، وأبرز صفة يظهرون فيها هي الوساخة، ونادرا ما تجد شخصية مسلمة في فيلم غربي تتميز بحسن الخلق والنظافة، لذلك أتحسر على الإغلاق النهائي لدار للسينما أكثر مما أتحسر على إغلاق مؤقت لمسجد. الناس يمكنهم أن يصلوا في أي مكان لأن الله في كل مكان، وعندنا مساجد كثيرة تكفي كل هذه الجحافل من المؤمنين الذين لا يدرون ما يفعلونه مع إيمانهم العجيب، لكننا لا نتوفر على سينما ندافع بها عن أنفسنا ونعرض فيها أفلامنا وليس أفلام الآخرين المسيئة إلينا.
ساحة النقاش