فلاش بريس= رشيد نيني
الجمعية المغربية للدفاع عن النهج الديمقراطي (2/1)
لقد خصني الرفاق في حزب النهج الديمقراطي ببيان ناري صادر باسم كتابتهم الوطنية، ردا منهم على ما أسموه التهجم على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعليهم. وإنني إذ أشكرهم على ما أولوه لي من عناية لا أستحقها، لا أدري لماذا ذكرني هذا البيان الذي أخذ شكل مداخلة، بحلقيات النقاش المطولة والمملة التي كنت أحضرها في الساحة الجامعية، والتي ظلت صامدة على حالتها ثابتة في مكانها، ولم تغير فيها السنوات شيئا إلى اليوم.
وما يدعو إلى التعجب هو كيف ترك الكاتب الوطني للنهج والمفتش الجهوي للإسكان «الباش مهندس» مصطفى البراهمة، أخبار الفيضانات التي جرفت بيوت الطبقات الشعبية التي بنيت في الوديان المنسية في دائرة نفوذه، ونسي التضامن معها في محنتها، لكي يخصنا ببيان مكتوب بمنطق إياك أعني واسمعي يا جارة. وكيف تخلى هو ورفاقه عن معاركهم الكبرى التي دأبوا عليها إلى جانب حركات التحرر العالمي، في التصدي لهجمات الامبريالية وتغول الرأسمال العالمي على اقتصاديات الدول الفقيرة، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وكيف أغمدوا سيوفهم الخشبية ضد المخزن العميق، ليدبجوا بيانا غير مسبوق يجلدون من خلاله صحافيا كتب عنهم وعن علاقتهم الملتبسة مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ويهددونه باللجوء إلى القضاء «الرجعي»، الذي سيستصدرون عنه حكما باسم صاحب الجلالة، وهم مستمرون في مساعيهم نحو إسقاط المخزن وإقامة الديمقراطية، متحدثين من داخل نفس البيان باسمهم وعن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دون أن يفوتهم تأكيد كل المواقف التي كتبنا عنها.
وحسب مدبجي البيان، فإن مواقف الحزب والجمعية لا تتماهى في ما بينها كما نزعم نحن، بل تتقاطع فقط، لأن برنامجهم الحزبي يستهدف التغيير الديمقراطي الجذري ذا الأفق الاشتراكي، ويتجاوز بالطبع سقف مطالب الحركة الحقوقية، الذي سيبقى سقفا ليبراليا طبعا، وهذا ما قلناه نحن في عمودنا بصيغة أخرى.
وأنه انطلاقا من ذلك التقاطع الذي يفهم العوام أنه تماهٍ وتطابق، فإنهم في الحزب يتحالفون موضوعيا مع الحركة الحقوقية مع الاحترام الكامل لاستقلاليتها، والتي لا تعني في عرفهم الابتعاد عن بعضهم البعض، وتفترض انحيازهم جميعا لجانب الشعب.
فبالنسبة للرفاق «النهجاويين»، يمكن للمرء أن يكون ليبيراليا بورجوازيا داخل الجمعية، واشتراكيا راديكاليا مؤمنا بديكتاتورية البروليتاريا داخل الحزب، وأن يحصل على تمويل لفائدة الجمعية من جهات إمبريالية مقابل برنامج متفق عليه، دون أن يستفيد منه حزبيا، ويحافظ بذلك على طهارته وعفته الثورية وبكارته الإيديولوجية، فلا يخلط بين قبعة الحزبي وقبعة الجمعوي والنقابي وغيرها، تماما مثلما حدث في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان المنعقد بمراكش مؤخرا، حيث لم يمنع انتماء البعض للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أو للنهج من الحضور باسم جمعيات أخرى. كما لم يمنع المقاطعين للمنتدى من الدخول إلى المطعم وتناول وجبة الغداء جنبا لجنب مع المشاركين، وكأني بهم يريدون إقناعنا بأن سيطرة مناضلي النهج على دواليب الجمعية، وإقصاء مناضلي الطليعة والاشتراكي الموحد، التي طالما شكلت عند كل جمع عام أو محطة مؤتمر مواضيع سجالات وتظلمات وانسحابات، ليس من شأنها أن تؤدي إلى سيادة الموقف الواحد داخل الإطارين معا.
وأنا أتحدى من يأتيني بموقف صادر عن الجمعية لا يتطابق مع مواقف النهج، إن لم يكن مكتوبا من محبرته، هذا إذا لم يكن النهج يعتبر الحركة الحقوقية طليعة تكتيكية للثورة، بعدما أفلست شعاراته حول الحركة الطلابية، وترك ساحتها مرتعا للتطرف والقتل.
وبالنسبة للموقف من الدين، فالنهج الديمقراطي، كما يقول صلب بيانه، لم تكن له أبدا معارك ضد الدين كدين، بمعنى أن معاركه هي ضد الدين كإيديولوجيا، أو كإسلام رسمي مبني على الطاعة والولاء لأولياء الأمر، ومفهوم «إمارة المؤمنين» كمكون أساسي للدولة المخزنية، وكإسلام سياسي يهدف إلى بناء دولة دينية استبدادية، أما إسلام الشعب، حسب مفهوم «فقهاء» النهج، الذي يتضمن قيما مشرقة كالحق والعدل والاستقامة، وإن كان مخترقا بالإيديولوجية السائدة، فإنهم لا يحاربونه، لأنهم يؤمنون بحرية العقيدة وبالحق في ممارسة الشعائر الدينية والعبادات، والبديل الديمقراطي الوحيد والممكن في نظرهم، هو العلمانية حيث يتم فصل الدين عن الدولة وعن السياسة ووضع التشريع كاملا بيد المجتمع.
وحول قضية الصحراء المغربية، أو ما نعتبرها كشعب قضية المغاربة الأولى، لم يفت مدبجي البيان أن يؤكدوا أن النهج الديمقراطي يدافع عن مبدأ تقرير المصير للشعب الصحراوي تحت إشراف الأمم المتحدة، زاعمين أن المخزن يمسك بقضية الصحراء وحده بيد من حديد، ويستعملها لإقامة الإجماع حوله وترهيب المعارضة الحقيقية وتبرير سياسة القمع والتقشف.
ولا ندري ماذا يقصد الرفاق بتلك المفاهيم الملتبسة، من قبيل «التعددية الحقيقية» و«المعارضة الحقيقية»، والتي تعبر عن استبطانهم لفكر إقصائي للآخر، باعتبار أن كل ما ليس نهجاويا فهو مزيف وغير حقيقي، وهو غير معترف به في ملتهم واعتقادهم.
أما في ما يخص العلاقة مع استغلال الحزب للنقابات من أجل تحقيق مكاسب سياسية، فسيخلع الرفاق مرة أخرى قبعة الحزبي والجمعوي ليلبسوا قبعة النقابي، ويتحدثوا باسم «التوجه الديمقراطي» داخل الاتحاد المغربي للشغل، وهو التوجه الذي لم يستطع لحد الآن أن يقطع الحبل السري مع «التوجه البيروقراطي»، وشرعوا في توجيه التهم لكاتب هذا العمود، بكونه اصطف إلى جانب البيروقراطية المتعفنة المهيمنة على الاتحاد وكال لها المديح، متناسين ما سبق أن كتبنا عن نقابة الاتحاد في عمود سابق بعنوان «باطرونات النقابة»، حينها اتهمنا بخدمة مصالح هذا «التوجه الديمقراطي» الذي صار يحسب كل صيحة عليه.
لقد تعودنا على أن نسمع اتهامات من طرف كل من كتبنا عنه، بأننا أصبحنا مأجورين لهذا التوجه أو ذاك، وقد حان الوقت لنعترف بأننا مأجورون بالفعل، وأن نكشف عن الجهة التي تمنحنا التمويل، إنها مجموع قرائنا الذين نفتخر بتمويلهم لنا عبر اقتناء جريدة «الأخبار»، فهم الجهة الوحيدة التي سنظل مخلصين لها، وسنستمر في تزويدها بالمعلومات التي نتوصل بها حتى ولو كلفنا ذلك محاكمات أخرى. فهل يستطيع ثوريو النهج والجمعية أن يكشفوا للشعب عن مصادر تمويلهم؟
ساحة النقاش