http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

المساء = عبد الله الدامون

المخابرات العربية شيطانية أكثر من الشيطان نفسه

العدد :2555 - 16/12/2014

أذكر أنه قبل حوالي عشر سنوات، في ليلة باردة بالعاصمة الرباط، كنت آويت إلى منزلي مبكرا في مدينة تنام قبل الديك، حين جاءتني مكالمة من شخص أعرفه قال لي إن هناك «همزة» صحفية تنتظرني، فقفزت فورا إلى الشارع وهرولت نحو مكان «الهمزة».

في المكان المعلوم، وجدت شخصين ينتظرانني إلى جانب الشخص الذي هاتفني.. الرجل الأول كان ببشرة بيضاء ولحية معتدلة الطول وكان يلبس جلبابا أسود، يومها خلته إمام مسجد لأنه كان يتسم بصفات تتراوح ما بين الخجل والحذر؛ أما الرجل الثاني فكان حليقا ويميل إلى السمرة وبدا أنه لايزال يعاني من أشياء لم أتبينها في البداية، قبل أن أعرف أني أول من يلتقي برجلين عادا للتو من معتقل غوانتنامو الأمريكي، ولا أعرف ما إن كنت أول صحفي مغربي حاور معتقلين من معتقل غوانتنامو أم إن أحدا سبقني إلى ذلك، فلا أدعي سبقا لست متأكدا منه.

الرجل الأول من الناظور، والثاني من سطات، وقد كانا محظوظين، إلى حد ما، لأنهما كانا من أوائل المغادرين لمعتقل غوانتنامو؛ لكنهما كانا، أيضا، من أوائل المعتقلين الذين تعرضوا لصنوف رهيبة من التعذيب وجدت صعوبة في تصديقها.

لم أر أمامي رجلين منهارين، بل خرجا من الجحيم الأمريكي بقليل من الخسائر، رغم أن الرجل الثاني كانت تبدو على ملامحه معاناة أكبر، بل عليه آثار تعذيب رهيبة جعلته يبدو وكأنه خرج توا من قبو تابع للمخابرات العربية وليس من سجن تابع لدولة تسمي نفسها زعيمة العالم الحر.

أتذكر أشياء كثيرة تحدثا عنها، بدءا بالتعذيب تحت الشمس وتحت الماء والحرمان من النوم والإطعام بوسائل وحشية، مرورا بتعذيب نفسي يمس معتقداتهما ومبادئهما، وانتهاء بالسخرية والاستهزاء والإكراه على ممارسة عروض التعري الجنسية أمامهم.. وأشياء كثيرة أخرى.

وقتها، وجدتني غير مصدق لما يحكيه الرجلان.. أعرف أن أمريكا هي التي أبادت الهنود الحمر، وهي التي استعبدت ملايين الأفارقة وأغرقت ملايين آخرين في مياه المحيط، وأعرف أن أمريكا هي التي قتلت الملايين في أي مكان تغزوه، وأنها هي التي ألقت القنابل الذرية على اليابان التي كانت قد استسلمت أصلا، وأنها هي التي ذبحت الملايين في الفييتنام وغيرها من مناطق الحروب في العالم، وأنها هي التي تتاجر مخابرتها في الكوكايين لتمويل العصابات المسلحة في أمريكا اللاتينية، وهي التي تدعم الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الديمقراطية، وهي التي تقتل أطفال العراق صباح العيد بصورايخ مكتوب عليها «عيد سعيد يا أطفال العراق»، وأنها هي التي تجعل الفلسطيني الميت هو المجرم والإسرائيلي القاتل هو الضحية، وأنها.. وأنها.. وأنها.. لكنني لا أفهم لماذا وجدت وقتها صعوبة في استيعاب أن أمريكا تتفوق على المخابرات العربية في أشكال التعذيب.

كنت أنظر في عيون المعتقليْن الخارجيْن للتو من جحيم غوانتنامو وهما يحسان بما أستشعره من غرابة، فيبتسمان كما لو أنهما يخففان من روْعي، وأحدهما بدت على جسده آثار تعذيب رهيبة.

المعتقل المتحدر من الناظور قال لي جملة بليغة، وهي أن المعتقلين لو كانوا مجرد حيوانات لما لقوا أبدا كل ما لقوه على أيدي السجانين الأمريكيين. أحيانا، كان يقول إن الأمريكيين كانوا يعاملوننا مثل البغال أو الحيوانات عموما، لكنه كان يتدارك ويعدل كلامه لأنه يعرف أن أمريكا لم يكن ممكنا أبدا أن تعامل سجناءها كحيوانات، لأنها تعامل الحيوانات بطريقة أفضل بكثير مما تعامل به البشر.

مرت سنوات طويلة على انفجار الجدل حول ما جرى ويجري في معتقل «غوانتنامو»، ثم بدا أن العالم نسي الموضوع تماما، فأمريكا تستطيع دائما أن تمارس «السّماوي» على العالم كله، لذلك ينسى الناس سريعا ما تقوم به ويظلون معجبين فقط بالماكدونالدز وكوكا كولا والمارلبورو وسينما هوليوود وقوام نجمات الشاشة.

أمريكا ظلت دائما تقدم وجهها إلى العالم بطريقتين: طريقة بشعة من خلال الحروب والمذابح والتصفيات والعمل القذر للمخابرات؛ ووجه البلد الديمقراطي الذي يتزعم العالم الحر.. إنه مزيج ما بين البشاعة المزمنة وما بين تقدمها التكنولوجي الكبير وصنعها لديمقراطية حقيقية.. لكن لشعبها فقط.

أمريكا تستطيع، أيضا، أن تغتسل من ذنوبها بين الفينة والأخرى، لذلك أصدرت قبل أيام ذلك التقرير الشهير الذي يؤكد وجود حالات التعذيب الرهيبة في معتقل غوانتنامو، وتأكد، بما لا يدع مجالا لذرة من الشك، أن أمريكا تمتلك أكثر من وجه، وأنها تحاول باستمرار أن تعترف بذنوبها، ليس لأنها تخاف الله، بل لأنها تخاف الانهيار المفاجئ، لأن كل الحضارات المتجبرة سقطت بفعل جبروتها، لذلك تحاول أمريكا أن تعطي الانطباع بأن جبروتها مجرد خطإ، مع أنها الدولة الوحيدة في العالم التي قامت ونشأت واستمرت على الخطيئة.

رغم كل شيء، هل تستطيع المخابرات العربية، وهي تلميذة المخابرات الأمريكية في كل شيء، وأحيانا تفوقها بشاعة، إصدار تقرير مشابه للتقرير الأمريكي الذي يعترف بتعذيب الناس؟

 أبدا.. لو قامت مخابرات البلدان العربية بذلك فسينتحر الشيطان، فالمخابرات العربية شيطانية أكثر من الشيطان نفسه.

 

 

المصدر: المساء = عبد الله الدامون
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 33 مشاهدة
نشرت فى 16 ديسمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,411