فلاش بريس = حسن البصري
بويزكارن.. فينيسيا المغرب
حين شاهدت صور سيول بلدة بويزكارن وغضبة وديان كلميم، أيقنت أن مشاريع النماء التي تحدثنا عنها نشرات الأخبار في القنوات الرسمية، واضحة وصامدة ضد عوادي التقلبات المناخية.
حينما نقلت مواقع التواصل الاجتماعي ما حذفه مقص التلفزيون الرسمي، وقائع غرق الأهالي في وديان وسيول جارفة، تبين أن إصلاح الشبكة الطرقية وتقويتها مجرد لازمة يرددها عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز، كلما خسر معركة هشاشة الطرق، وتأكد لي بما لا يدع مجالا للشك بأن الوزير بريء وأن الذين بالغوا في طلب المطر بصلاة الاستسقاء هم المتسببون في الفاجعة.
أما وزارة الداخلية فوضعت مصالحها في حالة استنفار ليس لإنقاذ الضحايا، بل لتقليص عددهم، فحين تتحدث مواقع التواصل الاجتماعي عن مائة ضحية تصر بيانات الوزارة على تقليص الأرقام إلى 18 فقط، وهو رقم يكفي لإقالة العابثين بأرواح العباد وصورة البلاد. في مثل هذه الكوارث تصرف الحكومة تعويضات للمتضررين، لكن تعويضات الأطر التي تجشمت عناء السفر إلى كلميم تكون مضاعفة.
في «مدينة» بويزكارن تعطلت الحياة وأصبحت المنطقة معزولة عن العالم، بعد أن تهشمت الطرق التي تعاني من هشاشة العظام، وتحطمت القناطر المبنية بالإسمنت غير المسلح، خوفا من تسليح المنطقة، وأصبحت المدينة تطفو فوق المياه، كفينيسيا إيطاليا مع فرق بسيط يكمن في سعادة الطليان بالمياه وحزن أهل بويزكارن وخوفهم من السيول.
لم يتحرك عمر الحضرمي، والي كلميم، رغم أنه ابن مدينة بويزكارن، وظل حبيس إقامته يتابع الوضع عن بعد ويعلن سيطرة مصالحه على المياه.
تعطلت خلية اليقظة واكتفى وزراء حكومة بنكيران بمتابعة الوضع فايسبوكيا، من خلال الضغط على «جيم» وفي أسوأ الحالات «بارطاجي» وكأنهم يتقاسمون النكبة مع الآخرين، بينما اعتذر وزير الصحة عن عدم قدرته على استخدام الهليكوبتر الطبي للضرورة المناخية، فيما كتب أحد المواطنين على صفحة وزير عبارة مؤثرة «سيول في أنف ابن وزير بسبب زكام عابر يستنفر حكومة بأكملها، وسيول تجرف أبناءنا لا تستحق تحركا حكوميا».
بويزكارن التي كتبت رسالتها من تحت الماء وقالت «إني أغرق أغرق أغرق»، تنتمي إلى المغرب العميق، رغم أنها أنجبت الحضرمي وبيد الله وباها وحارس المنتخب الأسبق، بن زكري. في هذه البلدة يسترخص المسؤولون أرواح ضحايا السيول، فينقلونهم في شاحنة لنقل الأزبال،ويقرؤون الشهادة الأخيرة للغرقى الذين يلوحون بأيديهم لمسؤول لم يستنفد رصيد التعبئة من الشهامة.
في ضواحي كلميم حوصر عريسان احتفلا للتو بزفافهما، فسافر بهما القدر إلى فينيسيا الصحراء، حيث قضيا ساعات عسل مر. حوصر أهالي العريسين واستبدلت النكافة قاموسها وشرعت في قراءة اللطيف، أما الضالعون في المكر فألصقوا تهمة الغرق بالعروس لا بالحكومة.
من بين المحاصرين في هذه البلدة طاقم تحكيم تابع لجامعة كرة القدم، كان متوجها إلى العيون لقيادة مباراة في كرة القدم، عاين الحكام المأساة وعاشوا حصارا بين قريتين لساعات طويلة، فوقفوا على الأخطاء في تمرير الصفقات، وشرود المسؤولين وتسلل المفسدين، وعرقلة من الخلف لكل المبادرات الإصلاحية، فلم يجدوا بدا من إشهار البطاقة الحمراء في وجه الحكومة التي تصنف المنطقة في خانة المغرب غير النافع، اقتداء بالتسمية الاستعمارية التي ما زالت صامدة ضد عوادي الزمن.
تداول الفايسيبوكيون صور البلدة وهي تغرق، وتبين أن التعليقات الساخرة ضحك كالبكاء، حين نقلوا صورا صادمة لمعاناة السكان في مدينة لا تتوفر على مجاري المياه، مما يجعلها في غنى عن علال القادوس منقذ العاصمة الرباط من الغرق، بل تحتاج إلى علال القناطر والطرقات حتى يفك العزلة عن بلدة ذنبها الوحيد أن الجغرافيا رمت بها خارج باب الصحراء.
ساحة النقاش