http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس = محمد الأشهب

مرض الرئيس وأزمة العلاقات

تشبه الظروف التي أحاطت بالإقامة القصيرة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مستشفى في غرونوبل، حالة العلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث لا يريد أي طرف الكشف عن وضعها الصحي سياسيا واقتصاديا، فقد اطمأنت الجزائر إلى سياسة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، كما رغبت باريس في الاستفادة من الشقاق الحاصل في المنطقة المغاربية، بخاصة على مستوى العلاقة بين المغرب والجزائر.
يقول المسؤولون الفرنسيون أنهم لا يميزون بين الجارين، وأن العلاقة مع الرباط لا تكون على حساب الجزائر، كما العلاقة مع الجزائر لا تبنى بحسابات استفزاز المغرب، ولم يبتدعوا شيئا جديدا في مضمار علاقات التوازن التي نهجتها أطراف عدة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن منطق التوازن لا يلغي المواقف المبدئية التي جرى التعبير عنها لناحية الإشادة بخطة الحكم الذاتي والمقاربة المغربية لإنهاء التوتر في الشمال الإفريقي، ولا تنال من واقع أن استقرار المغرب يشكل نموذجا فريدا في المنطقة.
أبعد من ذلك أن التوازن، إن كان خيارا يهم سياسة كل دولة لها الحق في ترسيم خطوط العرض والطول في تصنيف الصداقات والمصالح، فإنه يفقد أهم ركن فيه، حين يغض الطرف عن الأسباب التي تعرضه لفقدان توازنه، فالعلاقات بين الدول شيء، والحرص على معالجة الأزمات التي تهدد الأمن والاستقرار شيء آخر، ولا يمكن بدواعي الحرص على التوازن صرف النظر عن الأزمة الجيوسياسية القائمة في الشمال الإفريقي منذ قرابة أربعة عقود، وإذا كانت صداقة الجزائر مطلوبة بحجم تبادل المصالح والمنافع ذات الطابع الاقتصادي والتجاري، فإن ذلك لا يفترض أن يحجب الممارسات الخاطئة التي تعرض أمن المنطقة إلى مخاطر حقيقية.
الجزائريون الذين ترسبت لديهم عقدة الوجود الفرنسي، أذعنوا بقوة الأشياء إلى إرسال رئيسهم إلى العلاج في مستشفيات فرنسية، وهم لا يفعلون ذلك بسبب الخصاص الناتج عن التجهيزات والكفاءات الطبية في بلادهم التي لا تجد ما تفعل بالموارد الهائلة لمداخيل النفط والغاز فقط، بل بخلفيات سياسية، فقد أرسلوا الرئيس الراحل هواري بومدين إلى موسكو على عهد الاتحاد السوفياتي، مخافة استغلال وضعه الصحي، ومما لا شك فيه أن تردد بوتفليقة على فرنسا يندرج في نفس السياق، لذلك لم يكن غريبا حف موكبه العائد إلى الجزائر بعد إجراء الفحوصات بسيارات رسمية لافتة. والإشارة هنا تجد دلالاتها في حادث تعرض جنرال مغربي هو قائد المنطقة الجنوبية سابقا، والمفتش العام السابق عبد العزيز بناني إلى أعمال استفزازية، حركت مواجع العلاقات بين الرباط وباريس.
هذه مسائل شكلية، لكن الأسلوب يعكس ظلال السياسات، وفي مقابل ذلك ذهبت بعض الصحافة الفرنسية إلى الربط بين الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإثارة مسألة خلافته المطروحة بقوة الواقع، فلا العهدة الرابعة أزالت الغيوم من سماء الأزمة الجزائرية ـ الجزائرية، ولا أخذ الصور بدد الشكوك في استسلام المسؤول الأول عن الدولة إلى الضعف والإنهاك الجسدي. حتى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قال إنه يعاني من صعوبة الحركة لكنه حاضر البديهة، ولعله يقصد بذلك بديهة الانعطاف الحاصل في مسار العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية، التي يبدو أنها أكثر حرصا على الإفادة من تشخيص المرض، مرض الرئيس الجزائري، ومرض العلاقات المغربية ـ الجزائرية.
أسعفه، أو أسعف المحيطين به وضع صحي مقلق سياسيا، فاهتدى إلى تعديل الدستور لضمان ولاية رابعة، لكن الحدس السياسي خان الجميع في تأمين استحقاقات رئاسية بلا مضاعفات. والمشكل لم يكن في تعبيد الطريق أمام معاودة انتخاب الرئيس، بالطريقة التي جرى بها إخراج المشهد كاريكاتوريا، ولكن تركز على سبل تدبيرها بعد الانتخاب، فقد أصبح الوضع الصحي مقلقا وعائقا لا يساعد في الرؤية، وتعطلت نتيجة ذلك باقي الاستحقاقات.
العلاقات الفرنيسية ـ الجزائرية وحدها شذت عن القاعدة، لأنها نفدت من البوابة الخلفية للأزمة، حيث يسعى النظام أو الماسكون بزمام الأمور، من خلف النار إلى حيازة شرعية ما. وللمرة الأولى لم يعد ضيوف الجزائر يصغون إلى أفكار وتصورات حول سياسة البلد المجاور إزاء مختلف القضايا المطروحة، بل يهتمون فقط برقابة الوضع الصحي للرجل المريض المقيم في قصر المرادية: هل سيحرك يده فعلا؟ وهل يستمع إلى ما يقوله الضيوف؟ وهل يقدر على ترجمة ما يجول بخاطره إلى أفكار؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الحرجة التي تعكس عمق الأزمة.
في حالة جمود كهاته، هل تستطيع الجزائر أن تقدم شيئا لضيوفها غير الشفقة على ما آلت إليه السياسة، إذ تعوزها السلامة الفكرية والجسدية؟ بالأحرى هل في إمكانها أن تقدم ما هو أهم إلى أبناء البلد الذين ينتظرون حدوث مفاجأة ما؟ أقله أن تدار البلاد مثل غيرها من الدول بمؤسسات ونخب ومبادرات؟ المشكل أن ليس الضيوف معنيين بالحالة الصحية للبلاد، طالما أنها انعكاس لصورة الرئيس، شافاه الله. فبعض الضيوف يرمي بنظره إلى الصفقات التي تتيحها أوضاع مرتبكة، وبعضهم الآخر يستلذ استمرار الأزمة، فيما الشعب مطوق في غرفة انتظار، ليس في مثل العناية الصحية التي يلقاها الرئيس من بلد كثيرا ما وصفه الجزائريون بأنه أصل الداء في جل مشاكلهم.

 

المصدر: فلاش بريس = محمد الأشهب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 27 مشاهدة
نشرت فى 19 نوفمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,223