فلاش بريس = حسن البصري
حذاء المنجرة
دعت إحدى المحطات الإذاعية المغربية مستمعيها ومستمعاتها إلى المشاركة في استفتاء لاختيار شخصية سنة 2014، واقترحت مجموعة من الشخصيات المادية والمعنوية في مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد والفن والرياضة والإعلام والمجتمع كمتنافسين حول اللقب الفخري، إلى هنا تبدو الأمور عادية قبل أن تأخذ القضية مجرى آخر.
سر الجدل اختزال المسابقة في المفاضلة بين مطرب في بداية مشواره، لازال يحمل على ظهره علامة 90 اسمه سعد لمجرد، والفقيد المهدي المنجرة المفكر المستقبلي الذي نذر حياته لتطهير دروب العقول وفك اختناق مجاري الفكر المغربي، لكنه مات بعد أن فوضت الدولة قطاع تطهير وتنظيف الأدمغة لشركات خصوصية.
تعالت الأصوات منددة بوضع لمجرد والمنجرة على خط السباق، وعبرت أسرة الراحل عن قلقها من الاستفتاء الذي يعبث بتاريخ عالم المستقبليات ويضع جائزة الشمس المشرقة التي منحها له إمبراطور اليابان، في مهب التصويت سيما وأن فوز لمجرد لا قدر الله سيضع المحطة في وضع حرج مع مستمعيها، وسيحول المنجرة إلى منجرة (بكسر الميم وفتح الجيم) تعيد تقليم الأقلام التي كتبت تاريخ الفكر المغربي على نحو آخر، وتجعلنا نؤمن بأن التافه تافه إلى أن تنتهي صلاحية تفاهته.
ذكرني الاستفتاء السنوي بجائزة صحيفة الفجر الجديد الليبية في عهد معمر القذافي، حيث حصرت اللقب السنوي في آل القذافي، تارة معمر وتارة سيف الإسلام وتارة الساعدي وتارة خميس وعائشة وهلم شرا، ومع كل استفتاء كانت الصحيفة تلجأ لأرنب سباق يضفي على المنافسة توابل الحماس، حتى أصبحت «شخصية السنة» لا تغادر قصر العزيزية، بل هدية سنوية من القراء لأولي الأمر منهم.
وفي العام الماضي اضطرت صحيفة الوفد المصرية إلى إلغاء الاستطلاع الذي يدعو القراء للمفاضلة بين محمد مرسى وعبد الفتاح السيسى. تم توقيف الاستطلاع بدعوى هجوم المد الإلكتروني الإخواني الذي رجح كفة مرسي، وقالت إدارة الصحيفة إن «العملية سجلت معدلات هائلة في الدخول من جانب اللجان الإلكترونية الإخوانية،التي أثارت دهشة واسعة لحرص أنصار مرسي على التصويت له والسهر لوقت متأخر في هذا الجو الشديد البرودة»،فكان عذرها أقبح من ذنبها. لم تخل مسابقة المحطة الإذاعية البيضاوية من غضب ساطع للمثقفين بصنفيهما اللغوي والاصطلاحي، وعبرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي عن قلقها حول المستقبل الاعتباري لعالم المستقبليات الذي ظل ينظر للقادم دون أن يخطر على باله يوما أنه سيدخل غمار مسابقة حول لقب شخصية العام مع مطرب في بداية مشواره الفني.
دعا أحد المفكرين الغاضبين، في تغريدة على صفحته الفايسبوكية، إدارة الإذاعة إلى إجراء تعديل على الاستفتاء، والمفاضلة بين المطرب وحذاء المفكر الراحل، لكن المقترح قوبل بالرفض وتم الاتفاق على نعل واحد بدل زوج حذاء، واستبق كائن فايسبوكي آخر نتائج الاستفتاء وأعلن فوز حذاء الدكتور بلقب الشخصية الثقافية لسنة 2014 فداس على النوايا التي حاولت تكريم المهدي في وحل استفتاءات لا تتحكم فيها معايير علمية بقدر ما تتحكم فيها نقرات إلكترونية و»ميساجات» مؤدى عنها، بينما دعا أتباع علال القادوس الإذاعة إلى تبرير إقصاء منقذ العاصمة من السيول واستبداله بالوقاية المدنية.
قال المنجرة إن الصينيين القدامى قرروا العيش في أمان، فبنوا سور الصين العظيم واعتقدوا بأنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات، وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو التسلل عبر بواباته، وفي كل مرة كانوا يقدمون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب، ليخلص المهدي إلى أن الصينيين أساؤوا التقدير حين انشغلوا ببناء السور ونسوا بناء الحارس.
الآن نحن أمام وضع مشابه جعلنا نغفل بناء العقول، فكانت النتيجة كارثية بعد أن أصبح كل شيء في هذا البلد «مزفت» باستثناء الطرقات طبعا، لذا علينا التقيد بنصيحة مرشد مدارس السياقة الذي يدعونا لليقظة بلازمته الشهيرة «ما نخاف ما ندهش»، حين تعلن المحطة عن نتيجة الاستفتاء المستفز، وتتحف المستمعين بمقطع لمجرد الشهير:
«ربي سبحانو خلق كل واحد في مكانو علامات الساعة بانو إلى تحكمتي فييا».
ساحة النقاش