فلاش بريس - المصطفى مورادي
لكل نبأ مستقر
يثبت «تراثنا» كدولة أنه بالرغم من اتفاقنا في تشريح الداء، إلا أننا لا نلتزم بموجبات الاستشفاء، ربما للأمر علاقة بثقافة الانتظار وغياب روح المبادرة والاجتهاد وعدم تحمل المسؤولية وتغليب المصالح الفئوية والحزبية والعائلية والشخصية على المصلحة العامة، وهي كلها سمات أضحت اليوم مميزة لنا عن العالمين، ولا حظ للحكيم فينا عن العامي..، ويوجد في التعليمين العالي والمدرسي من الأدلة ما يعفينا من تعب البحث والتقصي، وما رد الفعل الهستيري الذي أظهره بعض مسؤولي وزارة التربية الوطنية، ممن «يحسبون كل صيحة عليهم»، على هامش قراءتهم لعدد الأسبوع الماضي، إلا دليل واضح على الكيفية التي يصبح فيها تدبير مرفق عام مسألة شخصية جدا، بل ويتم توظيف نتائج دراسة لتحقيق أهداف شخصية، وهي التقرب من وزير مفرط في تشاؤمه.. هكذا وبكل صفاقة.
لاحظنا هذا مثلا في مشروع قانون المالية والذي يناقض تماما ما تصرح به الحكومة عن كون التعليم «مفتاح الحاضر والمستقبل» كما جاء على لسان وزير الاقتصاد والمالية أمام نواب الأمة، عندما خصص ميزانية سيتم صرفها بالكامل على جوانب اجتماعية لا علاقة لها بالجانب التربوي، تاركة البحث والذي تبنى عليه البرامج والمناهج «للتطوع» وأريحية الباحثين، واسترزاق المحظوظين، حيث سيسجل التاريخ أننا من الدول التي ترهن إصلاح تعليمها لتوسل الباحثين، و«تسولها» الحلول والإعانات من المنظمات والمكاتب الدولية... «مِتْعَوّدَة دَايما» على لازمة الزعيم عادل إمام !
لاحظنا هذا عندما أنهى الوزير السابق لقطاع التعليم محمد الوفا مجموعة من مشاريع البرنامج الاستعجالي دون أن يقدم لهذا الشعب النتائج الحقيقية للافتحاص المالي والإداري والتربوي كما وعد بذلك، مكتفيا بتقرير إنشائي خجول قدمه أمام البرلمان..، رأينا توقيعه على مرسوم إنشاء المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والتي يعول عليها لحل مشكلات كبرى في مهنة التدريس، لكن أفرغها من مضمونها، عندما أضحى التنسيق مع بعض مديري الأكاديميات عائقا حقيقيا في التكوين، ثم سمعناه يتكلم عن أهمية هيأة التفتيش فإذا بالوزارة ما تزال تغلق مركزي تكوين المفتشين، ثم سمعناه يتكلم عن تقديم ملفات للقضاء على هامش ظهور تقرير المجلس الأعلى للحسابات يظهر اختلالات جنائية في أكاديميتين، ولم يظهر أي شيء، بل عمد فقط إلى إظهار «لائحة سوداء» تضم مقاولات أغلبها موجود على الورق فقط، بينما المقاولات الحقيقية والتي تتحكم في كبريات مشاريع الوزارة لم يجرؤ عليها بالرغم من تسيبها..
وسمعناه أيضا يتكلم عن حربه ضد المحتلين للسكن الوظيفي، فطرد صغار الموظفين أو أراملهم ممن كانوا يقطنون في مستودعات وأقسام مهترئة، لكنه في المقابل «جدد ثقته» في الفئران السمينة التي تحتل فيلات في كبريات المدن، ومنح بعضهم مناصب مديري أكاديميات ونواب..، ليحتلوا سكنا وظيفيا آخر. وسمعناه يفضح الريع النقابي وانتهى كلامه إلى «لجم» أغلب النقابات عن أداء أدوراها، وعدم انتقاد تسلطه، وتفرغت هي بالمقابل إلى نيل نصيبها من كعكة «تغيير الإطار»، فضلا عن «فتافيت» الانتقالات من تحت طاولة القانون والشفافية، وهاهي الآن تشحذ سكاكينها «دفاعا» عن المدرسة المغربية... كذا، وتحمل المسؤولية الكاملة لفشل المنظومة للحكومة وحدها، ولم تطرح سؤالا واحد عن هويتها الحقيقية البعيدة بكل تأكيد عن حمى المطالب الفئوية وإصدار بيانات الشجب والإدانة.
سمعنا لحسن الداودي مرارا «يقرض شعرا» في أهمية البحث العلمي، وعن ضرورة إصلاح الجامعات العمومية، لكنه في المقابل أثبت عجزه التام ورمى بالكرة لمجلس عزيمان، ونسي أنه في مقام وزير، وأنه هو من عليه أن ينفذ ما يدعو إليه الآخرون، وهاهو عاجز تماما عن إعطاء أي حل لمعضلة الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح، بل هاهو الآن يدافع عن «جُوجْ فْرَانْك» المخصصة لقطاع بحجم التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، وفي المقابل يبدي حماسة غريبة للجامعات والمعاهد الأجنبية ويحرص على استقطابها لاستقبال الأثرياء والمحظوظين الذين يسكنون المغرب وتسكنهم أوروبا وأمريكا.. وكأن الرجل غير الرجل، فبدل أن يقدم تصورا لمعالجة العبث المنظم الموجود في الجامعات، والتي أضحت تشبه إلى حد كبير «حضانات للأطفال الكبار»، ها هم طلبتنا، رجال الحاضر والمستقبل، يردون الحسنة بأفضل منها، ويطالبون بحذف الامتحانات بشكل نهائي في الماستر لأنه «حق للجميع»، وبعد أن يحصلوا على هذا الحق، سيقفون أمام سيارة رئيسه و«أخيه» بنكيران للمطالبة بالتوظيف المباشر.
ساحة النقاش