المساء = يوسف بلال
أمريكا، كوبا والشيوعية الليبرالية
العدد :2560 - 22/12/2014
قرار الرئيس باراك أوباما استئناف العلاقات الرسمية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا يفتح صفحة جديدة في العلاقات الدولية ويضع حدا لصراع دام أكثر من خمس وخمسين سنة. ومثل العديد من صراعات «الحرب الباردة»، لم يكن النزاع بين الولايات المتحدة وكوبا عسكريا، بل أخذ طابعا إيديولوجيا وجيو-سياسيا منذ اندلاعه سنة 1959 بعد أن نجحت مجموعة من المتمردين، تحت قيادة المحامي فيديل كاسترو والطبيب إرنستو تشي گيفارا، في إسقاط نظام الديكتاتور بتيستا الذي كان يتلقى دعما عسكريا وماليا من واشنطن.
وكانت الولايات المتحدة تعتبر أن النظام الكوبي يشكل خطرا على مصالحها، ليس بسبب قوته العسكرية الذاتية، وإنما بسبب وجود دولة حليفة للنظام السوفياتي على بضع كيلومترات من السواحل الأمريكية يمكنها أن تساعد حركات اشتراكية في الوصول إلى الحكم في دول أخرى من القارة الأمريكية. وقد بلغ الصراع ذروته عندما فشلت وكالة المخابرات الأمريكية الـ»سي. آي. إيه» في أن تسقط نظام كاسترو سنة 1961، ثم حين هدد الرئيس جون كينيدي باستخدام الأسلحة النووية ضد موسكو إن لم تراجع قرارها إرسال صواريخ نووية إلى كوبا في غشت 1963. وعلى الرغم من أن سقوط جدار برلين سنة 1989، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، وضعا حدا للحرب الباردة، فإن النزاع بين أمريكا وكوبا قد استمر بسبب ضغط الجالية الكوبية القريبة من الجمهوريين والمحافظين الأمريكيين الرافضين لأي تطبيع مع نظام كاسترو الذي استفاد، كذلك، من هذا الوضع والحفاظ على تماسك داخلي أمام «العدو الخارجي».
ودون شك، فإن قرار الرئيس باراك أوباما فتح سفارة أمريكية في هافانا يشكل أول نجاح حقيقي لسياسته الخارجية بعد أن استغرقت المفاوضات السرية مع النظام الكوبي أكثر من سنة ونصف. وفي الوقت الذي تسعى فيه الدبلوماسية الأمريكية إلى الوصول إلى اتفاق نهائي مع جمهورية إيران الإسلامية حول الملف النووي، سوف يحفز التقارب مع كوبا المفاوضين الأمريكيين والإيرانيين على الوصول إلى حل توافقي؛ أما بالنسبة إلى النظام الكوبي، فإن هذا القرار سيغير بشكل ملموس الاقتصاد الوطني الذي سيتبنى قواعد «السوق» ويحرر القطاعات العمومية ويندمج في اقتصاد شمال أمريكا.
وفي الواقع، ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تعرف كوبا تحولا سياسيا جذريا من النوع الذي عرفته روسيا أو بلدان أخرى من أوربا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لأنه قد يؤدي بها إلى المجهول؛ كما أن انتقالا ديمقراطيا سريعا قد يهدد مصالح النخبة الحاكمة الآن في كوبا. ويبدو أن العديد من المسؤولين في الحزب الحاكم الكوبي، بدعم من واشنطن، مستعدون لاستنساخ التجربة الصينية أو الفيتنامية التي بينت أنه لا حاجة إلى إلغاء النظام الشيوعي أو دمقرطة المؤسسات مادام البلد يعرف نموا اقتصاديا مرتفعا.
ساحة النقاش