http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

المساء = عبد الله الدامون

بعد رحيل الزايدي وباها.. الموت الذي لا نفكر فيه

العدد :2551 - 11/12/2014

عندما مات عبد الله باها في المكان المعلوم بالطريقة التي يعرفها الجميع، لم يُصدم الناس بالموت أكثر مما صُدموا بطريقته ومكانه، وقال كثيرون إن ذلك المكان المشؤوم في بوزنيقة صار شبيها بمثلث برمودا، حيث اللعنة تحيق بأي مار، سواء كان في البر أو البحر أو السماء.

مات باها في نفس المكان الذي مات فيه أحمد الزايدي، حيث ذهب عبد الله لتفحص المكان الذي مات فيه أحمد، فكان الموت ينتظره في نفس المكان وبنفس الطريقة التراجيدية، فهل يمكن للصدفة أن تكون مريرة إلى هذا الحد، حيث الموت نفسه بالطريقة التراجيدية نفسها ينصب كمينا في المكان نفسه لشخصين بمواصفات متشابهة؟

سمعنا بموت أحمد الزايدي فانزعجنا من القدر وقلنا ألم يجد الموت رجلا آخر يقتنصه غير هذا الرجل الذي كان يعد لمشروع جميل بإعادة حزب الاتحاد الاشتراكي إلى نفسه عبر محاولة العودة إلى كنف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية؟ لكن الرجل، عوض أن يعود إلى كنف الحزب، ذهب إلى كفن الموت، وبقي كثيرون ينظرون إلى هذا القدر الذي يبدو أكثر تعقيدا مما نتخيله.

بعد أسابيع، جاء خبر موت باها مفاجئا تماما كما جاء خبر موت الزايدي، حين حاول عبور السكة فـ«فاجأه» القطار فلم يدر هل يتقدم أم يتراجع. الموت قائم أصلا على طابع المفاجأة، لكن من الصعب أن نسمع أن عبد الله باها مات في نفس المكان الذي مات فيه أحمد الزايدي بشكل مفاجئ، ومن الصعب أن نستوعب أن باها قد أدرك ما هو أكثر من معرفة المكان الذي مات فيه الزايدي، وهو المكان الذي ذهب إليه بعد الموت.

في الحروب يموت الجنود بنفس الطريقة وفي نفس المكان، لكن ذلك يبدو عاديا إلى درجة أن موت جندي يعتبر أكثر منطقية من نجاته؛ لكن في أماكن أخرى، يبدو من غير المنطقي أن يموت الناس بنفس الطريقة وفي نفس الأمكنة، وبنفس الشهرة، وأحيانا بنفس الأهداف. ولو أننا أدخلنا طريقة موت الزايدي وباها في سيناريو فيلم هتشكوكي مخيف فسيقول كثيرون إنه خيال زائد على الحد ومبالغة بلا كوابح.

على مر الأيام والأسابيع والشهور المقبلة، وربما على مر السنوات المقبلة، سيظل الناس يتساءلون أي قدر ساق مسؤولا سياسيا كبيرا إلى مكان موحش في منطقة معزولة وتحت جنح الظلام لكي يتفقد مكانا مات فيه رجل آخر شهرا قبل ذلك. سيتساءل الناس هل كان المرحوم باها على وعي كامل بقدره حتى فكر بهذه الطريقة؟ وهل وقف الرجل على سكة حديدية دون أن يراها، وهل رآها لكنه لم ير القطار؟ وهل القطار شبح حتى لا يراه الراحل، مع أنه لا يوجد أقوى من صوت منبه القطار ولا أقوى من أضواء القطار ولا أقوى من هدير القطار.

الأسئلة التي تدور في أذهان المغاربة أكثر من المتوقع، مع أن موتا مثل هذا ليس مستحيلا؛ ففي الواقع، توجد أشياء كثيرة تفوق الخيال بكثير، وهناك حالات موت كثيرة لم يحل التاريخ ألغازها رغم مضي آلاف السنين.

الذين يؤمنون بمنطق الأماكن الملعونة سيجدون اليوم دليلا على اعتقاداتهم؛ وربما يكون الاعتقاد صحيحا مادامت هذه الحياة يهرب عنها المنطق في حالات كثيرة وتظل معلقة على قرن الحيرة؛ ففي تلك المنطقة، ما بين البحر ووادي الشرّاط في بوزنيقة، كانت هناك من قبل حالات وفيات غريبة، وسبق للمياه أن جرفت آخرين، كما ابتلع البحر أناسا آخرين لاتزال جثثهم لم تظهر بعد؛ وفي بوزنيقة تعرض الراحل المهدي بن بركة لمحاولة اغتيال عانى بعدها من جروح خطيرة؛ وعلى بعد كيلومترات قليلة من بوزنيقة، في القصر الملكي بالصخيرات، كاد الملك الراحل الحسن الثاني أن يلقى مصيرا دراميا خلال المحاولة الانقلابية. هكذا، يبدو وكأن خرافة مثلث «برمودا» رحلت عن خليج المكسيك وحطت الرحال بـ«مثلث بوزنيقة».

أما المؤمنون بالقضاء والقدر فلن يطرحوا أسئلة كثيرة، ففي عمق كل إنسان هناك أحاسيس تسبب القشعريرة، وهي أحاسيس وجودية غالبا ما ننساها أو نتناساها في غمرة انشغالاتنا اليومية وجرْينا اليومي وراء لقمة الخبز، مع أن الموت أقرب إلينا من حبل الوريد، لكننا نتعامل معه ككائن يعيش على كوكب المريخ.

 

 

المصدر: المساء = عبد الله الدامون
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 30 مشاهدة
نشرت فى 25 ديسمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

282,650