فلاش بريس = المهدي الكًًََراوي
عذرا.. لقد تشابه عليكم الطوفان !
تابع العالم بأسره فضائح فيضانات المغرب، وتناقلت كبريات القنوات العالمية صور الطوفان الذي ضرب البلاد وحمل معه الشاحنات والسيارات وجرف مواطنين عزلا، وتذكر الناس فجأة أن الأودية والأنهار لا تنسى مجراها حتى لو جفت لمئات السنين.
وحين كان الناس يحاولون إنقاذ أرواحهم ومتاعهم ومواشيهم من أمطار طوفانية وفيضانات الأودية والأنهار مجردين من كل وسائل الإنقاذ، كانت قيادة حزب العدالة والتنمية في ربوع البلاد تتبادل عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور «شوفوني»، وأخبار سفريات بنكيران عبر الطائرات لحضور الاجتماعات الحزبية، ونجاته من الموت.
في زمن التناوب أبدع الاتحاديون عبارة «الزعيم الضرورة»، نكاية في تحكم عبد الرحمان اليوسفي في الجهاز الحزبي والحكومي، واليوم نعيش مع تناوب الإخوان زمن «الحزب الضرورة»، بعد أن صارت جميع تصريحات بنكيران وصحبه تصب في أنهم «هبة من الله» لهذه البلاد.
قبل الربيع العربي كانت قيادة العدالة والتنمية تسير في الأسواق وترتدي النعال وتطلق اللحى وتأكل البيصارة مع الشعب وترفع شعارات قوية تتوعد بإسقاط الفساد والقضاء على الريع، والناس صدقوا خطابهم وأكثر من ذلك أن مظهرهم كان يوحي بأن هؤلاء أصحاب كلمة وأصحاب مشروع.
اليوم يكفي للمواطن العادي أن يدخل إلى «يوتوب» ويقارن صورهم بين الأمس واليوم وشعاراتهم القديمة التي دخلوا بها الحكومة مع أقوالهم الجديدة، بعد أن أصبحوا لا يضعون رجلا في الأرض إلا وهم محاطون بحراسهم الشخصيين، يمنحون رخصا لبيع الخمور وأخرى لاستغلال المقالع، ويتنقلون داخل المغرب في الطائرات ويركبون سيارات فخمة بستائر على النوافذ تحجب عنهم رؤية الواقع.
والواقع هو ما شاهده العالم حين أصبحت قرى ومدن المغرب «مغطوسة» تحت مياه الفيضانات والوحل ومجاري الصرف، الواقع هو هذا الغش الذي كشفته أمطار ربانية طاهرة حين رأينا أن وزارة التجهيز تصرف ميزانيات عمومية ضخمة في صفقات لبناء طرق تبين اليوم أنها بنيت على الوديان والأنهار، الواقع هو أن أمطار الخير جاءت في وقتها وعوضتنا عن ألف من لجان التحقيق وتقصي الحقائق، بعد أن تبين للجميع أن البنية التحتية لمدن المغرب العميق ليست سوى بنيات للديكور.
البنيات التحتية من طرقات سيارة وطرق جهوية وإقليمية وقناطر ومسالك قروية، هي مشاريع ضخمة تلتهم أكبر نسبة من ميزانية الحكومة، وراءها شركات عملاقة تجني أرباحا طائلة وهناك مهندسون وتقنيون وخبراء وتحاليل علمية للمواد الأولية ومعايير جودة وسلامة وتتبع أشغال، كل هذا الجيش العرمرم يشتغل هانئ البال في مجال بعيد عن مراقبة الرأي العام والمنتخبين ووسائل الإعلام، واليوم تأكد للجميع أن حالة الطرق هي أكبر دليل على أن الغش في الصفقات العمومية لا يحتاج إلى برهان، وأن الترخيص ببناء الطرق فوق مجاري الأودية والأنهار، هو أكبر فضيحة سياسية للحكومة الحالية، وحين نكشف بوثائق رسمية وجود غش مماثل في بناء الطريق السيار لآسفي فرد الحكومة يكون سريعا وتتقاسم أدوارها بين الرباح وبنكيران والرميد، ونساق كصحافيين إلى المحاكم كمتهمين.
ما عاشته البلاد في الأيام القليلة الماضية وما ستعيشه لا قدر الله في باقي فصلي الخريف والشتاء، هو أكبر إدانة من الطبيعة للمشاريع العمومية للحكومة ولوزارتها في التجهيز، بعد أن شاهد العالم بأسره أن طرقات المغرب مغشوشة وبأن سياسة الحكومة الحالية هي الطوفان الحقيقي الذي ضرب المغرب.
ساحة النقاش