المساء = يوسف بلال
الديمقراطية والتعذيب
العدد :2554 - 15/12/2014
التقرير الذي أعدته مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي حول ممارسات وكالة المخابرات الأمريكية الـ«سي آي إيه» واعتمادها التعذيب في «محاربة الإرهاب» في الفترة الممتدة من سنة 2002 إلى حدود سنة 2008، يطرح العديد من التساؤلات حول دور المخابرات في الأنظمة السياسية الحديثة وخضوعها للمراقبة الديمقراطية والمساءلة والمحاسبة. وهذه الممارسات تذكرنا مجددا بأن الدول الديمقراطية ليست محصنة من أبشع الجرائم المرتكبة باسم «مصلحة الدولة» بالخصوص بعد عمليات إرهابية مثل عمليات الحادي عشر من شتنبر عندما تبنت أمريكا منطق الانتقام.
وحسب من كان يدافع عن قرار اعتماد التعذيب، فإن هذا النوع من الممارسات قد يسمح للمخابرات بأن تحصل على معلومات في وقت وجيز تساعدها في إلقاء القبض على مدبري العمليات الإرهابية، ويحصن أمريكا من هجومات جديدة. والواقع أن نتائج التقصي، الذي أجرته لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي والذي استغرق خمس سنوات، تبين أن اعتماد وكالة المخابرات الأمريكية التعذيب لم يأت بتاتا بنتائج ملموسة ولم يسمح لها بالحصول على معلومات صحيحة ودقيقة، كما بين أن ما وصفته الوكالة بعمليات تعذيب «طفيفة» كان، في الواقع، أبشع بكثير مما نقلته إلى الإعلام والرأي العام الأمريكيين؛ وأوضح التقرير أن تلك العمليات كانت مضرة بالمصالح الأمريكية في العالم.
هل هذه الممارسات تعني أن النظام الديمقراطي فاشل بشكل مطلق؟ في الواقع، لا يمكن التصدي لانزلاقات الديمقراطية إلا بمزيد من الديمقراطية، حيث هذه الحقائق حول التعذيب ترى النور بفضل عمل الصحافة الحرة ودور المنتخبين في مراقبة السلطة والأجهزة التنفيذية، لأنه يستحيل أن يكون تحرٍّ من هذا النوع موضوعيا وشفافا في الأنظمة السلطوية. وأكيد أن الحكومة الأمريكية اضطرت إلى أن تعرض هذا التقرير على الرأي العام بعد أن أعدته لجنة الكونغرس المكلفة بتقصي الحقائق، كما أنها غير راغبة في محاكمة المسؤولين عن التعذيب؛ لكنه لا يكفي أن يتم تسليط الأضواء على ممارسات التعذيب، بل يجب محاكمة من أمر بها ومن نفذها كما تلزم بذلك اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية؛ وحتى إذا لم تتم محاكمة المسؤولين عن التعذيب بأمريكا، فإنه يمكن متابعتهم أمام محكمة لاهاي الدولية كما يسمح بذلك القانون الدولي. وإذا أرادت الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن يكون لخطابها حول الديمقراطية وحقوق الإنسان حد أدنى من المصداقية فإنه يجب أن تخضع، كذلك، للقانون الدولي وأن يحاسب جميع المسؤولين عن أعمال التعذيب.
أما في المغرب، فإذا كانت الدولة تلتزم فعلا باحترام حقوق الإنسان، فإنه يجب عليها أن تسمح للجمعيات الحقوقية والصحافة والبرلمان بأن يتقصوا الحقائق ويسلطوا الأضواء على دور الأجهزة الأمنية المغربية في عمليات التعذيب لصالح وكالة المخابرات الأمريكية، حيث أكد تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي أن العديد من المسؤولين الكبار بالدول التي احتضنت مراكز التعذيب السرية تلقوا مبالغ مالية نقدية طائلة مقابل خدماتهم؛ كما يجب فتح نقاش وطني حول مشكل أعمق، ألا وهو طريقة اتخاذ القرارات من قبل الأجهزة الأمنية وطريقة اشتغالها وعدم خضوعها للمراقبة الديمقراطية والمساءلة والمحاسبة.
ساحة النقاش